القانون المعيب لعمل المرأة.. كيف نغيّره؟



فاخر السلطان
2007 / 6 / 26

نضال المرأة الكويتية لنيل حقوقها السياسية تَجسد نظريا في القرار التاريخي الذي صدر عن مجلس الأمة في مايو عام 2005، غير أن هذه الحقوق ظل ينقصها شيء أساسي وهو كيفية تفعيل النظرية إلى واقع عملي، ولأن هذا الواقع لم يتبلور على الأرض خسرت المرأة في الاختبار العملي الأول للوصول إلى كرسي البرلمان في صيف 2006. أما الاختبار العملي الثاني فقد ظهرت ظروفه هذه الأيام بعد تبني المجلس لقانون معيب وغير إنساني ويعكس وصاية العقل الذكوري على شؤون المجتمع حيث يحظر على المرأة العمل بعد الساعة الثامنة مساء والمعروف بقانون عمل المرأة. والاختبار الراهن فرصة للمدافعين عن حقوق المرأة، حقوقها كإنسانة متساوية مع الرجل، للعمل على إنصافها وإعادة النظر في القانون، ولإثبات أن تغيير الواقع الاجتماعي هو المدخل الرئيسي لحصول المرأة على حقوقها العامة لا مجرد حقوقها السياسية، حقوقها التي لا يشتم منها رائحة التفاوت والتمييز مع الرجل.
ومثلما توقع المراقبون إخفاقا نسائيا في وصول المرأة إلى كرسي البرلمان في انتخابات مجلس الأمة العام الماضي، بسبب عدم جاهزية المجتمع الكويتي وعدم استعداد أفراده لقبول هذا الأمر، إلا أن الفرصة الآن باتت متاحة للتأثير في هذا الواقع وشرح الظلم الواقع على المرأة برفض قانون عملها، وهو أمر من شأنه أن يسجل نقطة لصالح جهودها في تغيير الواقع الاجتماعي.
وكان المراقبون أشاروا إلى أسباب عديدة، اجتماعية وغيرها، لتفسير فشل المرأة في الوصول إلى كرسي البرلمان، أبرز تلك الأسباب هو استمرار هيمنة الثقافة الأبوية الذكورية الوصائية على الواقع الاجتماعي الكويتي، وهي ثقافة مدعومة من التيار الديني التقليدي المحافظ ومدعومة أيضا من التوجه القبلي، وتدفع لتثبيت وصاية الرجل على المرأة، وتسير بموازاة التحليل الذي يصف المجتمع الكويتي بأنه مجتمع محافظ تسيطر عليه العادات والتقاليد الذكورية. وهذا السبب تكرر مجددا مع قانون عمل المرأة. لذا قد نصل إلى نتيجة مفادها أن الحقوق السياسية للمرأة لا تمثل ضمانا كافيا لتحرير المرأة من أسر الثقافة الذكورية التي تحاول أن تكون وصية على شؤون المرأة بجميع مفرداتها وخصوصياتها وكأنها إنسان من الدرجة الثانية غير قادر على تحديد مصالحه. فهو تمييز يمارس ضد كائن بشري بآليات ديموقراطية، وهنا تكمن المعضلة. فالديموقراطية جاءت من أجل تحقيق العدالة والمساواة لا من أجل ممارسة التمييز بين البشر.
ورغم اختلاف التيار الديني السني عن الشيعي في الدفاع عن حقوق المرأة السياسية، إذ الأول كافح لمنع حصولها على هذه الحقوق فيما الثاني كانت له وجهة نظر معاكسة وكان متضامنا معها في هذا الاتجاه، نجد أن الاثنين يتفقان في موضوع قانون عمل المرأة، ما يشير إلى أنهما يختلفان في تفسير النصوص الدينية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة لكنهما يتفقان في النظرة الذكورية المحافظة اتجاه حقوقها الاجتماعية ومن ضمنها حقوقها في العمل، وهو ما يدعو إلى تكثيف الضغوط لمواجهة التفسير الديني المناهض للحقوق العامة للمرأة.
إن من صفات المجتمع الذكوري الأبوي أنه يؤسس الحياة على مبدأ "الحاكم الأعلى" وهو الأب، الذي يرتب الحياة على مبدأ التفاوت (التمييز)، كما يقول الكاتب في صحيفة الحياة فيصل دراج. ولهذا يتساوى الأبناء في خضوعهم للإرادة الأبوية الذكورية، من دون أن يساوي هذا الذكور بالإناث، الأمر الذي يدفع بالأنثى إلى خضوع مزدوج: فهي خاضعة للأب كغيرها، وهي خاضعة للأخ – الذكر، لأنه أب ضروري قادم. وبسبب ذلك يكون المجتمع الأبوي، لزوماً، هو المجتمع الذكوري. ويؤكد دراج أن تلك أيديولوجيا وأساسها "الذكر – الفارس"، لا بمعنى البطل المقدام في المعركة، بل بمعنى الذكر الذي يهاجم الأنثى منتصراً، ويدكّ حصونها قبل الوصول إليها. وتؤسس هاتان الصفتان لحالات عنوانها: العبودية السعيدة، التي ترضي الأب وتسعده، وتساوي بين احترام الأب والعبودية. وهذا ما يفسر موقف العديد من النساء في الكويت اللائي أعلنّ موافقتهن على قانون عمل المرأة، لأنهن رضعن من ثقافة دينية واجتماعية ترد وصاية الذكر على المجتمع وعلى المرأة إلى الدين وإلى العادات والتقاليد، ما يحتم تغيير الفهم الديني باتجاه آفاق تحترم المرأة وكذلك تغيير النظرة غير الإنسانية إلى العادات والتقاليد.
وتصف الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت النظام الذكوري الأبوي بأنه نظام قديم مستبد، منقطع عن زماننا الحديث الذي يقوم على الفردية الحرة المتحاورة. أي الحوار والاعتراف المتبادل وتساوي الحقوق والواجبات بين الجنسين واستبعاد مبدأ القوة والعنف، فالحوار يتأسس على لغة متساوية يتبادلها الجميع. وهذه الصفات المؤسسة للأيديولوجيا "الذكر" هي التي يجب أن يصار إلى تغييرها في المجتمع الكويتي بموازاة خوض معارك الدفاع عن حقوق المرأة في البرلمان وفي خارج البرلمان، لكن ذلك للأسف ما لم يحصل لأسباب متعددة، أهمها أن هناك سعيا للقفز على عوامل التغيير باتجاه تحقيق هدف ثانوي هو وصول المرأة للبرلمان من دون تحديد الهدف الرئيسي وهو تحقيق المساواة بين الجنسين على أساس الحقوق والواجبات ومواجهة أنشطة التمييز ضدها. فهذا هو الهدف الرئيسي وهو مدخل لحصول المرأة ليس على حقوقها السياسية فحسب بل على حقوقها العامة من سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، وهو أرضية تشكل مدخلا لإسقاط قانون عمل المرأة.
فالتيار الديني التقليدي المحافظ والتوجه القبلي في الكويت يرفعان شعار الدفاع عن المرأة لا شعار حصول المرأة على حقوقها الفطرية، لأن الشعار الأخير يتناقض مع موروثهما الثقافي والاجتماعي والديني. لذا معركة تحرير المرأة وحصولها على حق المساواة وعدم التمييز ومحاربة وصاية الرجل عليها، تقع على عاتق الرجل والمرأة معا، لأنها معركة تحرير الإنسان. فإذا ما كان أحدهما (أي المرأة) حريص على تلك الحقوق والآخر (أي الرجل) غير مبال إلا بمصالحه الذكورية، فإن وعيه الديموقراطي الزائف سيتشكل على هذا الأساس.
كما أن من أبجديات تغيير النظرة الوصائية "الدونية" إلى المرأة، هو السعي إلى خلق رؤية دينية جديدة تتواكب مع تغيرات الحياة، ووفق تحليل "أرندت"، لتضمن "أنسنة" التفسير. فبسبب غياب المحور الإنساني في التفسير الديني باتت المرأة أحد الضحايا الرئيسيين بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان في واقعنا الاجتماعي. لذا التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يجب تغيير الواقع الاجتماعي المتأثر بالتفسير الديني والقبلي الذكوري المعادي للمرأة قبل خوض المعارك السياسية والبرلمانية المتعلقة بشؤون المرأة، أم أن خوض تلك المعارك هو جزء من معادلة التغيير؟
باعتقادي الشخصي أن خوض المرأة للمعارك السياسية والبرلمانية هو جزء من معادلة التغيير، بمعنى أنه بموازاة تلك المعارك لابد للقوى السياسية والاجتماعية الداعية إلى تحرر المرأة والداعمة لمبدأ المساواة بين الجنسين، أن تسعى إلى التأثير في الوقع الاجتماعي الذكوري بغية تغييره، وهذا ما لم يحدث لا من قِبل أنشطة المرأة نفسها ولا من قِبل تلك القوى. ومن يتحدث عن أنشطة تغييرية في الكويت سوف يشير إلى جهد متواضع لا يستطيع أن يواجه أو يجاري حجم المشكلة وتبعاتها المؤثرة على استمرار ذكورية المجتمع.