قضية المرأة ومحنة التغيير



عواد احمد صالح
2007 / 6 / 22

يوما بعد يوم تبرز اهمية ، مسألة الحداثة والتنوير والديمقراطية وبناء مجتمع مدني انساني في العالم العربي والاسلامي ، ذلك اننا نشهد عملية تراجع ونكوض لدى الجماهير بالعودة الى كل ما كان قد مضى وانقضى في ردة فعل جماعية اسماها الصادق النيهوم " هروب جماعي من صوت العقل " ومشكلة تحرر المرأة ومساواتها بالرجل واحدة من ابرز المحاور والأشكالات المطروحة على جدول برامج واهداف القوى التحررية والتقدمية وهي تكتسب اهمية اكثر كلما ادركنا حجم التراجع والعودة الى قيم الماضي وتصوراته التي تنتشر بين صفوف الجماهير الامية والساذجة . ذلك التصور الذي يتضمن بالأساس اخضاع جميع الظواهر الأجتماعية والأقتصادية لسلطة القدر والمقدس والتقليد ومقتضياته وتشريعاته التي تعبر – من وجهة نظر تاريخية وعلمية عن مرحلة بدائية لها خصائصها الأجتماعية والأقتصادية ، هنالك اليوم بون شاسع بين الفكر والتقاليد الموروثة العشائرية والرجعية وقيم البداوة الكامنة في اللاوعي الجمعي المتداخلة والممتزجة مع ماهو مقدس وتجلياتها وبين الواقع الحضاري المعاصر المبني على قيم الحرية وحقوق الأنسان والمنهج العلمي التجريبي وضمن هذا التناقض تحاول قوى النكوص اخضاع المرأة للأشتراطات المسبقة والقيم المقدسة والتقاليد الأبوية والعشائرية التي تعتبر اليوم عند اغلب الجماهير المتخلفة بوصفها اليقين المطلق .
ان الهوه والشرخ بين الأفكار والقيم الرجعية والمتخلفة والقيم الحضارية القائمة والأفكار التحررية تتسع اكثر قاكثر بتاثير عوامل سياسية منها الصراع العربي الأسرائيلي والهيمنة الرأسمالية الغربية في عصر العولمة التي هي سبب رئيسي في تخليف اقتصاديات الدول العربية والاسلامية .. مما يخلق شعورا لدى جماهير واسعة هنا بعقدة نقص ازاء الأخر وهو ما يشكل احد اهم اسباب النكوص لمحاولة استرجاع الثقة بالذات عن طريق محاكات التراث والقيم السالفة وايضا مما يسبب ردة فعل عنيفة تجاه كل مظهر حضاري يمائل الثقافة والحضارة الغربيتين وكجزء من هذا التصور، تحاول قوى النكوص –كما يحث في العراق اليوم –تدمير البناء الحضاري بكل أشكاله ومظاهره لصالح سيادة الأفكار والمظاهر البدائية الرجعية والساذجة والمغلقة .
ليست قضية المرأة اليوم بمعزل عما يجري فهي جزء من تلك المشكلة الكبيرة ، مشكلة الصراع بين القيم التحررية والحداثة ومشاريع التغيير والثورة الاجتماعية وقوى النكوص والتطرف الرجعية والمتخلفة حيث تلعب هذه الأخيرة دورا هائلا في تكريس مرحلة من الاحباط والأنحطاط الجماعي .
في سياق هذا الاشتباك كيف تنظر المرأة الى نفسها؟؟ تلك النظرة المسبقة التي تشكل العمود الفقري للقيود والسلاسل التي يفرضها المجتمع عليها .
ان نظرة المراة الى نفسها محكومة بالمقدس والمرعب وبالشعور بالتبعية والنقص وبكونها كائن من الدرجة الثانية وكون القدر فرض عليها هذة المكانة فهي لا ترغب بتجاوزها او عبورها لتصبح كائنا موازيا للرجل اجتماعيا وسياسيا .
تلك النظرة تشكل محصلة ونتاج لنظرة مهيمنة على الوعي والسلوك الأجتماعي تمثلها الثقافة السائدة والتقاليد الأقطاعية والأبوية وسلطة الموروث ...
لا يخفى على احد ان دور ومكانة المرأة في العراق بعد نيسان 2003 قد تراجع كثيرا بـتأثير سيناريو الحرب والأحتلال والعنف والفوضى الأمنية التي سببها ، وبروز دور قوى الاسلام السياسي بمختلف تجلياتها على الساحة السياسية ومحاولاتها فرض اجندتها واشتراطاتها المستقاة من الأيديولوجيا الدينية والقيم العشائرية وقد فقدت معظم النساء ما كن قد حصلن عليه من مكانة اجتماعية وحقوق مدنية في المراحل السابقة وابرز مظاهر ذلك اختفاء وتراجع حضور المرأة في المجتمع والشارع والعمل وارتداء الحجاب والنقاب بشكل قسري باعتبار ذلك فرض شرعي .. وقد اصبح ذلك في المناطق المحافظة والعشائرية ظاهرة عامة لم تكن مألوفة سابقا .

ان ظاهرة تحجيم دور ومكانة المراة في العراق وفرض الحجاب القسري عليها تشكل احدى مظاهر وجوانب قضية التحرر وبناء مجتمع مدني ديمقراطي وهي تستقي اسسها الفكرية والاجتماعية من مسألة فرض تأويل ديني خاص او رؤية أخلاقية اجتماعية مرتبطة بهذا التاويل وقد اصبحت احدى محاور الصراع السياسي والاجتماعي بين القوى التحررية والتقدمية وبين القوى المحافظة الرجعية .. ان القوى المحافظة والاصولية تحاول فرض الحجاب كجزء من برنامجها الاخلاقي الذي تقدمه كبديل عن البرنامج الأقتصادي الأجتماعي لأنها لاتمتلك مثل هذا البرنامج .. وبذلك تحاول اشغال المجتمع بأمور شكلية تجاوزها التطور التاريخي وعفا عليها الزمن ...
ان المجتمع العراقي ليس مجتمعا متشابها من حيث العادات والتقاليد والسلوك الأجتماعي ، فهو يتسم بالتنوع الشديد بين منطقة واخرى وبيئة واخرى ، هنالك مجموعة "ثقافات" عززها ووسع شقة التباين بينها التقسيم الطائفي والديني والعرقي الذي ساهم الأحتلال الامريكي في خلقة وتوسيع حدته ، فالحرب الطائفية بين السنة والشيعة وعمليات القتل والتهجير والفصل الحاصلة تعمق من حدة الصراعات والمشاكل الأجتماعية ومنها قضية حرية المرأة . ان قضية المرأة على المستوى الواقعي والعملي لا يمكن ان تحل بشكل حضاري مادام الاحتلال قائما ومادامت الحرب الطائفية والعنف والإرهاب يلقي بظلاله القاتمة على كل المجتمع .
ان التطور العالمي وسيادة المنهج العلمي التجريبي وانتشار قيم وحقوق الانسان وحرية الفكر والمعتقد والدين وضع كل ظاهرة اجتماعية او سياسية في اطار السؤال والنقد وبذلك اصبحت معظم الظواهر الاجتماعية والسلوكية خاضعة للتغيروالتطور وموضع نقد وسؤال .
في هذا السياق يمكن تصور الموقف الأنساني التحرري في الدعوة الى تحرير المراة بوصفها كائنا انسانيا يمثل نصف المجتمع ، تحريرها من شتى القيود الأجتماعية والاقتصادية والنظرة المسبقة والمفاهيم السكونية الجاهزة وان الدعوة الى تحرير المرأة هي دعوة انسانية واخلاقية مؤكدة ولا تعني بأي حال التهتك او ما يسمى الأنحلال بل هي دعوة لتأكيد مكانة الأنسان ودورة الأجتماعي الأيجابي سواء كان امراة او رجل ...
وان الدعوة لتحرير المرأة بشكل تام وجذري ليست ممكنة بدون تحرير المجتمع من التخلف والاستغلال والعنف وشتى التقسيمات الطائفية والعرقية والقومية وتحريره من التقاليد والعادات البائسة والمتحجرة .

أن تحرير المرأة يتطلب تغيير نظرة المرأة عن نفسها ودورها اولا وقبل كل شيء ، واعادة تشكيل وعي سياسي واجتماعي جديد تقدمي والنضال المستمر ضد الأكراة والاقصاء والنظرة الدونية والتمييز القانوني والحصول على فرص متساوية في مجال العمل والإنتاج والنشاط السياسي وهذا لن يتم دون اسهام المرأة العاملة بفاعلية في منظمات المجتمع المدني بما فيها المنظمات النسائية التحررية والأحزاب اليسارية والتقدمية .
ان تحرر المراة يجب ان يرتكز على ارادة ورغبة المرأة اولا ، ولابد ان تساهم جميع النساء العاملات في المدن والأرياف في النشاط السياسي والمهني في تيار اليسار الرديكالي والتيار العلماني التقدمي ، من اجل تنظيم ارادة التحرر ودفعها الى الامام ومن اجل المساهمة في تحرير الذات والمجتمع من كل اضطهاد واستغلال .
ان النضال الاشتراكي وحده سيعطي المرأة حريتها التامة وشخصيتها الأنسانية ويحرر وعيها من الأوهام والخرافات والأحباط . وضمن هذا التصور تسعى القوى التفدمية الى تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق السياسية والاجتماعية في الواقع وفي القوانين وتسعى للضغط على القوى المسيطرة من اجل سن قوانين تقدمية تحقق ذلك.
يرتكز المنظور الاشتراكي على تحقيق المساواة في كافة الحقوق بين الجنسين وهو هدف ومسعى ديمقراطي وانساني ، ولن يتم ذلك الا عن طريق أزالة التمايز الأقتصادي وازالة التمايز الطبقي والقانوني في المجتمع عندما يزول الاستغلال والتفاوت الاقتصادي والثقافي فان ذلك سيؤدي الى تساوي الناس في الحقوق ، عندما يتلقى كل من المرأة والرجل تعليما مناسبا وينخرطون في عمل منتج وتزول علاقات الأنتاج الراهنة المبنية على تقسيم العمل والتمايز الجنسي وتزول علاقات المصلحة بين الرجل والمرأة ، يتحرر كل من المراة والرجل من اكراه الحاجة والعبودية والاكراه الاجتماعي القائم على التمايز بين البشر . ويجب ان تدرك جميع النساء العاملات في مختلف مرافق العمل والانتاج والوظائف الخاصة والعامة ان تحررهن من السلطة المزدوجة للرجل والمجتمع واستغلال العمل تتطلب شرط الوعي بها وبضرورتها وانه لايمكن لهن الحصول على الحرية التامة والمساواة في الحقوق الا في مجتمع اشتراكي . ان التحرر الفردي مرهون بتحرير المجتمع من عبودية العمل المأجور ورأس المال .