السلطة، القوة والشرف وما بينها: بحث حول جرائم القتل على خلفية -شرف العائلة-



هدى ابو مخ
2007 / 7 / 17

في القسم الأول من هذا المقال، سأناقش وضع المرأة الفلسطينية في إسرائيل من خلال فحص ثلاثة محاور أساسية: التعليم، العمل والعنف الممارس ضدها.
في القسم الثالث سأستعرض ظاهرة القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة، مفهوم هذا النوع من الجرائم في المجتمع العربي في إسرائيل، جذوره، وكيفية تعامل المجتمع مع هذه الآفة. كما سأتطرق إلى العلاقة بين سياسات الدولة وبين حجم تفشي هذه الظاهرة في المجتمع العربي.
لمحة عامة
تعاني المرأة العربية في إسرائيل من التمييز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لسببين رئيسيين. أولهما انتماؤها إلى الأقلية الفلسطينية في دولة العرق الواحد – "الدولة اليهودية"، وثانيهما انتماؤها للأقلية النسائية في المجتمع العربي الذكوري. أحد التعبيرات عن هذا القمع المزدوج هو جرائم ما يسمى بشرف العائلة، حيث تعطى الشرعية الاجتماعية لها وتدعمها أنظمة الدولة (חסן, 2000). من أجل فهم أوسع لخلفية جرائم القتل على خلفية "شرف العائلة"، ارتأيت استعراض ثلاثة جوانب أساسية تحدد إلى درجة كبيرة نوعية العلاقة بين المرأة والمجتمع: التعليم، العمل والعنف ضد المرأة الفلسطينية في إسرائيل. اختيار هذه المحاور الثلاثة نبع من كونها تحمل تناقضات كبيرة في "الرسائل المخفية" التي ترسلها للمرأة. ففي حين يعبر "حق" التعليم والعمل والموافقة عليهما اجتماعيا عن نوع من الحقوق التي تعطى للمرأة لأول وهلة، فإن الواقع المخفي الذي تعبر عنه فئة كبيرة من المجتمع متمثلا بعقلية تعطي الشرعية للعنف الممارس ضد المرأة، من أقل أنواعه إلى أكثرها وحشية، يخلق التناقض الغريب لمن لا يفهم حقا رموزه السياسية، الاجتماعية والاقتصادية المخفية. القصة التي توردها حسن (2000). وفي ذات الوقت أرغب باستعراض سياسة الدولة ودورها في تحديد نوعية هذه العلاقة بين المرأة والمجتمع.

المرأة الفلسطينية في إسرائيل والتعليم:
في بحث أجرته الباحثة الفلسطينية هنيدة غانم تحت عنوان "مواقف من قضايا وحقوق المرأة الفلسطينية في اسرائيل" (2005) كان حقّ المرأة في التعلّم من أكثر الحقوق التي تمّت الموافقة عليها بل التحمّس لها؛ حيث رأى ما يفوق 95% من المستطلَعين/ات ضرورة منح المرأة المساواة أو المساواة التامّة في التعلّم، واعتبروا أنّ الأمر يساهم في تحسين مكانتها، فيما جاء بعد ذلك، من حيث الأهمية في رفع مكانة المرأة وبنسبة 91,7%، العمل على تغيير مفاهيم المجتمع عامّة، تلك التي تسيء إلى مكانة المرأة. كما رأى 84,7% من المستطلَعين/ات أنّ كون المرأة متعلّمة هو أكثر العوامل المؤثّرة إيجابيًّا في مكانتها. فيما جاء بعد التعلّم شخصية المرأة؛ حيث رأى 79,5% أنّ كون المرأة ذات شخصية قوية يؤثّر إيجابيًّا في مكانتها، وجاء بعد ذلك العمل بنسبة 70,4%.
نتائج مشابهة توصلت إليها بتريس (2000)، حيث كان هناك اجماع بين الاناث وجيل الشباب والأكاديميون والمنطقة المسيحية والذين لم يحددوا ديانتهم، على أن تواصل الفتاة دراستها إلى المرحلة الفوق ثانوية. أما جيل المراهقة والدروز والبدو فيفضلون أن تتعلم الفتاة حتى المرحلة الثانوية.
مقابل الإحصائيات أعلاه، أظهر "التقرير التمهيدي البديل لجلسة المنظمات غير الحكومية حول تطبيق إسرائيل لاتفاقية الامم المتحدة حول ازالة كافة أشكال التمييز ضد النساء" (2006) معطيات تشير إلى تواجد النساء العربيات في إسرائيل في أدنى معدلات التعليم في عام 2003 مقارنة مع مجموعات سكانية أخرى. فنسبة الأميات من النساء وصلت إلى 14.7% مقابل 4.5% بين النساء اليهوديات، 6.2% بين الرجال الفلسطينيين و 2.5% بين الرجال اليهود. كما أن معدل سنوات التعليم لديهن هو الأقل، إذ بلغ 10.9 أعوام. وبلغت نسبة الفلسطينيات اللاتي لم يذهبن إلى المدرسة 9.9% مقابل 3.3% من النساء اليهوديات.كما أن نسبة الفتيات الفلسطينيات المتسربات من المدارس في الصف التاسع بلغت 9.5%. ونسبة الفلسطينيات المواطنات في إسرائيل اللاتي انهين التعليم الجامعي بلغت 7.1%. اضافة إلى أن 60% من كتب التعليم المتوفرة للمدارس العربية في إسرائيل تتضمن اسنخداما واسعا لأنماط جندرية. فالدولة ترسخ الواقع من خلال انتهاج سياسة التمييز بحق الأقلية ومن خلال عدم منح الاستقلالية للمدارس العربية.

المرأة الفلسطينية في اسرائيل والعمل:
وفق البحث الذي أجرته غانم (2005)، نالَ حقّ المرأة في العمل شرعية عالية شرط عدم زعزعة توزيع الأدوار؛ حيث رأى 89,9% من المستطلَعين/ات أنّ العمل على توفير فرص عمل للنساء يساهم في تحسين مكانة المرأة العربية. وعبّر 82,6% من المشاركين/ات في البحث عن تأييدهم لحقّ المرأة في العمل إذا رغبت في ذلك، وأبدى 77,8% من المستطلَعين/ات موافقتهم الواسعة أو موافقتهم على أنّ عمل المرأة المتزوّجة يساهم في تحسين وضع العائلة، واعتبر البعض، ممّن تمّت مقابلتهم، أنّ عمل المرأة مفتاح لتغيير استراتيجيّ، سيؤدّي، على المدى البعيد، إلى تحوّل في القيم الثقافية والاجتماعية التي تميّز ضدّها، وكما كان عليه الأمر بالنسبة إلى التعلّم، فإنّ القبول غير المشروط بحقّ المرأة في العمل، أوّل وهلة، يبقى مقبولاً ضمن توافر مجموعة من العوامل غير المتعلّقة، دائمًا، بالمرأة أو المجتمع بل بالدولة، مثل توفير أماكن عمل قريبة وحضانات للعناية بأطفال الأمّ، أو توفير شروط عمل جيّدة أو حتى مواصلات منظّمة لأماكن العمل إن لم تكن قريبة. كما أنّ عمل المرأة مقبول شرط ألاّ يتحدّى الجندرة البُنيوية للعمل؛ حيث إنّ أعمالاً مثل سياقة الشاحنات أو العمل في التجارة وإدارة الشركات، تبقى أعمالاً غير ملائمة للمرأة؛ إذ اعتبر 84,7% أنّ سياقة الحافلات العمومية أكثر ملاءَمة للرجال، واعتبر 48,9% أن إدارة الشركات ملائمة أكثر للرجال، مقابل 1% اعتبروها أكثر ملاءَمة للنساء، وتفوّقت النساء في الأعمال والمهن التي لا تتطلّب مهاراتٍ إداريةً أو اتخاذ قرارات، كالعمل في مصانع الخياطة والتعليب (39,4%)، فيما اعتُبرت مهنة التعليم أكثر ملاءَمة للنساء (11,2%) منها للرجال (5,7%) واعتبرها 83,0% ملائمة للطرفين على حدّ سواء، فيما اعتبر 21,8% من المشاركين والمشاركات في الاستطلاع أنّ العمل في التمريض يلائم النساء أكثر (21,8%) من الرجال (8,3%)، واعتبر 69,7% أنّه ملائم للطرفين. لقد كانت الأعمال التي اعتُبرت أكثر ملاءَمة للنساء، مثل التعليم والتمريض والعمل في مصانع الخياطة والتعليب، وظائف لا تهدّد الرجل حيث هو صاحب القرار والقوّة في الحيّز العامّ، بل هي تُمَوْقِع المرأة في الوظائف التي لا تكون فيها صاحبة القرار، بل تكون متلقّيتَه. أمّا الأعمال التي تتركّز فيها قوّة اتخاذ القرار، مثل إدارة الشركات، أو القدرة على التحكّم بالمعاملات، مثل التجارة، أو التحكّم بالماكينة الضخمة، مثل الشاحنة، فاعتُبرت أكثر ملاءَمة للرجال، وهي أعمال توصَف بأنّها بحاجة إلى درجة عالية من التحكّم والعقلانية والقدرة على المنافسة في السوق الاقتصادية، إضافةً إلى أنّها تنطوي على احتكاك مع فئات اجتماعية ذكورية لا تتّبع قوانين المراقبة التي توفّرها المؤسّسة الرسمية، مثل المدرسة أو العيادة الصحية والمخيطة؛ فالمرأة التي تعمل في التجارة أو تقود الحافلة وسيارة الأجرة مضطرّة إلى النزول في الشارع والتعامل، لا مع الرجال من الفئات الاجتماعية كلّها فحسب، بل مع الرجال الأغراب الذين لا يمكن توقّع سلوكهم تجاه المرأة في عالم يعتبر الشارع فيه، ثقافيًّا، أنّه حيّز الرجل. واتّضح أيضا أنّ النساء اللاّتي يَعملنَ في المهن الحرّة التي تتطلّب ساعات عمل غير اعتيادية، كالصحافة والسياسة، يواجهنَ ضغوطات اجتماعية تحمّلهنّ مشاعر التقصير في واجبهنّ الأوّل "أمّهات وربّات بيوت". بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القبول بعمل المرأة خارج البيت لا يعني قبول إعادة تقسيم الأدوار داخل العائلة بشكل أوتوماتيكيّ؛ حيث إنّ أعمالاً مثل تحضير الطعام وتنظيف البيت لا تزال تعتبر من مهام النساء حتّى لو عملت المرأة، ما يعني، عمليًّا، أنّ المرأة التي تخرج للعمل يتضاعف عبئها؛ فتصبح عاملةً، إلى جانب كونها ربّة بيت.
في المقابل، أظهر "التقرير التمهيدي البديل لجلسة المنظمات غير الحكومية حول تطبيق اسرائيل لاتفاقية الامم المتحدة حول ازالة كافة أشكال التمييز ضد النساء" (2006) دور الدولة في ترسيخ استقلالية المرأة الفلسطينية في اسرائيل اقتصاديا من خلال عدم توفير الظروف التي تمكنها من الانضمام إلى سوق العمل، ويتمثل هذا التمييز بتقاضي النساء الفلسطينيات أكثر الأجور انخفاضا، ولديهن أقل الموارد عددا، مثل مراكز العناية بالأطفال أو المناطق الصناعية التي تساعدهن على الاندماج في سوق العمل. كما أن نسبة النساء الفلسطينيات في اسرائيل المشاركات في مصلحة تأهيل البالغين وصلت إلى 6% فقط. كما أن نسبة الفلسطينيات في اسرائيل المشاركات في سوق العمل ارتفعت بنسبة ضئيلة من العام 1998، حيث كانت نسبتهن 22،3% إلى 22.9% في عام 2001.

العنف ضد المرأة الفلسطينية في إسرائيل:
وفق البحث الذي أجرته غانم (2005) كان من أكثر الأشياء الدالّة على تمفصل الموقف من قضايا المرأة في نوع الحقوق المطروحة - فيما إذا كانت متعلقة بالحقوق العينيّة والاحترام أو بكونها متعلقة بالموقف من العلاقات التفاضلية بين الجنسين - هو التأكيد على حقوق المرأة في العمل والتعلّم وتنمية الشخصية القويّة من جهة، وما يعنيه ذلك من تسامح وإيجابية، مقابل رسوخ القيم المتعلّقة بالعادات والتقاليد التي تساهم في قمع المرأة، مثل تفهّم القتل على خلفيّة ما يسمّى "شرف العائلة" وضرورة التقيّد بالقيم الثقافية المتعلّقة بالعِرض، الشرف والسمعة، وقد تمّ الإسهاب فيها خصوصًا في المقابلات. وفي حين أبدى المجتمع المستطلَع تأييده لحماية المرأة من العنف، فقد أبدى تفهّمه للعنف في بعض الأحيان.
إعتبر 93,8% من المستطلَعين/ات ضرورة العمل على مواجهة العنف ضد الفتيات والنساء، بما في ذلك العنف الجسديّ والكلاميّ والجنسيّ، لكون الأمر مشكلة اجتماعية، فقد أبدى أكثر من 79% من المستطلَعين/ات تفهّمهم لطلب المرأة التي تتعرّض للعنف من قبل زوجها للطلاق، غير أنّ نسبة غير بسيطة على الإطلاق ما زالت تتفهّم ضرب النساء. فقد أبدى 36,8% تفهّمهم أو تفهّمهم في بعض الحالات لضرب المرأة إذا لم تكن تعتني بأطفالها، وأبدى 37,9% تقهّمهم أو تفهّمهم في بعض الحالات لضرب المرأة إذا غادرت بيت الزوج من غير علمه، فيما عبّر 26,6% عن التفهّم أو التفهّم المشروط في حال نشوب خلاف بين الزوجبن، كما أبدى 22,2% الموقف نفسه في حال كان الخلاف مع عائلة الزوج.
أشار "التقرير البديل للمنظمات غير الحكومية ردا على قائمة القضايا والأسئلة المتعلقة بدراسة التقرير الدوري" (2006) إلى الدور السلبي الذي تلعبه الدولة في محاربة العنف الممارس ضد المرأة الفلسطينية في اسرائيل. ويتمثل هذا الدور في الميزانيات المنخفضة الممنوحة لمراكز النساء ومراكز علاج العنف العائلي. وكذا بانعدان الملاجئ والنزل الامنة للفتيات الفلسطينيات المعرضات للخطر. اضافة إلى أن الحلول الموضوعة للنساء في خطر لا تلائم بالضرورة الثقافة العربية، فرفض استضافة النساء اللاتي يحملن خارج اطار الزواج مبرر في المجتمع العربي، لذا فاستضافة الفتيات ممن يحملن خارج اطار الزواج على يد عائلة يهودية سيكون محرجا لهن بسبب اختلاف اللغة والثقافة.

النقاش أعلاه يوضح بقوة العلاقة بين الدولة، المجتمع العربي والنساء الفلسطينيات المبنية على تكريس علاقات القوة القائمة. فللمرأة أن تتعلم وأن تعمل، لكن شرط عدم زعزعة البنية الذكورية للمجتمع.

ما هو مفهوم جريمة القتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة"؟
يعتبر قتل النساء على خلفية الشرف أحد أشكال التمييز وانتهاك حقوق الإنسان ضد المرأة بشكل خاص. ومن الضروري الاعتراف بخطأ استخدام مصطلح القتل بدافع الشرف حيث أنه يعكس إعطاء مبرر للجاني وفي الوقت ذاته إدانة المجني عليها دون إعطائها الفرصة للدفاع عن ذاتها. لذلك تقترح الأدبيات النسائية استخدام مصطلح جريمة قتل النساء على خلفية الشرف (خضر، 1999،ص18،عبده،1999،ص18 وزغبابة،1998،ص1). فالتعريف الاجتماعي المتعارف عليه تقليديا لمفهوم القتل على خلفية الشرف يتعلق فقط بالمرأة، فالمرأة التي تقيم علاقة مع رجل خارج مؤسسة الزواج يبرر قتلها حفاظا على شرف العائلة. فالشرف هو أحد القيم الاجتماعية المحورية التي تؤكد أبوية المجتمع العربي ودونية المرأة فيه، وهو كجميع القيم الاجتماعية يحدد كل مجتمع معناه بما يتفق مع مصلحته التي تتغير بتغير ميزان القوى فيه. فالقوى الغالبة في المجتمع أو الطبقة الأقوى هي التي تحدد هذا المعنى بما يتفق مع مصلحتها (الزيات،1993،ص66،وعبده،1999،13).
وفق حسن (2000) فإن للرجال في المجتمع العربي سلطة وضع القوانين والحدود لملابس المرأة وسلوكها الجنسي الذي قد ينتهي في نهاية المطاف بالقتل بوحشية شديدة على يد أحد أفراد العائلة. في هذا المجال تقول حسن:
"من المهم التوضيح بأن الحديث يدور عن شرف العائلة كوحدة ذكورية، ومن هنا فالمقصود هو عمليا شرف الرجال في داخل العائلة. وجود الشرف يعني وجود سلطة (ذكورية)، والمس بالشرف يعني المس بهذه السلطة، الموجودة بسبب استعمال سياسة الشرف، أي بواسطة استعمال قوانين تنطبق أساسا على النساء وتحدد سلوكياتهن، فعالياتهن، ارادتهن، وحتى أفكارهن" (חסן, 2000, ص 269). مرتكبي جرائم الشرف وفق حسن "اخوة الضحية، أبناء أعمامها وأخوالها، وأبنائها البالغين" (هناك، ص 278).
في تحليله لجذور جريمة القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة في المجتمع العربي يوضح بركات (1999) بأن "العائلة تشكل وحدة اجتماعية إنتاجية، وتتجلى الوحدة بتوحد الهوية بين أفراد العائلة، فيشتركون معا بإنجازاتها وإخفاقاتها، بانتصارها وفشلها، بأفراحها وأتراحها، بشرفها وعارها...الخ. كل عمل مشرف يقوم به أي فرد من العائلة يصبح شرفا لجميع أفراد العائلة، وكل عمل مشين يقوم به أحدهم، يصبح عملا مشينا للجميع. ومن هنا الفرد في العائلة يكون عضوا أكثر منه فردا مستقلا، وأن العلاقات ضمن العائلة هي، ببساطة علاقات بين أعضاء أو عضوات وأدوار تعرف بالأب، الأم، الزوج...الخ. بموجب هذه العضوية والتوحد في الهوية، يصبح كل فرد في الأسرة مسؤولا ليس عن تصرفاته الشخصية فحسب، بل عن تصرفات الأفراد الآخرين. من هنا، مثلا، ينعكس انحراف البنت في العائلات التقليدية خاصة على العائلة كلها ولا يمس الفتاة وحدها. هنا ترقد جذور جرائم الشرف التي هي محاولة يائسة من قبل العائلة لاستعادة شرفها"(بركات، 1999،ص 175-176).
ترى حسن (2000) بأنه حدث تغير في مفهوم الشرف. فبينما كان القتل سابقا يحدث لدى ممارسة الضحية الجنس خارج اطار الزواج، وبينما كان التمييز واضحا بين العار (وهو فعل تقوم به الفتاة ويجلب العار للعائلة كلها كممارسة الجنس خارج اطار الزواج) وبين العيب (وهو فعل يجلب العار للفرد نفسه كاللباس الفاضح والتدخين)، فقد باتت هذه الجرائم ترتكب حتى لدى ارتكاب الفتاة عيبا. وبرأيها فالأمر يعود إلى محاولة الذكور الحفاظ على سلطتهم في مجتمع بدأت المرأة فيه تستقل عنهم اقتصاديا. وبهذا، لا يكون للاستقلال الاقتصادي أي معنى خارج اطار المؤسسة الاجتماعية الذكورية. وفقا لخضر، (1999) و زغبابة (1998) فإن السلوك الذي يعتبر ماسا بالشرف هو السلوك الذي ينطوي على اتصال جنسي غير مشروع يجلب العار على العائلة وفقا للتقاليد والعادات السائدة في المجتمع. بالامكان أن نعزو هذا الاختلاف بين حسن (2000) وخضر (1999) وزغبابه (1998) إلى اختلاف الدول، وبالتالي تغير القوانين التي تحكم كل مجتمع. فالتغيرات المتسارعة في السنوات الأخيرة في القانون الإسرائيلي، المطبق أيضا على الهامش الفلسطيني، تهدد النظام الاجتماعي القائم في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل أكثر مما يفعله النظام الأردني. وهذا يحتاج لدراسة بحد ذاتها.
يتضح مما سبق أن العادات والتقاليد الموروثة تلعب دورا أساسيا في تعزيز وتكريس هذه الظاهرة. فالتركيز على قيمتي الشرف والاحتشام تكتسب أهمية كبيرة في المجتمع العربي حيث يصبح جسد المرأة ماهيتها وينحصر دورها في العمل المنزلي وإنجاب الأطفال. ويصبح الرجل هو المسؤول عن هذا الجسد بحكم البنية الأبوية للمجتمع والتوزيع الهرمي للسلطة بناء على محوري الجنس والسن (التركي وزريق،1995،ص 80). فالمرأة العربية كائن غير قائم بحد ذاته، فهي تعرف من خلال كونها زوجة فلان، أم فلان، أو ابنة فلان...الخ. ويساعد على ذلك مؤسسة الزواج التي تكرس هذا الواقع من خلال تكريس وترسيخ الواقع الاجتماعي وعلاقات القوة والسلطة الهرمية بصورة مصغرة.
نستنتج مما سبق أن مفهوم الشرف يرتبط فقط بالحفاظ على الأعضاء الجنسية (غشاء البكارة) الذي ارتبط فقط بالمرأة. بينما شرف الرجال لا يتعلق بسلوكهم وإنما يتعلق بسلوك زوجاتهم أو بناتهم أو أمهاتهم، ولا يتعلق بسلوك هذا الرجل أو قدرته على العمل والصدق، مفهوم الشرف هذا يهبط بمستوى الشرف إلى منطقة سفلية في جسم المرأة لا تزيد عن غشاء البكارة (السعداوي1977،ص33 ) ولا يتعداه إلى المعاني السامية والحقيقية للشرف كالعزة والسمو.
دراسة فلسطينية حديثة تتعلق بقتل النساء في المجتمع الفلسطيني (كيفوركيان، 2001) تأخذ منحى مختلف نسبيا عن الدراسات السابقة التي أشير إليها من حيث تعريف مفهوم الشرف والقتل على خلفية شرف العائلة. تنطلق الدراسة من أن النساء يصبحن ضحايا لجرائم القتل بسبب كونهن إناثا لا أكثر، فقتل الإناث ليس مقتصرا على مجتمع دون آخر. فتشير إلى العديد من الدراسات التي تناقش موضوع قتل الإناث من حيث أن المرأة هي الضحية الرئيسة وعادة تكون في نطاق المنزل الذي تشارك فيه مع مرتكب الجريمة. ودراسات أخرى بينت تواجد عوامل ديمغرافية وظرفية ذات أثر في قتل الإناث من قبل أقربائهن الذكور. وتشير إلى أن ملكية الذكور للنساء سبب رئيسي للعنف من جانب الذكور في الحالات المرتبطة بالعلاقات الجنسية. علاوة على ذلك الاستخدام الروتيني لإجراءات قانونية تمييزية في حالات قتل الإناث وهذه الإجراءات تتواجد تقريبا في العديد من الدول منها الغربية أيضا. كما تشير إلى أن العديد من الدراسات تقترح أن إعطاء المبرر لقتل الإناث على أساس "الشرف" يجعل هذه الجرائم مرنة للغاية بحيث تتسع لمجال واسع من الأشكال. تعرف الدراسة أربعة أنماط لقتل الإناث: النمط الأول يتعلق بشعور الضحية بأنها تحت التهديد بالقتل خوفا من أن تكتشف العائلة أنها كانت ضحية سفاح قربى أو اغتصاب أو أنها فقدت عذريتها. بينما النمط الثاني يوجه للضحية تهديداً لفظياً وغير لفظي مثل التلويح بالسكين والنمط الثالث تقع الفتاة تحت فعل بدني (الطعن أو الخنق) ولكن دون أن تتوفى. النمط الرابع هو القتل الفعلي للضحية .

المجتمع العربي وموقفه من جرائم الشرف:
إن المبنى الذكوري الذي يقوم عليه المجتمع العربي، ومكانة وقيمة المرأة المتدنية مقارنة بالرجل تشرح إلى حد كبير الشرعية الاجتماعية الممنوحة للرجل "لغسل عاره". في تطرقها إلى هذه الظاهرة الوحشية، توجه عبده (1999) اصبع الاتهام تجاه المجتمع العربي، فتقول:
"في تعامله مع موضوع شرف العائلة وما يتعلق به من استعمال العنف تجاه المرأة وصولا إلى ارتكاب جرائم بشعة جدا، يتخذ المجتمع موقع التضامن مع هذا الموضوع، كجزء من العادات والتقاليد، بدون محاولة تغيير هذه العادة الوحشية أو التفكير حتى بتصحيحها" (عبده، 1999، ص 37).
في تحليلها للعوامل التي تقف خلف ترسيخ جرائم الشرف، تشير حسن (2000) إلى ذكورية المجتمع كعامل رئيسي لهذه الجرائم. فترى بأن وجود الشرف يعني وجود السلطة لدى الرجال على النساء، والمس بهذا الشرف يعني المس بهذه السلطة. وتذهب الكاتبة إلى أبعد من ذلك فتحلل التغيير الذي حل في مفهوم الشرف على ضوء التغيير الذي حل بمكانة النساء الاقتصادية، فترى بأن شرف العائلة بات يستعمل للحد من استقلالية المرأة الاقتصادية وترسيخ سيطرة الرجل. كما وتحلل تقسيم الإرث بصفته "اتفاقا" تتخلى به المرأة عن نصيبها من الإرث مقابل أن يواصلوا حمايتها. في هذا السياق تقول الكاتبة:
"خلف هذا الاتفاق يقبع اتفاق اخر يشير إلى مدى تمكن السياسة الذكورية من التحكم بالنساء: مقابل التنازل عن الارث تواصل المرأة احتواء شرف الرجال في جسدها أي، "مقابل" سلبها حقها بالإرث، سيواصل الرجال مراقبة سلوكياتها حتى بعد أن تتزوج. هذه لعبة مجموعها صفر، لكن الرابح فيها تم اختياره سلفا" (חסן, 2000, עמ 278).
تشير حسن (2000) في سياق تحليلها لهذه الظاهرة إلى وجودها في جميع مستويات الهرم الاجتماعي القائم، فالقيادات السياسية والوجهاء والقيادات المحلية والمثقفين وحتى النساء أنفسهن يعطون الشرعية لهذه الجريمة، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، على اعتبار أنها تمثل جزءا من التقاليد التي يجب احترامها أو عدم مقاومتها بشدة. فتشير الكاتبة مثلا إلى ردود الفعل الناجمة عن اثارة موضوع هذه الجرائم في الخطاب العربي ورؤيته كجزء من التطرف في كيفية التعامل مع هذه الجرائم بصفتها جزء من الموروث الثقافي الذي يجب التعاطي معه بتفهم أكبر.
في فصل آخر، ناقشت حسن (2000) السبب وراء قتل النساء على هذه الخلفية وليس الرجال. والسبب برأيها يعود إلى أن قتل المرأة "أرخص" من قتل الرجل. فإن قتل الرجل من العائلة الأخرى قد يؤدي إلى موجة من الثأر بين العائلات قد تحصد الكثير من الأرواح، وذلك على عكس المرأة ابنة نفس العائلة. لكن على الرغم من أن هذا التحليل يحمل الكثير من المنطق بداخله، إلا أنه لا يشرح لم لا تقوم العائلة بقتل الرجل، كالابن أو الأخ أو الأب، إن قام بالمس بشرف العائلة، ولم لا يعتبر خطأه مسا بالشرف.

جرائم الشرف وتكريسها على يد الدولة:
في دراستها المتعمقة حول جرائم القتل على خلفية شرف العائلة، تشير حسن (2000) في الجزء الأخير من مقالها إلى الدور المهم الذي تلعبه الدولة في تكريس وترسيخ هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل. فتناقش تملص الدولة وسلطاتها، لا سيما الشرطة، واهمالها لهذه الظاهرة. برأي الكاتبة فإن في معظم الحالات التي تقتل بها نساء على خلفية شرف العائلة، لا تفعل الشرطة الاسرائيلية ما يكفي لحماية النساء اللاتي يتوجهن إليها طلبا للمساعدة والحماية، لأنها تسلم النساء للوجهاء ولزعماء الحمائل الذين لا يقدمون لهن الحماية، وهكذا تتم اعادتهن إلى عائلاتهن بدون حماية من الدولة والشرطة ويتم قتلهن. حسن تشبه هذه السياسة بسياسة الحكومات العربية تجاه الجاني، حيث يتم تقديم عقوبات مخففة له. الهدف هو استمالة القياداة القبلية والحمائلية بهدف الحفاظ على النظام الاجتماعي القائم. حسن (2000) تشرح سياسة الدولة الاسرائيلية تجاه هذه الظاهرة كجزء من سياسة موجهة ضد الأقلية الفلسطينية في اسرائيل تهدف إلى تقليص مشاعر الاضطهاد والمعارضة بداخل الجماهير الفلسطينية في اسرائيل ضد سياسة التمييز والاضطهاد القومي من خلال توجيه هذه المشاعر والأفعال باتجاه التقاليد، وكأنما تقول لهم الدولة: "بضع عشرات من جثث النساء كل عام ستشير إلى حدود الأرض التي نبقيها لكم، أرض التقاليد" (חסן، 2000، ص 297). لهذا السبب، تضيف حسن، "تصنف الشرطة القتلة على خلفية شرف العائلة كنوع خاص يستحق العفو، على عكس بقية القتلة" (هناك، ص 296)
جلازر وأبو راس (& Abu Ras, 1994 Glazer) يشرن إيضا إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه سياسة الدولة في تجاهل هذه الظاهرة واهمالها، وعدم معالجتها كما يجب، إضافة إلى عقلية المجتمع العربي. فيقلن في هذا السياق:
“The custom of murder for family honor Persists as an established norm in the wider Arab world as well despite Fundamental Socieconomic and Political changes that have impacted upon all levels of society”. (Glaze & Abu Ras, 1994, p 275 – 276).

تتطرق عبده (1999) إلى دور مؤسسات الدولة، كالشرطة، المحاكم وغيرها في معالجة هذه الظاهرة. فتذكر الكاتبة بأن سياسة الدولة كانت دائما سياسة غير ناجعة. فالدولة ومؤسساتها تساهلت مع القتلة، وهذا أمر خطير جدا أن تعلن الدولة نفسها كدولة ديموقراطية هدفها الحفاظ على حقوق الانسان وحقوق النساء، وفي ذات الوقت لا تحقق هذا الهدف. في هذا السياق تقول عبده:
"سياسة الدولة (دولة إسرائيل) فيما يخص المجتمع العربي، هي سياسة تقوي عادات وتقاليد بائدة. فقوانين الدولة ومؤسساتها تخفف من الأحكام الصادرة بحق الكثير من القتلة على خلفية الشرف، ويتعاملون مع معظم الحالات بمعايير مزدوجة بكل ما يتعلق بجرائم القتل التي ترتكب للحفاظ على شرف العائلة" (عبده، 1999، ص 49).
هذا الدور الذي تلعبه الدولة في ترسيخ المبنى الاجتماعي القائم إن دل فإنما يدل على الدور الكبير الذي تستطيع أن تلعبه الدولة بمؤسساتها المختلفة لمحاربة هذه الجرائم، من خلال فرض الأحكام والعقوبات الصارمة. وكذا من خلال تعزيز المكانة الفعلية للمرأة من خلال إشراكها في الحياة السياسية ومناصب صنع القرار. إضافة إلى حماية النساء اللاتي يتعرضن للعنف. كما أن التغيير المنهجي في برنامج التعليم من خلال تغيير الصور النمطية للنساء وزيادة الوعي من خلال منهاج تعليمي يرسخ مبدأ إنسانية كل من الجنسين، وكذلك زيادة الحصص التعليمية التي تمرر رسائل مخفية ومكشوفة حول تساوي البشر، إناثا كن أم ذكورا، وكذا كشف "المستور" والوحشية التي تقبع خلف جرائم القتل وتصويرها بالشكل الذي هي عليه كعمل وحشي، بصورة مخفية ومكشوفة، إضافة إلى بناء خطة حقيقية لمكافحة هذه الجرائم، كلها أمور ستساعد على مواجهة التمييز والعنف اللاحقين بالمرأة في المجتمع العربي في إسرائيل.

قائمة المراجع:
 التركي، ثريا وزريق، هدى (تشرين الأول، 1995). "تغير القيم في العائلة العربية"، المستقبل العربي، السنة 18، العدد 200.
 الزيات، لطيفة (1993). كتاب المرأة. القاهرة: سينا للنشر.
 السعداوي، نوال (1977). الوجه العاري للمرأة العربية. القاهرة: دار الشرارة للطباعة والنشر.
 بتريس، ايفيت (2000). المرأة الفلسطينية في إسرائيل: واقع وتحديات (بحث ميداني). حيفا: (د. ن).
 بركات، حليم (1999). المجتمع العربي المعاصر، بحث استطلاعي اجتماعي. مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الخامسة.
 خضر، أسمى (1999). القانون كأحد العوامل المؤثرة في جرائم الشرف. الأردن عمان، 1 و2/حزيران.
 زغبابة، منى (1998). جرائم الشرف في الأردن. إتحاد المرأة الأردنية.
 عبده، جنان (1999). جريمة شرف العائلة. القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
 غانم، هنيدة (2005). مواقف من قضايا وحقوق المرأة الفلسطينية في اسرائيل. الناصرة: جمعية نساء ضد العنف.
 كيفوركيان، نادرة (2001). قتل النساء في المجتمع الفلسطيني. مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي.
 مكانة النساء الفلسطينيات المواطنات في إسرائيل: تقرير المنظمات غير الحكومية المقدم للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمم المتحدة (2006). اسرائيل: لجنة العمل على مكانة المرأة الفلسطينية في إسرائيل.
 חסן, מנאר (2000). הפוליטיקה של הכבוד: הפטריארכיה, המדינה ורצח נשים בשם כבוד המשפחה. בתוך מין מיגדר פוליטיקה (עמ 267- 305). תל-אביב: הקיבוץ המאוחד.
 Glazer Ilsa & Abu Ras Wahiba (1994), “On Aggression, Human Rights, and Hegemonic Discourse: The Case of a Murder For Family Honor in Israel”, Sex Roles, Vol. 30, Nos 3/4.