باتيل ورولينغ‮.. ‬امرأتان في‮ ‬زمن الذكور



سعيد الحمد
2007 / 7 / 31

لأننا‮ ‬يئسنا أو كدنا في‮ ‬محاولاتنا لاقناع الذهنية الذكورية المسيطرة بإعطاء المرأة فرصتها أو بما‮ ‬يسمى‮ »‬تمكين المرأة‮« ‬ولأننا وجدنا الذهنية الذكورية تصيب بدائها وعدواها حتى النساء‮. ‬عندما اقتنعت قطاعات نسائية عريضة بالنظرية الذكورية واصبحت المرأة ضد تمكين المرأة‮.. ‬لأننا كذلك فلا أقل من أن نناكفهم ونشاغبهم بنساء الخارج فنأتي‮ ‬بنماذجنا من هناك لعلها تحرك الصخرة الصلبة التي‮ ‬احتلت العقول‮.‬
فها هي‮ ‬الهندية‮ »‬باتيل‮« ‬التي‮ ‬جاءت من الطبقة الوسطى الهندية‮ »‬محامية‮« ‬تصبح رئيسة لجمهورية الهند‮.. ‬هذه القارة او شبه القارة الاقرب إلينا من النماذج الاوروبية تقبل من دون ضجيج ان تكون امرأة من عامة الناس رئيسة لجمهوريتها،‮ ‬وكأنها تعيد إلى الذاكرة سيرة المرأة الهندية الابرز متمثلة في‮ ‬انديرا‮ ‬غاندي‮ ‬التي‮ ‬لم تهتم اجيالنا الجديدة بسيرتها وحكايتها وبدراسة دورها وتجربتها الغنية بما انعكس سلباً‮ ‬على الوعي‮ ‬بقدرة المرأة‮.. ‬فلو قرأوا سيرة تلك المرأة لرفعوا‮ »‬قبعاتهم‮« ‬لكل امرأة تكسر التابو الشرقي‮ ‬وتدخل للحياة العامة لتصبح علامة من علاماتها‮.. ‬لكنه جيل‮ ‬يعرف عن الملا عمر وعن المسجد الاحمر اكثر مما‮ ‬يعرف عن انديرا إحدى أبرز مجددات الديمقراطية في‮ ‬شبه القارة الهندية التي‮ ‬لا‮ ‬يعرف ابناء اليوم شيئاً‮ ‬عن تضاريسها الفكرية والثقافية بعد ان تفرغوا لحفظ تضاريس‮ »‬تورا بورا‮« ‬ودكاكين بيشاور التي‮ ‬فتحت ابوابها‮ »‬لتجنيدهم‮« ‬حطباً‮ ‬لجحيم خرج من هناك وما زال‮ ‬يشتعل في‮ ‬كل مكان ليدمر بدلاً‮ ‬من ان‮ ‬يعمر‮.‬
لم ولن‮ ‬يهتموا ايضاً‮ ‬بسيرة‮ »‬باتيل‮« ‬وبرمزية اختيارها وهي‮ ‬المرأة رئيسة لجمهورية الهند لانهم ما زالوا‮ ‬يقرأون ومازالوا‮ ‬يصفقون لسيرة الارهابية التي‮ ‬فخخت نفسها لتفجير فنادق عمان ذات مساءٍ‮ ‬اسود راحت ضحية له من بين عشرات الضحايا الابرياء فتاة بحرينية في‮ ‬عمر الورد،‮ ‬ذهبت لتدرس الطب هناك وتعود لتعالج ابناء وطنها فعادت مقعدة تطلب علاجاً‮.‬ فإذا كانت هذه الحكايات هي‮ ‬التي‮ ‬يقرؤها ابناء وبنات جيلكم فماذا تتوقعون النتيجة؟‮.. ‬وكيف ستنتهي‮ ‬الامور بهم؟؟ حتى حكايات‮ »‬هاري‮ ‬بوتر‮« ‬لصاحبتها رولينغ‮ ‬غضبوا‮ ‬غضباً‮ ‬شديداً‮ ‬وثاروا ثورة عرمرمية صاعقة لأن بعض ابناء جيلهم الجديد اراد ان‮ ‬يقرأها‮... ‬فحذروه منها وهددوه من مغبة قراءتها وخطورة معرفة سيرة صاحبتها‮ »‬رولينغ‮« ‬خوفاً‮ ‬عليه من مؤامرات التغريب والتخريب‮..!!‬
بالله عليكم من‮ ‬يخرب من؟؟ لن ندافع هنا عن حكايات وسلسلة روايات‮ »‬هاري‮ ‬بوتر‮« ‬لكنها‮ »‬شئنا ام أبينا‮« ‬تكاد ان تكون ظاهرة عالمية لافتة،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬النهاية‮ »‬ثقافة‮« ‬لا تدمر العقول وتفجر المدنية كما تفعل ثقافة‮ »‬تورا بورا‮« ‬التي‮ ‬يعملون على استنساخها واعادة إحيائها في‮ ‬مدن العالم القريبة والبعيدة ليسجلوا نصراً‮ ‬مبيناً‮ ‬على‮ »‬الكفار‮«.‬ وعندما تسألهم من هم الكفار؟؟ تجد نفسك وتجد اطفالك وتجد اهل ديرتك الطيبين مسجلين على قائمتهم‮.. ‬وبعد ذلك نسأل لماذا‮ ‬ينظرون إلى المرأة هكذا نظرة ولماذا‮ ‬غسلوا عقلها حتى اصبحت ضد نفسها وضد حقوقها وضد إنسانيتها؟؟
صحيح ان بين‮ »‬باتيل‮« ‬الهندية و»رولينع‮« ‬الانجليزية مسافة لكن تجمعهما‮ »‬جندرة‮« ‬واحدة‮ »‬جنس‮« ‬واحد ما زلنا نسميه عندنا ونطلق عليه‮ »‬جنس الحريم‮«‬،‮ ‬ولأنها كذلك فستظل في‮ ‬اعرافنا الغائرة محرومة من كل شيء،‮ ‬وكلما زاد حرمانها كلما استصغرت ذاتها وقزمت قدراتها واحتقرت امكانياتها وتخلت طائعة عن مكتسباتها وعادت إلى‮ »‬الحرملك‮«!!‬ و»الحرملك‮« ‬اليوم ليس مكاناً‮ ‬تقبع فيه المرأة وتختبئ كما في‮ ‬الماضي‮ ‬البعيد‮.. ‬ولكنه‮ »‬ثقافة وفكر‮« ‬وعندما‮ ‬يتحول‮ »‬الحرملك‮« ‬من مكان تسهل مغادرته والخروج منه إلى‮ »‬ثقافة‮« ‬نصبح امام معضلة وليس مشكلة‮..!!