دور المرأة في بناء دولة المؤسسات في العراق



حسام السراي
2007 / 9 / 8


بعد التغيير الذي حصل في عام 2003 توافرت الفرصة التأريخية في العراق لبناء دولة المؤسسات او الدولة الحديثة في العراق، ومن البداهة بمكان ان تحظى المرأة العراقية بكامل فرصتها اذ من غير الممكن بناء الدولةمن دون المشاركة الفعالة للمرأة العراقية وبمختلف الصعد، ومن الطبيعي ان يكون اهمال او تجاوز اي جهد او مساهمة باتجاه بناء الدولة واعادة هيبة القانون،مؤثراً بصورة لاتخدم مجمل هذه العملية، البعض رأى ان هناك خيبة كبيرة بعد الانتخابات الاولى والثانية، بصعود نساء على اساس الانتماء الحزبي الضيق، فضلاً عن اسباب اخرى منها افتقادهن لابسط مقومات العمل السياسي، وبالتالي عدم استطاعتهن القيام بما هو مأمول منهن على صعيد عمل الحكومة واستيعاب فكرة قيام الدولة بين فئات المجتمع، واشار قسم من الناشطات الى ان ماقدمته المرأة خلال السنوات الثلاث الاخيرة كان مفتاحاً للمطالبة بالمزيد من المساهمات وزيادة نسبة الـ 25 % في البرلمان وتحقيقها مستقبلاً في جميع دوائر الدولة وليس فقط في البرلمان، ولاتشك اخريات في قدرة المرأة على تحمل المسؤولية في جميع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وعلى تجسيد الدور الوطني العراقي في هذه المرحلة، وراحت اراء مغايرة لما سبق باعتبار ان قلة من النساء برزن في مؤسسات الدولة واثبتن دوراً فاعلاً فيها، لاسباب منها تفضيل الرجال عليها في المناصب المختلفة وصعود نساء غير كفوءات.
تجاهل للكفاءات النسوية
جملة من الاشكاليات التي تقف بوجه المرأة لتأدية دور واضح في بناء مؤسسات الدولة، تتحدث عنها “هناء أدور” عضوة شبكة النساء العراقيات، فتقول: كنا نطمح بعد التغيير ان تكون المرأة في مواقع صنع القرار، وبادرنا وأسسنا لحركة في هذا الصدد وطالبنا بنسبة لاتقل عن 40 % ، اضافة الى شغلها لمواقع ومناصب مهمة في جميع اجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، اخذين بنظر الاعتبار وجود كفاءات وامكانيات وخبرات بين اوساط النساء، مايؤهلهن لان يكن في مثل هذه المواقع، واستطعنا فعلاً ان ننجح في تثبيت نسبة لاتقل عن 25 % لتمثيل النساء في البرلمان، وحصلت خيبة كبيرة بعد الانتخابات الاولى والثانية بفوز نساء من ضمن قوائم الكتل الانتخابية فبدون كفاءات وحتى قسم منهن من دون شهادات، جرى ضمهن الى هذه الكتل على اساس الانتماء الحزبي الضيق او العلاقات العائلية والعشائرية والطائفية بغض النظر عن مستوى التأهيل التعليمي او العملي وحتى افتقادهن لابسط مقومات العمل السياسي، والانكى من ذلك نجد صعود نساء الى مثل هذه المواقع وهن لايؤمن بمصلحة النساء كجنس ويعتبرن المرأة تابعة للرجل وفي مستوى ادنى في المشاركة على الصعيد الشخصي والعام، ويدافعن بشكل مستميت عن الكتل اللاتي ينتمين اليها، كما لايوجد طموح لدى قسم كبير منهن في تطوير امكانياتهن وعلاقاتهن بين اوساط المجتمع، وان وجدت فهي تختصر على الطائفة او المجموعة التي تمثلها واكثر من ذلك بعدم شعورهن بتمثيل عموم الشعب العراقي، مثلما لايوجد شعور بين الرجال والنساء في انهم خادمون للشعب وموظفون من اجله، في حين ان العمل في مثل هذه المستويات مسؤولية كبيرة تتطلب توفر استشارات لهم من قبل مختلف الاختصاصيين وتطوير قدراتهم بما في ذلك التقنيات اللازمة، كاستخدام الكومبيوتر واللغة الانكليزية، لكن من خلال متابعتنا لاوساط المجتمع ودوائر الدولة، نرى ان هناك اعداداً غير قليلة من النساء يتمتعن بمواصفات عالية في الكفاءة والخبرة في ادارة مؤسسات الدولة، يجري تجاهلهن لكونهن مستقلات او لايوجد من يسندهن من الاحزاب والكتل السياسية، بينما يتم تعيين مدير عام وعمره لايتجاوز 35 سنة ويفرض على دوائر الدولة على اساس انتمائه لنفس تكتل الوزير السياسي، ناهيك عن انه لايمتلك اية خبرة في عمل مؤسسات الدولة والعمل الوظيفي، ولايتم تقديم موظفات الى درجات وظيفية عليا موجودات في نفس الدائرة او الموقع لديهن خبرة تزيد عن عشر او عشرين سنة، نقول لماذا هذا التمييز وعما يضمره المستقبل ان بقي حال مؤسسات الدولة على هذه الحال، واضافت: “ان استمرار وقوع دوائر الدولة تحت النفوذ والتقسيمات الطائفية والعرقية، لن يحقق لنا اي بناء جدي لمؤسسات الدولة، بل سيزداد التخريب لهذه المؤسسات وتحويلها الى امارات و كانتونات محدودة، لكن ان اعيد النظر في اسلوب الحكم بالغاء المحاصصة الطائفية والاعتماد على الوطنية والنزاهة والكفاءة، حينها ستبرز الكثير من الطاقات التي بامكانها تحقيق اصلاح جذري للوضع الحالي في مؤسسات الدولة، والمرأة موجودة ضمن هذه الفئات التكنوقراطية، ولن تتردد في استلام مهام اعلى ومسؤوليات اكبر، لانها لاتطمح فقط لتسلم حقائب وزارية كالبيئة والمرأة، انما تعمل بقدر طموحها لان تكون موجودة في وزارات سيادية مثل الخارجية والمالية والدفاع ووجودها كقاضية في محاكم التمييز وكنائبة لرئيس الجمهورية ونائبة لرئيس البرلمان، لم لا اذا ماقارنا بالكفاءات الرجالية المتواجدة الان، نجد ان المرأة من حقها احتلال مواقع كتلك، وربما بنظري هي احرص من هؤلاء على الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق الاستقرار والامن والخدمات الاساسية للسكان.
دور غير واضح المعالم
اعادة بناء الدولة بمشاركة الجميع وفي ظل التطور الذي حصل في تفكير المرأة العراقية، تشير اليه ـ الناشطة النسوية شميران مروكل بقولها: الانهيار الذي حصل قبل وبعد 2003 في البنى التحتية وفي المؤسسات العامة للدولة، يحتاج الى جهود الجميع، ونقصد بهم الرجال والنساء، ونحن نقف عند حقيقة هي ان نسبة النساء في المجتمع اكثر من الرجال، فاي مسعى لتعطيل او تهميش دورها للمساهمة في عملية البناء، ستصبح عرقلة لمجمل ذلك مما يعود بالسلب على تقدم وتطور مؤسسات الدولة. ونتيجة لما مر به العراق من حروب في السابق، كان الرجال فيها اداة والمادة الرئيسية لها، فكان للمرأة دور في عملية البناء والانتاج، بسبب الفراغ الحاصل اثر توجه الرجال لجبهات القتال وتعرضهم خلال الفترة السابقة للاعتقال والملاحقة والاعدامات والمقابر الجماعية بصورة اكثر من النساء والاطفال والشيوخ. وبعد سقوط النظام السابق حصل تطور وتقدم نوعي في تفكير المرأة، لعدة عوامل اهمها نشر الحقائق والمبادىء الاساسية التي تخصها من خلال وسائل الاعلام وتاسيس عدد كبير من المنظمات والجمعيات النسوية، اضافة الى ماكان موجود سابقاً، وعقد العديد من المؤتمرات داخل وخارج العراق، شاركت فيها المئات من النساء الناشطات في مجال حقوق المرأة والطفل ومساهمتها في صياغة القوانين وكتابة الدستور وفي المجالس البلدية كعضوات، وبالرغم من ان هذا الدور ليس بالمستوى المطلوب لكنه كان مفتاحاً للناشطات للمطالبة بالمزيد من المساهمات وزيادة نسبة الـ 25 % في البرلمان وتحقيقها مستقبلاً في جميعدوائر الدولة وليس فقط في البرلمان، فالمجتمع متكون من طبقات وشرائح والنساء هنّ الشريحة الاوسع ولهن حقوق وواجبات، كما لهن همومهن الخاصة، فضلاً عن الهم الوطني العام، ومن الطبيعي فان ادراج حقوق المرأة في اية وثيقة مهما كانت مهمة لن يحل المشكلة، ان لم تنفذ وتدخل حيز التطبيق، فحق المرأة في الحياة والعمل والمشاركة الجادة لايمكن التنازل عنه، وستعمل المرأة مع كل القوى الخيرة لتوثيق ذلك في الدستور ومن اجل تنفيذه وتحويله الى واقع، وارى ان دورها في بناء الدولة جوهري ومهم، لكنه الان غير واضح المعالم، لانها مازالت تستثنى في نطاق الوفود والاعلام والتعيينات ويفضل الرجل عليها، ويهم كل المجتمع الاستقرار وبضمنهم المرأة، ليؤدي كل دوره وتبرز مساهمتها الفاعلة والمؤثرة.
تردي المعطيات الحالية
وبالنسبة لسعي الحركة النسوية العراقية وعلاقتها بدور المرأة المستقبلي في بناء مؤسسات الدولة، ترى المحامية تأميم العزاوي رئيسة منظمة شبعاد للمرأة والطفل، ان الناشطات النسويات يعملن بكل قدراتهن لتاسيس واقع قانوني واجتماعي يدفع بالمرأة لان تكون عنصراً فاعلاً ومتحملاً لمسؤولياته في جميع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني منطلقين من انها قادرة على ذلك وعلى تجسيد الدور الوطني العراقي في هذه المرحلة، وتتحدث اكثر عن هذا المسعى بقولها: من ضمن هذا التوجه نطالب ان تكون المرأة ممثلة في جميع مواقع صنع واصدار القرار معتمدة على كفاءتها وعلميتها ومؤهلاتها الاخرى التي تناسب هذه المواقع، وفي ظل هذا الظرف تجد نفسها في حالة تحد مع المعطيات الحالية في الساحة العراقية والمتطلبات الكثيرة التي تحتاج الى معالجة واهمها الوضع الامني الذي اصبح يمثل التحدي الاكبر لكل العراقيين وليس للمرأة بالذات، التي تسعى مع فئات المجتمع بكل اطيافه وتوجهاته الفكرية الوطنية لمواجهة هذه المصاعب، من خلال المساهمة في دفع النساء لتمكين انفسهن من المهارات والمؤهلات التي تجعل منهن قادرات على تحمل المسؤولية المناطة بهن كمواطنات عراقيات، وفي مناسبات مختلفة نطالب وبشكل متكرر صناع القرار بالالتفات الى الكفاءات العراقية من النساء وتعيينهن على هذا الاساس وليس على اساس جنسوي بتفضيل اختيار الرجال عليهن في مؤسسات الدولة، فعنصر الكفاءة والمؤهل الاكاديمي والخبرة المتراكمة مهمة جداً في اي موقع سواء كان في اجهزة الدولة او منظمات المجتمع المدني، وبذات الدافع ننوه الى اهمية ان يكون اداؤها في مواقع صنع واصدار القرار اداء عراقياً وطنياً لافئويا قطاعياً محدوداً، لان الهدف من هذا كله والذي يفترض ان يصبح شاخصاً في اذهان الجميع واولهم صناع القرار هو العراق، دولة القانون والمؤسسات وليس العراق دولة المرجعيات المختلفة الدينية والسياسية كي يكون هذا الوطن الذي نتحدث عنه مركز اشعاع حضاري في العصر الحالي مؤسساً وفق معايير قانونية وانسانية معترف بها، ونجد استناداً للواقع انها مستمرة في عطائها وتحدي الظرف الامني والاقتصادي المترديين ونقص الخدمات و غياب التمكين القانوني والاجتماعي لها، الا ان المرأة صابرة مثابرة تزج بكل طاقاتها في موقعها الوظيفي وتسعى لتلبية احتياجات المجتمع المدني.
مسعى لتغيير الواقع
وتعتقد اسراء حسن عضوة جمعية نساء بغداد، انه لابد ان يصبح للمرأة دور حيوي في بناء مؤسسات الدولة، بفعل اختبارها على مر زمن طويل من الحروب والحصار وظروف الاحتلال والارهاب والعنف الطائفي وتقول: اثبتت المرأة صبرها وتفهمها للوضع وهي الاكثر تاثراً بما يحصل بفقدانها الزوج والاخ والابن، فهي على المحك في هذه الظروف الصعبة، ولم تنكسر امام كل ذلك، بل عملت وخرجت الى وظيفتها دون خوف وتردد، ان كانت في دائرة حكومية اومؤسسة قضائية او منظمة مجتمع مدني، ولم تبق جيسة جدران منزلها، واصبحت ممارستها بعد سقوط النظام اكبر على صعيد العمل والتغيير الاجتماعي انتمائها للاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات، وبرزت في منظمات المجتمع المدني بشكل واضح، لكن في مؤسسات الدولة قلة منهم اثبتن دوراً فاعلاً اليوم بسبب التكتلات الطائفية داخل المؤسسات والدوائر الحكومية، وتفضيل الرجل عليها في المناصب المختلفة وصعود نساء غير كفوءات بمجرد انهن متحزبات لتلك الكتل، حتى التكتل الرباعي المعلن عنه مؤخراً لم يتطرق ولو بكلمة واحدة للمرأة ودورها، معنى ذلك استبعادها وعدم الاعتراف باهمية ماتقوم به، غير ان النساء الواعيات والناشطات اللاتي يسعين حقاً لتغيير واقع المرأة المتردي لايستسلمن لذلك، ولن يتقاعسن عن اداء اي دور يساعد كل الجهود التي يبذلها الوطنيون الشرفاء من اجل بناء دولة تحترم المواطن، ويجب هنا ان نعتبر بما قدمته النساء في تجارب عالمية اخرى كما حصل في اوروبا الشرقية ودورهن في احلال السلام والسعي لبناء الدولة في تلك المناطق.