والقادم أسوأ



محمود الزهيري
2007 / 8 / 13

المجتمعات حينما تمرض ولا تريد أن تبحث عن التطبب والتداوي مستمرأة ومستلذة بحالة المرض , بل وباحثة عن أمراض جديدة تضيفها إلي قائمة الأمراض الموجودة في شخوصها والمستحكمة لأسباب إستمراريتها في تلك الحالات المرضية التي أصبحت مزمنة علي مر الأوقات .
ومن ضمن الأمراض التي أصيبت بها المجتمعات العربية التي دائماً مايتحدث أعضاؤها عن الفضيلة ومحاربة الرذيلة والبحث عن أصحاب الأيادي البيضاء المتوضئة كرمز للعفة والطهارة , إلا وأنه وبالرغم من هذه الإدعاءات المفضوحة من جانب معظم أعضاء الجماعة الإجتماعية , تلك الجماعة التي تجدها وكأنها في حالة فصام مرضي مستعصي في شخصيتها المرضية , تجدها لايمكن أن تواجه المجتمع بما تريد ان تفعله ولاتقدر أن تواجه المجتمع به في حالة فريدة من حالات النفاق الإجتماعي الذي يظهر بخلاف مايبطن من أمور , فإذا وجدت من يتحدث عن الصدق تجده هو من أكابر الكاذبين , وإذا شاهدت من يتحدث الرحمة فكأنه شيطان رجيم , وإذا كان من يتحدث عن التسامح فلن يكون إلا خصوم لدود , ولكن يأتي دور الحياة الزوجية ومؤسسة الأسرة , تلك المؤسسة التي راعتها الأديان وأفردت لها نصوص وأدبيات في التراث الديني , وأعطتها نوع من القدسية التي تجعل من مؤسسة الأسرة لما إبتنت عليه من أسس المحبة والتواد والتراحم والسكينة والرحمة , لدرجة أن بعض الأديان وحدت بين الزوجين وكأنها روح واحدة رُكِبَت في جسد واحد .
إلا وأنه وبالرغم من ذلك فنجد أن واقع المجتمع علي خلاف مايدعي الناس بأنهم يعتقدون , سواء من مفاهيم دينية أو إجتماعية , وعلي هذا يمكن أن يكون الأمر في الواقع السياسي بكل تفريدات تأزماته علي مناحي المسؤلية السياسية وعلي كافة الأصعدة .
وقد نشرمركز أمان دراسة جاء بها أن : السكرتيرة دائماً أفضل شعار يرفعه أغلبية المسؤولين في الشركات الكبري وشركات القطاع العام بعدأن كشفت دراسة حديثة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان أكثر من 30 ألف حالة زواج عرفي تمت بين مسؤولين كبار والسكرتيرات الخاصة بهم وان ما تم إشهاره من هذه الزيجات لا يتجاوز ال 5% مؤكدة ان هناك مالا يقل عن 100 ألف حالة زواج عرفي مؤكد الآن بين مسؤولي الشركات الخاصة والعامة وبين السكرتيرات اللاتي يعملن لديهم.
وأرجعت الدراسة سبب ذلك الي ارتفاع نسبة العنوسة في أوساط الفتيات والموظفات وتراجع فرصة الحصول علي عريس.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد خاصة وأن هؤلاء المسؤلين قد يكون لهم المقدرة المالية والإقتصادية التي تمكنهم من الإنفاق علي تلك الزيجات , بما يحقق لهذه الحالات نوع من أنواع الإستقرار المعيشي من الناحية المادية الخاصة بالإعاشة وضمان فرصة في الحياة بسبب من يسار هؤلاء المسؤلين في القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية علي حد سواء بالرغم من الفروق الإجتماعية والوظيفية وكذا الفروق الخاصة بالمقدرة الجنسية والجسدية بين هؤلاء الأزواج , إلا أن المرجعية المتيقنة لهذه الحالات هي الفقر وتدني مستوي المعيشة , والخروج الإضطراري للعمل من جانب الفتيات لمساعدة الأسر الفقيرة التي نبتت فيها فتيات فقيرات لاتستطيع بحال من الأحوال أن تنجز متطلبات الزواج من شاب غير قادر علي الحصول علي فرصة عمل تتيح له توفير مسكن للزوجية أو علي أبسط الأمور تكاليف الحياة الزوجية بأسرة عمادها الزوج والزوجة بلا أطفال , فكيف يكون الحال في حالة وجود أطفال ؟!!
إلا أن الأمر يستدعي وقفة حينما يتعلق الأمر بالشباب إذ نشر نفس المركز دراسة عن وزارة الشؤون الإجتماعية منذ عامين جاء فيها : كشفت إحصائيات صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية، النقاب عن وجود أكثر من 255 ألف طالب وطالبة في مصر متزوجون عرفيا.
ويشكل هذا العدد نسبة تصل إلى 17 % من طلبة الجامعات في مصر، والبالغ عددهم 5.1 مليونا.
وبحسب الاحصائية فان هناك 14 ألف طفل من مجهولي النسب هم نتاج هذا النوع من الزواج.
ودعا الباحث الإسلامي عبد الرؤوف عون إلى تشجيع الزواج العرفي بين طلاب الجامعات، وذلك من خلال كتابه الزواج العرفي حلال حلال ، الذي وافق مجمع البحوث الإسلامية في مصر بداية العام الحالي على نشره.
ويدعم الباحث عون رأيه بأن الزواج العرفي هو الأصل في الإسلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت جميع زيجاته عرفية، ولم تكن موثقة بأوراق رسمية أو خلافه ، وكذا الصحابة رضي الله عنهم كانت جميع زيجاتهم عرفية.
وفي المقابل عارض محمد رأفت عثمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية رأي عون، مؤكدا أن العلاقات التي تحدث بين الشباب في الجامعات وأحيانا في المدارس تحت ستار الزواج العرفي هي أقرب للزنا ومجرد اختلاط جنسي تحت وهم أنه زواج.
وسيظل علماء الدين مختلفين في الأراء وستظل سفينة المجتمع سائرة في بحر مضطرب الأمواج , عاصف الرياح , إلي أن يستقروا علي ماهو حلال , وماهو حرام , دون الأخذ في الإعتبار بضرورات البحث عن حل للأزمات المجتمعية العاصفة بالحاجات الضرورية للجسد من مأكل وملبس ومشرب ومسكن يتواري فيه الشباب من عصف الجنوح والتطرف , وغائلة الإرهاب المتأتية من البطالة والعطالة وسلب ونهب مقدرات وأقوات المجتمع بواسطة أهل الفساد والإستبداد في الحكم والسلطة والذين من ضمنهم المتزوجون عرفياً ويترأسون مايزيد علي ألف مؤسسة حكومية ومؤسسة خاصة بأخلاقيات المراهقين الذين تساووا معهم في تلك الأخلاقيات الإضطرارية , وماببعيد أن هؤلاء الأشخاص الذين هم علي رأس تلك المؤسسات هم الذين كانوا يساعدون في تزوير إرادة الشعب في الإنتخابات البرلمانية بأن يسوقوا العمال والموظفين للإدلاء بأصواتهم في الدوائر الإنتخابية للأسياد في كراسي الحكم والسلطة , ومن ثم فلاغرابة !!
فمن المستحق للوم في هذا الأمر المتناقض , الآباء أم الأبناء ؟!!
آباء يتزوجون عرفياً , وأبناء يتزوجون عرفياً !!
فالآباء يشاركون الأبناء في نفس الفعل , والإثنين ينافقا بعضهما البعض , فالأب يظهر بمظهر غير مظهره الحقيقي , والإبن يتواري عن الأب والأسرة في حيرة من أمره مدعياً انه مازال علي جادة الصواب في حالة نادرة من حالات الكذب الإجتماعي , وكذلك الفتاة التي نظر ومازال ينظر إليها المجتمع علي أنها شر مطلق ويجب سترها من منبت شعرها حتي إخمص قدميها تلك القدم أقصد كعب القدم التي رآها الإمام الشافعي فأنسته ما كان يحفظه من مجرد النظر حسبما يروي من تحريمات تخص المرأة وتختص بها النساء !!
وكان العلاج الأوحد لدي علماء الدين هو حجب البنات والنساء , وصوم البنين والشباب , وذلك درءاً للفتنة وحفاظاً علي الجنسين من الوقوع في الخطيئة التي هي الزنا المحرم , بل وذهب العديد من أدعياء التدين والفقه إلي تحريم عمل المرأة درءاً لمثل هذه الإدعاءات دونما بحث لأزمات المجتمع الحقيقية !!
فهل سيصوم الشباب والشابات طوال حياتهم , أو إلي أقرب الآجلين الزواج أو الوفاة ؟!!
وماهو الحل ؟!!
الحل هو كما يراه المتزوجون عرفياً من الأباء أو الأبناء علي حد سواء والمأزومين في مجتمعاتهم هو اللجؤ لختان الإناث وتحريم عمل الفتيات والنساء , بل والذهاب إلي ابعد من ذلك وهو فرضية النقاب علي النساء منعاً للفتنة والخوف علي البنات , فهؤلاء المنافقين أنفسهم والمنافقين للمجتمع يظهروا بمظهر خلاف مظهرهم الباطني , فيدعوا العفة ويلجأوا للزواج العرفي , هم وأبنائهم دون المقدرة علي أخذ القرار الشجاع في مواجهة المجتمع مخلفين ورائهم آثاراً إجتماعية خطيرة تؤدي بالمجتمعات إلي الضياع , في مجتمع يتجه أبناؤه إلي أن مفهوم العفة والطهارة يتأتيان من حجب المرأة عن المجتمع , ويؤمن بفرضية الختان والنقاب للمرأة دون أن يكون هناك في المقابل إيمان بفرضية واقعة في نتائج آثارها علي الرجل , فكان الختان لقتل الرغبة الجنسية عند الفتاة وكان النقاب لضمان أن لاينظر الرجل للمرأة فيفتتن أو يثار, وفي : مسح أجرته منظمة اليونيسف عام 2003 ذهبت إلي أن 97 في المائة من النساء المتزوجات في مصر تمت لهن عمليات الختان، بينما أظهرت دراسة أجرتها وزارة الصحة المصرية ذهبت فيها إلي ان نصف الفتيات بين عامي 10 و18 أجريت لهن عمليات ختان .
بالرغم من ذلك يذهب مؤيدو الختان , إلي أن الختان يحد من الرغبة الجنسية لدى الفتاة ويحافظ على شرفها, مقتصرين الشرف في العضو التناسلي للفتاة فقط متناسين أن الفتاة يمكن أن تنزف حتى الموت , أو تعاني من أمراض مزمنة في المسالك البولية ، إضافة إلى أنها قد تعاني من مشكلات نفسية وأخرى صحية تهدد حياتها أثناء الولادة , وبعض الأمور الاخري التي تهدد حياتها الأسرية فيما بينها وبين زوجها مما يحيل الحياة الزوجية في غالبية حالاتها إلي لون من ألوان المأساة الإنسانية فيلجأ الأزواج للهروب إلي الزواج العرفي , وإنشاء علاقات جنسية خارج الإطار الأسري .
وحسب دراسة منظمة اليونسيف فإن الختان منتشر في مصر بين المسلمين والمسيحيين على السواء، وهو من الأمور الشائعة في منطقة وادي النيل .
وأعتقد أن هذه الأمراض الإجتماعية ناتجة من تشوه المجتمع المصري , وتعتبر في الأساس مرضاً إجتماعياً ناتج من تشوه الطبقة الوسطي التي كانت بمثابة عنصر الإتزان بين طبقات المجتمع , وهذا التشوه الناتج من جملة أمراض كان رائدها الفساد المؤدي لسيطرة حفنة من رجال الأعمال اصحاب المشاريع الخاصة العملاقة التي إستأثرت بالمقدرات الإقتصادية موجهة المجتمع في الإتجاه الذي يحقق رخاء ورفاهية الطبقة التي ينتمون إليها تاركين باقي أفراد المجتمع يغرقون في البرك والمستنقعات الإجتماعية صناعتهم , وفي غياب متعمد للدور الوطني للإقتصاد المصري الذي تمت تحولات خطيرة في مؤشراته ليصبح وكأنه إقتصاد أبناء الطبقة المترفة , أما الفقراء والمعدمين فلم يعد لهم مكان في هذا المجتمع , الذي تم إعدامه بحزمة قوانيين وتشريعات أدت إلي تشوهه بالجملة برعاية الدولة المركزية .
فما هو الحل ؟!!
وهل القادم أسوأ ؟!!