-جريمة- ارتكبتها فتاة عربية



محمد أبوعبيد
2007 / 7 / 24

المكان : ممكن في أي صَقْع من الأصقاع العربية
الزمان : مُزمن من قديم السنين وحتى الآن .
"الجاني" فتاة عربية . "الضحية" ابن العم .

ليس عجباً أن تكون الصورة معكوسة في مجتمعات ما فتئت تقرر مصائر "إناثها" :شريك الحياة , مهنة المستقبل , وربما المرغوب والممنوع . وفقاً لقلب الصورة , يصبح "ابن العم" ضحية لرفضه زوجاً من قبل ابنة عمه , فهي التي خالفت "شرائع" الأمثال الشعبية التي ,آناً,تقود التفكير والسلوك ,وإن كانت هناك أمثال أخرى تناقضها .في هذا الصدد يقول مثل شعبي سائر بنصه التالي في جغرافية ولهجة الشام " ابن العم بنزّل عن الفرس", وحتما له ما يوافقه في لهجات المجتمعات العربية الأخرى مثل "البنت لولد عمها ", في دلالة على حق الشاب العربي في ابنة عمه زوجة له. مثل ما انفك البعض يمارسه رغم وجود مثل ند : " قريبك لا تناسبه ولا تشاركه ".
بعض من سيقرأ المقال – إن صح أنه مقال – قد يدهمه حكم مستعجل أو مسبق يفيد بأن في الكلام مغالاة, وأن الدين الإسلامي منح المرأة حقوقها , ولم يعد ثمة من يفكر بهذه الطريقة حاضراً . حسنٌ , متفقون على أن الظاهرة اليوم أقل وجوداً مما كانت عليه في الأمس ,لكن لتختفِ نهائيا . كما أننا متفقون على أن الدين منح المرأة حقوقها . بيْد أنه لا جدوى من الحديث عن أحكام دينية استبدلت بها مناهج دنيوية ,فطُبِق البديل وعُوِّق الأصيل .

إحدى الفتيات حكمت عليها محكمة الأهل "البطركية" بالإقامة الجبرية,وهي الآن رهينة المنزل .حيثيات القضية أنها رفضت فرض ابن عمها عليها زوجاً لها.الفتاة استخدمت عقلها واتصلت "خليويا" – أقصد الهاتف الجوال لا الخلوة- "بالمفروض" طالبة منه أن يبادر هو بالرفض أمام أهلها.وعندما تمّ لها ما أرادت ,لكن باعتراف ابن العم أنها اتصلت به, باتت تهمتها مضاعفة : الرفض والاتصال به "بالجوال". فلاقت ما لاقت من العقوبة على خلفية هذه "الجريمة" .

في العادة يتم الحديث عن حالة ,لتكون لسان حالات أخرى مطابقة أو مشابهة . وإن لم يكن الأمر متعلقاً فقط بتزويج الفتاة من ابن عمها إكراهاً أو كتحصيل حاصل لعرف سائد – متمنياً صفة البائد - ,فإنه يمس "تتويج" الفتاة زوجة بالإكراه لرجل يوافق عليه الأهل نيابة عن ابنتهم صاحبة الشأن .

عائلات شرقية كثيرة لم تتنازل بعدُ عن هذا الديْدن , وتتشبث به كما لو كان سماويا .أورد البعض أن عمر بن الخطاب (رض) قال لبني السائب ,حيث اعتادوا الزواج بالقريبات,"مالي أراكم يا بني السائب قد ضويتم (اي ضعفتم) .! غرّبوا النكاح لا تضووا " . هذا فضلاً عن التحذيرات الطبية من مخاطر زواج الأقارب ,وإن كان مُباحاً,خاصة إذا كان متكررا في فلك العائلة الواحدة .

من العدل أن تُتاح لكل فتاة حرية اختيار شريك حياتها , إن لم يكن هناك ما يمنع من الحجج الموضوعية المقنعة . ومن الإجحاف الكبير أن يحل عقاب الأهل بابنتهم لممارستها حق الاختيار والرفض وتُعامل كما لوأنها ارتكبت جريمة . بدلا من تطبيق المثل "ابن العم بنزّل عن الفرس"الأحق للفتاة أن تمطي فرَسها من تختار .