في الاشتراكية السبيل لتحرر المرأة



سامية ناصر خطيب
2002 / 9 / 5


ان نضال النساء لفك تبعيتهن والتحول الى كيان حر ومستقل، يتطلب الانضمام لحركة جماهيرية عمالية شاملة ذات صبغة اشتراكية، يكون بمقدورها تحرير المجتمع ككل من قيود الرأسمالية والمفاهيم العنصرية، والغاء الملكية الخاصة وارساء البنية التحتية حتى تتحقق للنساء ايضا الحرية والاستقلال.

سامية ناصر خطيب

في الفلسفة اليونانية القديمة "المرأة في خدمة البطن" - ابقراط، او انها "انثى بسبب نقص معين في صفاتها" - ارسطو. ورغم قِدم هذه الآراء واثبات عكسها علميا، الا انها لا تزال تشكل اساس التعامل مع المرأة في معظم المجتمعات.
المرأة التي تعتبر في مجتمعنا العربي "ناقصة عقل ودين" هي حِمل على عائلتها حتى يأتي من يتزوجها ويريح العائلة من همّها. بزواجها لا تصبح المرأة العربية حرة بل تابعة لزوج لا تستطيع الفكاك منه اذا لم يتفقا. فبالنسبة للمجتمع هي عاجزة، كونها مخلوقا ناقصا، عن العيش مع اطفالها بشكل مستقل، الامر الذي سيضطرها للعودة الى بيت اهلها والتنازل عن اطفالها وتقلّد وسام "المرأة الفاشلة"، لذلك من الافضل لها وللجميع ان تختار "نار زوجها على جنة اهلها".

عندما كانت المرأة حرة

اليوم هذه امور تعتبر بديهية بل ازلية: هكذا كانت المرأة دائما وهكذا ستبقى. ولكن تاريخ البشرية يثبت ان النساء تمتعن بدور الاولوية قبل آلاف السنين، واتبع الاولاد قبيلة الام، ولا تزال هناك آثار لهذه المجتمعات القديمة في نيبال بشرق آسيا مثلا. المجتمع القديم الذي سمي بالمجتمع الامومي، اعتمد على الانتاج الجماعي وسبق تطور الملكية الخاصة، لذلك لم يعرف التقسيم الطبقي.
في كتاب "المرأة والاشتراكية" يفسر جان فريفيل سبب تفوق المرأة في تلك العصور، فيقول ان "للمرأة كانت الاولوية على الرجل، لا سيما انها هي المدعوة للحفاظ على النوع البشري. فكانت هي التي تنشئ الاولاد وتفك ألغاز الطبيعة، وبذلك كانت موضع تبجيل وخوف. وكان الرجل يقدر سجاياها وينصاع لاوامرها فهي مساوية له اجتماعيا وفكريا، ان لم نقل انها كانت تفوقه".
فاذا كانت المرأة سابقا تتمتع بمكانة تساوي مكانة الرجل، كيف اذن انحدرت مكانتها وتحولت الى اضعف حلقات المجتمع وتابعة للرجل وخادمة له ولكل افراد الاسرة؟ يشير الكاتب الى انه مع تراكم الاكتشافات والتجارب تطورَ الانتاج الزراعي والصناعي وقاد الى تكدس الاموال والاملاك بيد شريحة ضئيلة من المجتمع، الامر الذي قاد الى تقسيم المجتمع الى طبقات قوية صاحبة املاك وطبقات ضعيفة فقيرة وخادمة للطبقات الاقوى. وكان لنشوب الحروب كوسيلة لتحصيل القوت بالقوة، الدور الاساسي في ارتفاع مكانة الرجل الذي انتزع مكانة المرأة بالقوة وحولها الى عبدة.
يقول فريفيل: "جاء اكتشاف النحاس والبرونز والحديد وصنع الاسلحة والادوات المعدنية وولادة الحروب التي اصبحت المصدر الرئيسي للربح والتزود بالقوت، ليرفع من شأن الذكر وليعكس رأسا على عقب التقسيم القديم للعمل وليحط الى مرتبة ثانوية اعمال المرأة المنزلية". ويضيف: "هكذا عرف الجنس المؤنث هزيمته الكبرى، واستقرت الهيمنة للرجل الذي صار ينظر الى المرأة على انها اداة عمل وانجاب. وبدلا من ان تكون تابعة لدائرة ابيها اصبحت تابعة لدائرة زوجها، وصارت تقايَض مقابل ماشية او اسلحة. وقد كرست الاديان والتشريعات البدائية تبعية المرأة هذه".

الرأسمالية تكرس تبعية المرأة

ينبع تدني مكانة المرأة من تحولها الى ملك او عبدة للرجل، الامر الذي انعكس في اخراجها من دائرة الانتاج الاجتماعي للتفرغ لخدمة الرجل والعناية بالاطفال. من هنا، فان استقلالها الاجتماعي مرهون بمشاركتها في الانتاج العام والتحرر الاقتصادي.
المرأة العربية في اسرائيل بقيت متخلفة لان المجتمع الذي تعيش فيه بقي مجتمعا قرويا محكوما بنظام العائلية والطائفية، ولدولة اسرائيل الدور الاساسي في تكريس هذا الوضع من خلال عدم الاستثمار في البنية التحتية للقرى العربية بهدف تمدينها. فاذا كان المجتمع فاقدا للمناطق الصناعية ورجاله محرومون من فرص العمل لكونهم عربا والبطالة تزداد وتضخم، فكيف ستجد المرأة فرصتها للتحرر الاقتصادي والتحول لعنصر مؤثر اجتماعيا؟
في المجتمع الرأسمالي المؤسس على عدم المساواة بين صاحب الملك والعامل وبين الغني والفقير، لا يمكن ان تحصل المرأة على المساواة مع الرجل. حتى قرارات مصيرية للانسان كاختيار شريك الحياة لا تتم في المجتمع الطبقي عن حب وانسجام بل تخضع للاعراف الطبقية والطائفية، فعليك ان تتزوج من بنت طبقتك او من بنت دينك. ومن يجرؤ على كسر هذه القواعد، او التقاليد، فانه يضع نفسه في مواجهة مع المجتمع ككل ويكون عليه ان يواجه هذه القوانين ويكسرها، ونادرا ما ينجح.


المرأة والاشتراكية

اذا كانت الاشتراكية فرصة العمال للتحرر، فهي ايضا طريق المرأة نحو انتزاع حقوقها وحريتها وتقرير مصيرها بيدها. في النظام الاشتراكي يصبح من حق، بل من واجب، كل انسان ان يعمل، ويصبح من واجب الدولة توفير السكن والتعليم مجانا لكافة مواطنيها. كما تأخذ الدولة على عاتقها تسهيل الطريق امام الرجل والمرأة للخروج الى العمل، من خلال توفير اماكن العمل ورياض الاطفال ووجبات الطعام للطلاب في المدارس.
قد يبدو هذا حلما بعيد التحقيق الا انه كان حقيقة ساطعة لمدة سبعين عاما في الاتحاد السوفييتي. بعد نجاح الثورة الاشتراكية هناك عام 1917، عُقد في موسكو مؤتمر النساء الرابع الذي كان يجب ان يحدد اهداف الحركة النسوية. في المؤتمر شارك زعيم الثورة لينين والقى تحية قال فيها: "ان اهم مهمة لتحرير المرأة كسر كل القوانين التي تميز ضدها وتجعلها باطلة، فهي مساوية للرجل امام القانون ولها الحق في الطلاق". وكان موضوع الطلاق مصيريا في اوروبا في تلك الفترة، وكان بالنسبة للينين اشارة الى عدم تحرر المرأة الكامل.
في الاشتراكية يساوي القانون بين المرأة والرجل في العمل والاجرة، ولذا يتم عقد الزواج على اساس مدني وليس دينيا، تأكيدا على ان العقد يتم بين شخصين متساويين ومن ارادة حرة، بعيدا عن الاعتبارات المادية.
الهجرة الروسية الى اسرائيل ادت الى رفع المستوى العلمي للبلاد، وما يلفت النظر ان النساء الروسيات مثقفات على اعلى مستوى. وانه لمن المؤسف حقا ان نتعرف على قيمة الاتحاد السوفييتي من خلال المقارنة بين وضع المرأة في ظله وبين وضعها بعد انهياره، عندما اصبح جسدها بضاعة تشترى وتباع لتوفير لقمة العيش بعد الانهيار الاقتصادي الكبير.
ان نضال النساء لفك تبعيتهن والتحول الى كيان حر ومستقل، يتطلب الانضمام لحركة جماهيرية عمالية شاملة ذات صبغة اشتراكية، يكون بمقدورها تحرير المجتمع ككل من قيود الرأسمالية والمفاهيم العنصرية، والغاء الملكية الخاصة وارساء البنية التحتية حتى تتحقق للنساء ايضا الحرية والاستقلال.

الصبار 150