إنقشع القماش عن ساقيْها...فقالوا رذيلة!



محمد أبوعبيد
2007 / 8 / 28

تجزئة الحلال والعيب و"اللايجوز" شرقياً بين الذكور والإناث لا تنسلخ عن الطقوس التقليدية المسيّرة لتفكيرنا وأحكامنا . الصورة هي كالتالي: أنا رجل يجوز لي ما لا يجوز للأنثى، وهي أنثى لا يجوز لها شيء. من هذا المنطلق تنشأ الأحكام على فضائل المجتمعات ورذائله .
"الباروميتر" الرئيس المستخدم شرقياً لقياس هذه الفضائل والرذائل هو أنثوي لا يقيس سوى تصرفات ومظاهر "الإناث" ، وكأنه غير مصمَم لقياس مدى العقلية الذكورية. هذا القياس مثلما ينسحب على مجتمع بأكمله، كذلك يُطبَق على صور مصغرة عنه كقاطني مدينة، وحي، وحتى على أفراد أسرة واحدة .

مستخدمو مثل هذا "الباروميتر" يخلصون إلى نتائج مختلفة كالقول إن ذاك المجتمع ، سواء المكبَر أو المصغَر ، فاسد . خلاصتهم تنبع من معطيات هي من نتاجهم الخاص وليس عليها إجماع رأي . هذه المعطيات تتوزع على الطريقة التي ترتدي بها "الإناث" ثيابهن ، والكيفية التي يمارسن بها حياتهن اليومية ، والعقلية التي يفكرن بها ، فضلاً عن المساحة التي يقتطعنها من الحرية المدنية والسلوكية التي هي من حق الجميع من دون تجنيسها (نسبة للجنس لا الجنسية(.

هذه المعطيات إن ظلت في نطاق المعقول والمقبول بالعموم من دون الوصول إلى تخوم التخصيص ، فإنها وفق النظرة الذكورية الشرقية علامات فساد ودلالات انحطاط . الأنكى أنها لو كانت معطيات وصوراً غير ذلك ، وكما تريدها العقلية الذكورية ، لصار أي مجتمع يتحلي بهذه الصور فاضلاً عفيفا طاهراً وليس من داعٍ حينئذٍ لإجراء القياس ذاته ولكن ذكورياً هذه المرة .

أحكامنا على الفضيلة أو الرذيلة هي صورية ومظهرية للأسف ، وتحددها "الأنثى" فقط ، بأسف أعمق. لا غضاضة أن تحتل المخيلةَ بعضُ المقارنات على أسس العقلية السائدة. مجتمع يسيّره هذا التفكير المجنون يرى في ساقيْ فتاة ، تسلك دربها بين جموع بشرية،"ساقية" للرذيلة وأمارة للانحدار الخُلُقي . وبالتوازي ، فإن الذكر "ينبوع" الفضيلة، ولا بأس إن اعتدى على حرمات "الأنثى" ، أو ارتضى الخيانة الزوجية ،أو كذب في تجارته، أو غش في عمله ..لِمَ البأس ، إذنْ، وهو ذكر!.

المقارنات كثيرة، وتقول الشهية هل من مزيد ..! نعم ثمة المزيد . نختزل الرذيلة في فتاة تصاحب الشاطئ ، وفي أخرى تحتسي قهوتها في مقهى عام ، وفي واحدة تتبوأ مكانها ضمن حشود مختلطة لحضور حفلة غنائية . أما الفضيلة وفق المفهوم الذكوري فلا ضيْر إنْ شابها تصرف ذكوري شائن في ملهى ليلي ، وإفراغ ما في الجيب ثمناً لمتعة ليلية ، وضرب الزوجة،وإيذاء الإبنة .

تضيق المساحة بما رحُبت لمزيد من المقارانات. وما سبق كاف لتشخيص الفضيلة والرذيلة وفق المفهوم الشرقي ." المجتمع الفاضل" هو الذي تكون فيه الأنثى جارية لدى "الذكر" ، وسبباً فقط من أسباب متعه التي لا تقف عند حد ، ولا يعترها إلا الصمت والطاعة العمياء. "المجتمع الفاضل" هو الذي لا يحاسَب فيه "الذكر" على ما تُحاسب عليه "الأنثى" ، وينقلب إلى مجتمع رذيلة لمجرد انقشاع القماش عن ساقيْ أنثى . هنيئا لنا فضائلنا!!!.