من المسؤول عن ملوحة الماء في النهر الانتخابي



أحمد الخمسي
2007 / 9 / 13

أن ينهزم من قاد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في مدينة تعتبر القلب النابض للاقتصاد في المغرب، يعني ذلك أن المواقع المحسوبة على المشروع الحداثي الديمقراطي في الطبقة السياسية تتراجع لفائدة المواقع المحسوبة على التيار العام المحافظ والمناهض لحقوق المرأة.
إنها خلاصة عامة، ولو كانت فضفاضة لكنها ثابتة الوجود.

غير أن ثبوتيتها العامة، المناقضة لفضفاضية العيني فيها، يضعف الاعتماد عليها كمعطى لتأسيس التحليل. وفي نفس الوقت يضع المحلل في حيرة من أمره، بسبب ملحاحية القياس وفق الجندرة، أي وفق القاموس المتداول للتعبير عن ميزان الديمقراطية بمكيال التوازن بين وضعية المرأة ووضعية الرجل في مختلف الأوضاع والعلاقات.

ولم يكن من العبث أن سطر تقرير التنمية البشرية في العالم العربي، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية (2003)، على ثلاث معوقات في البنيات المجتمعية العربية، كما لو كانت مظاهر فقر الدم والأنيميا في العالم العربي، أولها: الخصاص في الحرية، وثانيها: الخصاص في التعليم، وثالثها: الخصاص في تمكين المرأة من المشاركة في الحياة العامة وممارسة الحجر عليها، أفقيا وعموديا.

وهنا يجدر التساؤل عن تحسن صورة الدولة المغربية على مستويين: مستوى المؤسسات الدولية المتبنية لقضية النساء، باعتبارها مكونا أساسيا من الأعمدة التي يقوم عليها النظام الحديث لتوزيع المسؤوليات بين السكان/المواطنين. ومستوى المجتمع المدني المرتبط بالطبقة السياسية بجميع مشاربها الايديولوجية.

بينما تتراجع صورة الطبقة السياسية غير السيادية والتي تعيد إنتاج السلوك المحافظ تجاه النساء. مما يكرس انتشار واقع دونية المرأة أفقيا بين كل المواقع المؤسساتية. يتساوى في ذلك الليبرالي واليساري والأصولي. وهو ما يؤسس لمطالب أصلية مرتبطة بإنسانية الإنسان، وما درج من قيود ماسة بالكرامة والحرية والأهلية القانونية للفرد.

إن المتمعن في نتائج الانتخابات التشريعية يلاحظ الارتباك أمام تطبيق المنهجية الديمقراطية، بين المعيار الشكلي لتعيين الوزير الأول من بين أعضاء الحزب الأول في الترتيب العددي، وبين المعيار السياسي والعلاقة مع الناخبين وفق سياسة التحالفات المعقودة من طرف الحزب الأول (الكتلة= الحي/الميت)، وبين المضمون الاجتماعي للأغلبية العددية بناء على الأحزاب الأربعة الأولى، والميلان الواضح نحو اليمين المحافظ.

وكأن التناقض بين انتماء حزب الاستقلال للكتلة ذات الميل اليساري( بنسبة 60 في المئة من مكوناتها)، بالنظر إلى البيان الصادر قبيل الانتخابات، وبين تصدًره لحزبين محافظين يتلوانه في الترتيب مباشرة (العدالة والتنمية مع الحركة الشعبية)، يتطلب الإمعان في ما أتت به الانتخابات، في اللائحة الوطنية، الخاصة بالنساء. للحفر بكيفية أعمق في نفسية الطبقة السياسية، واستخراج الميول العميقة لديها، بدل تركيز النقد على دورالدولة في الانتخابات.

إذ نجد الميل نحو المضمون النسائي المحافظ أقوى (11 منتخبة في البرلمان عن العدالة والتنمية والحركة الشعبية) من الميل نحو النسائي المتحرر (8 منتخبات في البرلمان عن الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية).

أما إذا نظرنا إلى المجتمع السيادي والمجتمع السياسي والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي، فسنجد الفئة التحررية في كل من هذه الشرائح التراتبية عموديا، مجرد قشرة رقيقة حد الهزالة. الفئة التحررية، أي تلك التي تنزع نحو التحرر والمساواة والقطيعة مع منطق الدونية. غير أن الحصة التحررية تضعف كلما انحدرنا نحو الأسفل، أي نحو الطبقات الأوسع والأفقر. مما يترك الاصطفاف الايديولوجي يسارا لا يخفف من وطأة الوضع النسائي.

فكأن مراكمة الأمية (= الخصاص في التعليم) ونفسية العبودية والطاعة (= الخصاص في الحرية)، تورث بالضرورة ميل الذهنية المجتمعية نحو الاشتغال وفق دونية المرأة كأقدم ممارسة وأوسع شكل وأعمق محتوى من الدونيات اللاديمقراطية والمناهضة للحداثة.

فالطبقات الدنيا تناقض مطالبها بتأجيج حركتها ضمن انغلاق خطابها وقيامه على استعباد النساء بادعاء الحفاظ على العرض، والحال أن الكنيسة طالما وفرت السند المعنوي للاستعباد الإقطاعي للنبلاء على حساب الأقنان والنساء على السواء. وكان خطابها أقوى لأنها ادعت الحفاظ عن الطهر أصلا!!!

وفي الأفق المنظور للحركة الاجتماعية المكونة لينبوع الصبيب السياسي، ستظل ملوحة ماءها المحافظ الطعم الرئيسي، مما يضع السؤال عن قدرة الدولة في الحفاظ عن صورة المغرب المتقدم ضمن الكوكبة الأولى من بين البلدان العربية الغارقة في ملوحة المحافظة.

إن ملوحة المحافظة في المجتمعات العربية ونحن منها، تدفع الأجيال المندمجة في روح العصر نحو الاختناق في تربة مجتمعها الأصلي. فظاهرة "الحريك"، تمس الأطر الحديثة عبر الطائرة، كما تمس الشباب المهمش عبر "الباطرة". وكل ملوحة زائدة تقتل خصوبة التربة.

وفي مجمل ملامح الصورة، نجد السد القادر على تنظيم جريان الماء المالح المحافظ، هو الدولة. لما يوجد فوق الأرضية الاجتماعية من انخفاض، حد التقعر. ولكن اعتماد الدولة منذ فترة الراحل ادريس البصري، على ترقية التقنوقراط والبيروقراط الفاقدي نسبة التكيف الروحي في دورهم البنيوي الإداري الوظيفي، أضفى على العمل العمومي صفة النفعي "المسوس" الفاقد الاخضرار الثقافي حد التصحر.

إن قضية النساء في دفتر التحملات السياسي لكل مقتحم لمجالات الشأن العام، لهي القياس الحديث الديمقراطي المتوازن، لكل أطروحة شمولية. مثل الثوم المعروفة بالصلاحية لتكييف ضغط الدم، لكنها ذات رائحة أجمل، تضفي على الحياة جمال الطبيعة الأصلية.

إن شفافية الذوق وجمالية المبنى ورفعة المعنى سابقة عن مواصفات التدين و العلمنة معا. فقد زادت حدة المحلية والخصوصية في أشكال من التدين والعلمنة، أضفى عليهما معا مواصفات المبالغة بل الغلو في رغبة استئصال الآخر. بينما ترنو الحضارة نحو السلم تجاه الغير. إذ يتميز السلوك المتحضر بالكرم العقلاني ذي النزوع الاستثمارية النافعة في أغلب الحالات الإنسانية بدل ثنائية المفهوم الإقطاعي بين الكرم والبخل حد الحرب.

وفي جميع الأحوال، يمكن التساؤل عما تراكم من جزئيات في تمكين المرأة. هل ينتمي لتيار عام متجه نحو المستقبل المتوازن في مجتمع المؤسسات؟ أم سيغرق في ملوحة المحافظة تبعا لسطحية نتائج الانتخابات؟!!!