المرأةالفلسطينية حضور بالمنفى ومشاركه في الوطن



فاطمه قاسم
2007 / 9 / 9


مقدمة:
في الجماعات والشعوب والأمم التي تتعرض للغزو والقهر والاحتلال الأجنبي، فإن المرأة في العادة تعاني بشكل مضاعف، فهي تعيش الظلم والقهر الذي يعاني منه شعبنا من العدو الخارجي، إن كان ذلك الظلم على شكل حرب أو هيمنة أو احتلال أو تمييز ثقفي واقتصادي!! كما تعاني من الضغوط وأشكال التمييز والإهمال السائدة في مجتمعها المحلي وفي نمط العلاقات الاجتماعية، والعادات والتقاليد السائدة في ذلك المجتمع.

وبدون شك:
فإن المرأة الفلسطينية تمتلك كل العناصر التي تجعلها نموذجاً حياً وواضحاً للمعاناة بشكلها الخارجي والداخلي، ولكنها من خلال هذه المعاناة نفسها استطاعت أن تشق طريقها، وأن تحقق حالة قوية من الحضور على مستوى الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي لشعبها الفلسطيني، سواء في مخيمات وتجمعات الشتات، وفي رحلة النضال الفلسطيني في المنفى، كما حققت قدراً كبيراً من المشاركة داخل الوطن الفلسطيني وخاصة بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

وسوف أحاول في هذا البحث أن أرصد أبرز ملامح التجربة التي خاضتها المرأة الفلسطينية لتأكيد حضورها في المنفى منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع عام 1965، وكذا حجم المشاركة التي حققتها المرأة الفلسطينية منذ قيام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1994م ، كما سأحاول الحديث عن الفروق بين الحالتين ونوع المشاكل والصعوبات، وإلقاء نظرة على المستقبل بالنسبة لحضور ودور ومشاركة المرأة الفلسطينية.

حضور المرأة في المنفى:
في السنوات الأولى من اللجوء الفلسطيني المأساوي بعد نكبة عام 1948، ظلت الصدمة مسيطرة لسنوات، وكان الحراك يتركز في مجمله على محاولات العيش، والبحث عن لقمة الخبز، وتحسين شروط الحياة، قد أخذ التوجه إلى التعليم اهتماماً كبيراً عن المجتمعات الفلسطينية في المنفى، لأن التعليم وحده كان يكلف تأمين حياة أفضل من خلال إعداد الفلسطينية بشكل أفضل لأسواق العمل، سواء كمدرسين أو فنيين مهرة، أو عمال في المصانع والمزارع الغريبة من مخيماتهم وكانت المرأة الفلسطينية يقع عليها العبء الأكبر في تأمين حياة العائلة سواء عن غياب الزوج في مناطق بعيدة ا, تربية الأولاد والإشراف على تعليمهم وتحمل أعباء العمل داخل الأسرة، والمساهمة بنفسها في العمل بأجرة رخيصة لاضطرارها إلى تأمين دخل لأسرتها الصغيرة.
ولقد قدمت النساء الفلسطينيات نماذج مميزة على هذا الصعيد، حين كان الزوج يغترب في مكان بعدي لسنوات طويلة، أو حين كانت بعض النساء يقمن بإعالة أسرهن فتضحين بعمرهن ولا يتزوجن لأنهن مصدر الدخل الوحيد للعائلة، أو حين يصبحن مضطرات إلى العمل الشاق جداً أو بأجر رخيص، وكل هذه العوامل جعلت المرأة تتخلف عن المشاركة السياسية في السنوات الأولى من اللجوء، حيث النشاط السياسي كان متاحاً أمام الرجال من بوابة الأحزاب العربية في البلاد التي تستضيف اللجوء الفلسطيني، وحتى تلك الأحزاب لم تكن تعطي الرجال الفلسطينيين الفرص المتساوية في العمل الحزبي برغم أن تلك الأحزاب كانت تستخدم القضية الفلسطينية في شعاراتها المعلنة.
ولكن قيام منظمة التحرير الفلسطينية في 1964، وانطلاق الثورة الفلسطينية، وتأسيس الفصائل الفلسطينية، المختلفة، أحدث انقلاب في التجمعات الفلسطينية في المنفى، حيث تحولت تلك التجمعات إلى قواعد شعبية للثورة الفلسطينية ووجدت المرأة الفلسطينية الفرصة متاحة أمامها لكي تسجل حضوراً قوياً في كل مستويات العمل الفلسطيني ولكن من البوابة الجزئية، أي أن المرأة كان يجب أن تكون منسبة إلى فصيل معين أو حزب معين لكي تتمكن من خلاله من تسجيل حضورها ومشاركتها في العمل السياسي والوطني.

ويمكن القول في هذا الصعيد:
أن النشاط الوطني الفلسطيني بوجه عام قد خاض مرحلتين لهما خصائص معينة منذ النكبة وحتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المرحلة المعروفة بمرحلة البحث عن التراث الفلسطيني، وقد خاض الفلسطينيون في تلك المرحلة نشاطات اجتماعية وثقافية وسياسية، وكان أبرز ملامح النشاط السياسي، هو الحضور الفلسطيني في الأحزاب والحركات العربية، وهذا كان دور المرأة الفلسطينية فيها ضعيف للغاية، وكان نشاطها الاجتماعي هو الأبرز، وكان أهم ذروة في ذلك النشاط السياسي هو انتفاضة عام 1955 في قطاع غزة التي كانت تتويجاً للجهد الفلسطيني الخارق في مواجهة مؤامرة توطين الفلسطينيين بشكل نهائي قي بعض المناطق مثل جزيرة الفرات في الشمال السوري، وصحراء سيناء في أقصى صحراء مصر، وربما من خلال هذا النجاح الذي تحقق في إسقاط مؤامرة التوطين، ولد الاتجاه نحو عمل وطني فلسطيني مبادر يخرج من تحت سقف الأحزاب العربية، وهو الشيء الذي تبلور في تأسيس حركة فتح عام 1958، وانطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة في مطلع عام 1965.



أما المرحلة الثانية:
من مرحلة تحقيق الذات، التي بدأت مع انطلاقة حركة فتح وقيام منظمة التحرير الفلسطينية في منتصف الستينات، وفي هذه المرحلة سجلت المرأة الفلسطينية من خلال انتماءاتها الحزبية درجة عالية من الحضور في العمل الفلسطيني بكل جوانبه:

1. النشاط الإداري، حيث الفصائل الفلسطينية تحت لواء منظمة التحرير تضاعف حجم نشاطها اليومي في كافة التجمعات الفلسطينية في المنفى، وافتتحت هذه الفصائل آلاف المقرات لها في الأردن وسوريا والعراق، وفي كافة المجتمعات، وفي أماكن أخرى في العالم العربي والخارج أيضاً، وكانت هذه المكاتب والمؤسسات البحثية والتعليمة والاجتماعية والتدريبية بحاجة إلى آلاف من المتطوعين والاختصاصيين والمهنيين والإداريين، وكان للمرأة الفلسطينية حضور بارز في هذه المكاتب والمؤسسات.

2. العمل الثقافي: حيث النشاط النسوي توحد تحت لواء الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وجمعياتها الخاصة بها، بالإضافة إلى مشاركة المرأة في النقابات الأخرى مثل: نقابات الطلاب والعمال والأطباء والصيادلة والمهندسين، وكان من المستحيل وجود نقابة من هذه النقابات والمنظمات الشعبية دون مشاركة من المرأة في كافة إطاراتها القيادية والقاعدية.


3. العمل السياسي: حيث أدى حضور المرأة في مجالات التي ذكرتها إلى حضورها أيضاً في العمل السياسي المباشر وإطاراته المتخصصة، فقد دخلت المرأة إلى العمل الوطني الفلسطيني من خلال تمثيلها النقابي، كما ارتقت المرأة في الإطارات السياسية الحزبية نفسها، وتبوأت المرأة الوظائف ذات الصفة السياسية مثل السفارات، والممثليات الفلسطينية حتى وأن كان ذلك بشكل طفيف.

4. العمل العسكري: شاركت المرأة الفلسطينية في العمل العسكري بدرجاته المتعددة ابتداءً من مهمة المقاتلة في القواعد أو العمليات العسكرية النوعية، أو النشاط العسكري غير المباشر مثل العمل في المستشفيات العسكرية، والعمل على أجهزة الاتصال اللاسلكية ، أو في المراكز الإدارية العسكرية، ولدينا أمثلة معروفة على انخراط المرأة في العمل العسكرية بأخطر وأصعب حلقاته مثل خطف الطائرات في مرحلة معينة أو قيادة عمليات عسكرية خاصة ونوعية مثل عملية دلال المغربي المشهورة جداً.



وفي مرحلة تحقيق الذات:
بعد انطلاقة فتح وقيام منظمة التحرير الفلسطينية، فإن المرأة استطاعت أن تحقق الاعتراف بدورها، وتأكيد هذا الدور على كافة الأصعدة، بما في ذلك حضورها الثقافي والأدبي والإبداعي بوجه عام، وأن المرأة التي أكدت دورها الاجتماعي المميز في مرحلة البحث عن الذات قد أكدت حضوراً أوسع في مرحلة تحقيق الذات على الأصعدة السياسية والثقافية والإدارية والعسكرية.
المرأة في مرحلة السلطة الوطنية:

منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في بداية صيف عام 1994 فأن ساحة المسئولية قد توسع بشكل كبير، وبالتالي تضاعف حجم النشاط الذي تمارسه المرأة الفلسطينية وذلك لأسباب عديدة من أهمها:

1. إن البوابة الحزبية لم تعد شرطاً للمشاركة في العمل الوطني الفلسطيني، حيث أن آلاف المعلمات في المدارس والجامعات، ومراكز البحث، والهيئات غير الحكومية والمستشفيات، والمواقع الإدارية والفنية والتخصصية على اختلاف أنواعها لم تكن تشترط المرور من البوابة الحزبية.

2. أن الدور الذي تقوم به السلطة الفلسطينية داخل الوطن يفوق كثيراً الدور الذي كانت تقوم به المنظمة في المنفى، حيث في المنفى كان الدور السياسي والعسكري هو الأبرز، بينما داخل الوطن ووسط هذا التجمع الكبير قرابة أربعة ملايين، فإن مسئوليات السلطة الوطنية أكثر اتساعاً ابتداءً من الدور السياسي والعسكري وصولاً إلى أدق تفاصيل العمل البلدي، والقضاء والعمل الشرطي والمؤسسات التشريعية والديمقراطية وهكذا وجدت المرأة الفلسطينية نفسها أمام فرص عمل واسعة ابتداءً من مكتب الرئاسة نفسها وما يتفرع منها من مؤسسات وصولاً إلى المجلس التشريعي بشقيه البنياني والإداري وكذلك الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها وصولاً إلى أصغر التشكيلات الإدارية والاجتماعية، وقد تكرست ثقة المرأة بنفسها إلى حد خوضها الانتخابات سواء عبر الأحزاب المنتمية إليها أو عبر شخصيتها المستقلة، وتسجيل حضور بارز في هذا الاتجاه.

3. عبر الاحتكاك المباشر واليومي مع الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وممارساته فإن قاعدة الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى قد توسعت لتشمل مشاركة أوسع من قبل المرأة عنها في الانتفاضة الأولى وتحت سقف هذه الانتفاضة شاركت المرأة في كل المهمات ابتداء من العمل التنظيمي، وصولاً إلى العمليات الخاصة والاستشهادية، وأصبحت نسبة السجينات نسبة واضحة داخل السجون الإسرائيلية.


4. تحت سقف السلطة الوطنية شاركت فصائل ومفردات سياسية جديدة لم يكن لها وجود سابق في مرحلة تحقيق الذات التي استمرت منذ قيام المنظمة وحتى قيام السلطة قرابة ثلاثين عاماً، وأعني بذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي، وهذه أدخلت إلى قطاع العمل النسوي تجارب جديدة وفعاليات جديدة، لدرجة أن هذا العنصر النسائي كان له دور بارز في نتائج الانتخابات التي جرت في 25/1/2006.

ولكن الملاحظة المؤلمة:
أنه رغم تصاعد حجم المشاركة من قبل المرأة في الحياة الفلسطينية، على الأصعدة الفلسطينية والعسكرية والنقابية والإدارية، والاجتماعية والثقافية، ووصولها إلى كرسي النيابة وكرسي الوزارة وكافة المهمات الأخرى، إلا أن ذلك لم يخفض من معدلات العنف ضد النساء الفلسطينيات بل لقد تم تسجيل ارتفاع ملحوظ في هذا الجانب وكذلك زيادة في معدلات القتل على خلفية الشرف وارتفاع معدلات الطلاق ومعدلات العنوسة وانكفاء في المكانة الاجتماعية، وهذا ما يحتاج إلى دراسة عميقة لمعرفة العوامل المؤثرة

هل بسبب موجة التراجع والانكفاء المحيط العربي والإسلامي؟
هل زيادة نشاط الحركات الإسلامية هو العمل المؤثر؟
هل هو الفقر؟
أو الاضطراب السياسي؟
وربما يكون هذا العنوان هو موضوع بحث آخر.