الفضاء الافتراضي للمرأة المسلمة : دراسة مضمون بعض المواقع الإسلامية النسائية



إقبال الغربي
2007 / 10 / 17

في التسعينات من القرن الماضي، اعتبر العديد من الباحثين أنّ التقنيات الحديثة في إطار الاتّصال المعولم لا تخص سوى البلدان المصنّعة. علاوة على اعتبار أنّ مجال الديانات، وأساسًا الإسلامي منه، لا يمكن أن تمسّه بجديّة التغيّرات المتطوّرة، التي تعني نخبًا متميزة و متخصّصة. في حين تمّ اعتبار جمهور النساء، بداهة، ناشز بطبيعته وعديم التأثّر بكلّ الابتكارات التكنولوجيّة الحديثة.
بيد أن الأحداث العالميّة التي ميّزت بداية الألفيّة الثالثة، و خاصة اعتداءات 11 سبتمبر، وظهور القاعدة، تكفّلت بتغيير هذه المعادلة بتعديل هذه القناعات .
من ذلك، يجد التطوّر العالمي الراهن للحركة الإسلاميّة، على الأقلّ جزئيّا، عبر اعتماد وسائل عصريّة للاتّصال، وعلى وجه الخصوص الانترنت كعامل دعاية وتعبئة.
فالدخول القويّ للإسلام السياسي على الشبكة، سرّع في قوّة وسائل التوزيع، كما قلبت في السّابق الطباعة ووسائل الإعلام الجديدة سبل انتقال الآراء وأنماط سريانها .
تتوجّه راهنًا عديد المواقع الالكترونية إلى النساء المسلمات، و تتزايد هذه الظاهرة باستمرارّ ونلاحظ انه من السابق عن أوانه الخروج الآن بخلاصات نهائيّة بخصوص تأثيرات هذه الأداة الإعلامية الجديدة على التصورات و على المواقف، وعلى السلوكيات، وعلى صيغ اتخاذ القرارات من قبل النساء في البلاد الإسلامية.
فهل فرضت هذه المواقع مثلا مساواة في فرص التمتع بتكنولوجيا المعلومات و قلصت من الفجوة الرقمية بين الرجال و النساء ..
ما هي محدودية انخراط النساء في تكنولوجيا المعلومات علما أن الأمية و خاصة الأمية الرقمية لا تزال متفشية في العالم الإسلامي .
هل تعكس كثرة هذه المواقع الافتراضية واقع إدماج للمرأة في مجتمع المعلومات و تجاوزها للمعيقات التقليدية في هذا المجال .
ضمن هذه الدراسة، سأعمل على الإحاطة ـ من خلال دراسة محتوى عشرين موقعًا يخاطب النساء ـ ببناء الهويّة الإسلامية المعروضة على مستعملات الانترنت، وكذلك بصور الغَيْريّة و تمثلات الآخر المقدّمة في هذا الفضاء الرقمي.
كما تعلمون، تطوّرت شبكة الانترنت تحت إشرافDefense Advanced Research Project (DARPA)، في نهاية الستّينات، التي أرادت وضع شبكة قادرة على الصمود أمام الحرب الذريّة المحتملة . هذا الجهاز أنشأ هذه الشبكة وطوّر منظومة شبكات معلوماتيّة مترابطة، تمكّنه من بلوغ غايتين، أساسيتين لوجود بنيته ومواصلة أداء دوره في مجال السلامة والدّفاع: اللاّمركزيّة والتبسيط. و هنا تزاحم المأساة الملهاة عندما يلعب هذان العنصران دورًا استراتيجيّا في تطوير منظومة الإسلام السياسي الدولي اليوم . بل إن بعض الباحثين يتحدّثون اليوم عن "اختطاف آليات المشهد و توظيفها لتدمير مجتمع المشهد" ! بينما أصبح العديد من الخبراء يستعملون مصطلحات جديدة لوصف هذه الظاهرة مثل مفهوم «الإسلام الشبكي» e-islam، أو" الجهاد الافتراضي" أو "الجهاد اون لين".
تشكل الانترنت كما سبق و اشرنا إليه شبكة جيّدة الصنع وصلبة، وهي مواتية بحكم تركيبتها الأصليّة للتخفّي وللتمويه على نقطة المصدر.
مع ذلك، فقد تمّ الترحيب بهذه الوسيلة العصريّة ـ التي استمدتّ وجودها من رغبة وزارة الدفاع في الولايات المتّحدة في جعل بنيتها الاتّصاليّة بمنأى عن الهجمات النووية السوفيتيّة ـ و اعتبرت عامل من عوامل حوار و توحيد الثقافات. و قد برزت الانترنت بالنسبة للمؤسّسات والمستهلكين والحكومات كوسيلة تحرر، مقدّمة فرص مذهلة لبناء منتديات النقاش العام المفتوح لمشاركة الجميع و تواصل و الجدل حيث تستطيع القرية العالميّة الاجتماع وتبادل الآراء بغية مساندة الديمقراطيّة المباشرة و تطويرها عبر العالم. و قد ذهب البعض إلى حدّ اعتبار الانترنت أساس المجتمع الديمقراطي للقرن الواحد والعشرين مؤكدا على القيم الأساسيّة التي يتقاسمها مع الديمقراطيّة: الانفتاح، والمساهمة وحريّة التعبير للجميع. وهو ما يثمن أهمية هذا الفضاء العام الذي ينتظم فيه قانون الحجة الأفضل و تتحقق فيه بالتالي في شكل تواصلي و إجرائي في نفس الوقت سيادة الديمقراطية المباشرة.

على وجه التحديد، يقدّم الانترنت عديد الخدمات الهامّة: تأسيس علاقة متحررة و مستقلة إزاء إعلام الرتابة و الرقابة السائد في معظم البلدان ٬ دخول ميسّر، لا وجود لقواعد تقريبًا أو رقابة أو أيّ شكل من المراقبة الحكوميّة الفجة، جمهور عريض يتوزّع حول العالم بأسره، اتّصالات مجهولة المصدر وسهلة، كلفة ضئيلة و في بعض الأحيان مجانية وسياق متعدّد الوسائط.
و في هذه الفترة لم تكن الحركات الإسلامية تستعمل الشبكة بشكل مكثف .و حسب خبير الجماعات الإسلاميّة المصري ضياء رشوان، مؤلف "دليل الحركات الإسلامية" فإنّ التنظيم الوحيد في بداية التسعينات من القرن الماضي، الذي كان يملك موقعًا على الانترنت هي «الجماعة الإسلاميّة» المصريّة. في حين لم يكن بإمكان القاعدة مثلا أن ترسل رسائلها و أن تتبنّى اعتداءات نيروبي ودار السلاّم إلا بطريقة تقليدية أي من خلال جهاز الفاكس.
إثر ذلك، رفع الإسلاميون من وتيرة استعمال الانترنت، رمز تكنولوجيا الغرب وعلى وجه الدقّة أمريكا، التي يندّدون بها دون توقّف، لكنّ هذا التصرّف البراغماتي الذي شرّع تسخير هذه الوسيلة "الغربية" اثبت وجاهته و كان له العديد الامتيازات:
ـ فبفضل هذه التكنولوجيا عمدت التنظيمات والشبكات الإسلاميّة المحرومة من الفضاءات الجغرافيّة الأساسيّة لنشاطاتها، إلى إعادة تنظيم ذاتها داخل هذا العالم الافتراضي، من خلال الاستفادة من الامتيازات التي يوفرها الانترنت، بغية دعم استراتيجياتها وضمان البقاء والاستمراريّة.
ـ من ناحية أخرى، يأتي الانترنت في قلب الاقتصاد الرقمي، سواء التعاملات الماليّة أو حركة البيع والشراء من خلال الشبكة، ممّا يمنحها حماية الحكومات الغربيّة. و رغم التهديدات والمخاطر الهامّة ورغم تشويش الدعوة الإسلامية و الجهادية ، فمن غير المحتمل أن يتمّ القضاء على هذا الوسيط الإعلامي، ولو بشكل جزئي. لأنّ أي مساس بالانترنت له تأثيرات خطيرة و تبعات مدمرة على الاقتصاد العالمي . لقد أصبح الانترنت إذًا، أساس الاتصالات العالميّة والمبادلات التجاريّة، وهو ما يمثل ضمانة بالنسبة لمستعمليه.
ـ إضافة إلى هذه الاعتبارات، وجب القول أنه قبل مجيء الانترنت، كانت الرغبة في الاطّلاع لدي الجمهور يتمّ السيطرة عليها من قبل «حدّ القبول» التي تفرضه وسائل الإعلام وتقرّر من خلاله الأخبار والأحداث الجديرة بالذكر، وأساسًا أسلوب تقديمها إلى المتلقي . بينما تحدد المواقع الالكترونية اليوم بنفسها، محتوى ما تصدره، وهو مّا يلغي آليات الأخلاقيات الإعلامية و «حدّ القبول».
لقد تبيّن من خلال مقاربة المواقع النسائية الموجودة على الشبكة ضبابية و عدم دقّة اعتماد لفظ «منظمات إسلامية» بخصوص المشهد الإسلامي النسائي على الانترنت، الذي هو قليل التنظيم أو هو غير منظّم، والذي لا يملك أنشطة ذات تأثير حاسم على المستوى العالمي. لذلك لا يمكننا أن نجزم أو نحدد علاقات هذه المواقع النسائية المدروسة بالحركات الإسلامية بصفة عامة و بالجماعات المنفّذة للعمليات الإرهابيّة بصفة خاصة. و يمكن أن تكون صلات هذه المواقع بالتنظيمات الإسلامية هامشيّة أو غير موجودة أصلا. فالانتقال من حالة المتلقي السلبي و من حالة الإعجاب و التماهي إلى طور النشاط و العمل الحركي منوط بعدة عوامل نفسية و اجتماعية و سياسية .فهناك فرق بين الاستعداد للإرهاب و ممارسته فعليا . كما أننا في الآن ذاته، لا نعرف بصفة دقيقة من يقف وراء هذه المواقع. و في هذا الإطار يمكن أن تكون هذه المواقع ذات الخطاب الراديكالي في عديد الحالات ، مجرّد طُعم، لتصيد المبحرات على الواب و مجرد فخ لربط الصلة بالناشطات الإسلاميات المهمّات و الإيقاع بهن في أيادي الجهات الأمنية! من بين المواقع الالكترونية اخترنا عينة عشوائية لدراسة محتوياتها و تقنيات خطابها وهي التالية :

www.Akhawat.islamway.com
أخوات طريق الإسلام
www.islamroses.com
زهور الإسلام
www.da3ya.net
الداعية
www.basracity.net/women
المرأة المؤمنة
www.gafelh.com
كفيلة الداعيات
www.islamway.com
ركن الأخوات
www.muslimh.com
المسلمة
www.lahaonline.com
لها
www.muslimat.net
شبكة المسلمات
www.laki.com لك
www.sajidine.com
حياة المرأة الورعة والتقيّة (بالفرنسيّة)
www.nourislam.over-blog.net;
نور الإسلام
www.moujahdat.jeeran.com;
مجاهدات
www.alkhansa.com;
الخنساء
www.fatafer.net (shabakat banat el firdaws).
شبكة بنات الفردوس

بعض هذه المواقع ذات محتوى هادئ ومعتدل، كمثل" لكي اون لين" او" لها اون لين" ، فهي تقدّم إضافات إلى النصوص الفقهيّة، بعض وصفات الحمية أو بعض التعليمات السيكولوجية لتربية الأطفال و نصائح الديكور، أو الصحّة والنظام الغذائي.و يبرز هذا الاختيار اتساع رؤية الحركات الإسلامية لدور الشبكة في الترويج لمشروعها الحضاري إذ لم تعد تقتصر على إقامة مواقع و منتديات ذات طبيعة دعائية مباشرة بل توسعت إلى كل الاهتمامات الإنسانية مثل الترفيه و التسلية مرورا بالأخبار و انتهاء بالفتاوى و الأحكام الفقهية. مواقع أخرى، كمثل «الخنساء» أو «المجاهدات»، تأتي أكثر شدّة. موقع «الخنساء» مثلا يرفع شعار " مع ذات الدثار لننفض الذل و العار" و ينادي بصورة مباشرة بمبدأ «الولاء والبراء»، ويعرض صورة بنادق رشّاشة، فيما يقدّم موقع «مجاهدات» برنامج تمرين عسكري للنساء يدوم ثمانية أسابيع و إرشادات اللياقة البدنية للنساء المجاهدات!
تمكّن الوسائل التقنيّة الحديثة المشاركات في هذه المواقع من والاطلاّع على الصور وأشرطة الفيديو والأناشيد الدينيّة وسماع القرآن الكريم و اعتماد و إنزال كتب التفسير الشهيرة.
هذه المواقع النسائيّة تعطي قيمة للشكل ولجماليّة تقديم المحتوى، فهي تعمد إلى الألوان الجذّابة، وتفضّل الوردي والأزرق والأخضر، وأيضًا خلفيات المشاهد الرومنطيقيّة، كمثل شروق الشمس و غروبها . هناك أيضًا تطوّرات نوعيّة على مستوى المحتوى. المواقع الإسلاميّة تفاعليّة أيضًا وتعمد تصوّرًا إخراجيّا وجماليّا متميّزًا، وآلية تنافذ مدروسة. هذه المواقع محميّة جيّدًا ويتمّ تحيينها على الدوام. يعمل مهدّئ وملطف ضمنها، إلى تعديل الأقوال والتصريحات والخطابات التي قد تقع تحت طائلة الفعل العنصري وهو ما يجلب مشاكل مع السلطات الأمنيّة، كمثل الحرمان من الحرّيات الأساسيّة، التي تتمتّع بها هذه الجماعات في هذا فضاء الانترنت. منتديات الحوار مخصّصة حصرًا للنساء، ويتمّ الالتحاق بها بعد الحصول على الإذن.
من ناحية أخرى، يبدو لنا الانترنت متوافق تمامًا مع الظروف الاجتماعيّة للمرأة في ديار الإسلام و مع موروثها الثقافي ، فهو فضاء نصف عمومي، كما أنّه نصف خاص، يذكرنا بالمجالس و الصالونات الأدبيّة النسائيّة في فجر الإسلام. فالانترنت توفر للمرأة حيزا واسعا من المرونة في كل زمان و مكان. إذ يمكن المرأة من التفاعل مع الحياة الاجتماعية و السياسية من منزلها و من المكان الذي تتواجد فيه .
يأتي استعمال وسائل الاتّصال بأسلوب ديناميكي و مرن ، وتقوم الوسائل المتعدّدة الوسائط بمخاطبة جمهور شاباتّ ومتعلّمات.
تمكّن برمجيات متطوّرة من انجاز بطاقات وبيانات تفاعليّة يمكن جعلها في متناول الجميع، كما تمكّن محرّكات البحث المتطوّرة كمثل «غوغل»، في يسر من كمّ كبير من المعلومات. كذلك يتمّ تداول المواضيع والمعلومات الحسّاسة التي لا يرغب الإسلاميون إثارتها علنًا، ضمن منتدياتهم الالكترونيّة العامّة، من خلال قائمات توزيع وقاعات المناقشة الخاصة ومجموعات الحوار المغلقة.
هذه المواقع تؤدّي وظائف أربعة أساسيّة:
1 ـ التعليم عند بعد:
تجد كتابات متزايدة في حجمها، توزيعًا أكبر على الانترنت لدى هذه الجماعة الافتراضيّة، أساسًا نهي عن المنكر وبطاقات، وكتابات نظريّة أو فقهيّة، وترجمات للقرآن، تساهم جميعها في التوجيه والتجنيد والتعبئة.
هذا التعليم الافتراضي يهدف إلى تطوير المبادئ الشرعيّة والأيديولوجيّة، ولكن أيضًا إلى تحويل قطاعات عريضة من هذا الفضاء الالكتروني إلى «جامعة مفتوحة للجهاد».
2 ـ نشر الدعوة السلفيّة:
يواتي الانترنت جيّدًا نشر الدعوة: على مستوى المحتوى لا نشكّك في ما يتمّ نشره، وعلى مستوى الشكل، يأتي الانترنت وسيلة إعلام جيّدة، حيث يمثّل من الوصول إلى الملايين من المبحرين بفضل تطوّره عبر العالم. ناحية أخرى تبدو مفارقة، حيث يتمّ الوصول إلى كلّ متلق منفرد، دون قدرة منه على التفكير و الشك و التشكيك. إضافة إلى أنّ وسيلة الإعلام هذه متوفرة اليوم في البيوت وفي الإدارات العامة والمقاهي وحتّى على الهواتف المحمولة.
3 ـ التعبئة:
تمكّن هذه الوسيلة الاتّصاليّة أيضًا من خلال العلاقات التي تؤمنها من التعبئة، بفضل التكوين الذي تطرحه، وكذلك من تأقلم هذه الكيانات السلفيّة مع الوسط الذي تكون فيه. وأيضًا من إمكانية قيام تنسيق بين جماعات وأفراد بغية القيام بأعمال عنف. المبحرون الذين بإمكانهم تقبّل مثل هذه الأفكار، ويبدون اهتمامًا بقضيّة أحد التنظيمات أو يعربون عن رغبة في خدمة القضيّة، يتمّ الاتّصال بهم فرادى بفضل الإمكانيات المتزايدة للحوار الشخصي على الشبكة.
4 ـ الإرهاب على الانترنت يوافق تمامًا الأنشطة الإرهابية التي تقوم ضمن الشبكة، وتعني ضمن ما تعنيه، العمليات التي يتمّ خلالها اعتماد تقنيات القرصنة ضدّ مواقع الكترونيّة بغية تشويش عملها، أو السيطرة على مواقع الكترونيّة ليبرالية و علمانية ، التي تتعرّض دوريّا لهجمات افتراضيّة، وقصف الكتروني آلي، أو الدخول إلى الحواسيب، أو إرسال الفيروسات والديدان الالكترونيّة ضدّ نمط من الكاتبات المعروفات بآرائهم الليبرالية ، والرسائل ذات المحتوى الإباحي لإرهابهن. في مارس 2006، كشفت «الإدارة العامّة للأمن الخارجي» DGSE الفرنسيّة عن مجموعة نقاش، يقوم من خلالها جهاد يون بتجنيد من يملكون القدرة على مهاجمة المواقع hackers من أجل مهاجمة مواقع الزندقة. معتمدين النصيحة التالية: «إن لم تتمكّنوا من ذبحهم، قوموا على الأقلّ بتدمير مواقعهم»!
أريد الآن الحديث عن بنية الهويّة وتمثّلات الأخر في المواقع الإسلاميّة النسائيّة.
برزت ملامح بناء الهوية وصورة الآخر في هذه المواقع من خلال اعتماد منهجية مقاربة و تحليل نوعية المواد الإعلامية التي تقدمها بدا من أبواب الموقع و أقسامه الرئيسية و الفرعية و من نوعية الكتب و المقالات المعروضة و من دراسة أقسام الفتاوى و الأسئلة و التعليقات المرسلة من المتصفحات و دراسة عدد الزائرات لكل ركن من أركان الموقع .
و تبين بعد هذه الدراسة انه يتم بناء الهويّة النسائية الإسلامية في مناخ دولي يمرّ بأزمات في العالم العربي الإسلامي، وشعور عميق معاد للغرب، وبالحلم بعصر ذهبي افتراضي ومنقض. و تغلب هذه المواقع الرؤى الانطوائية و النرجسية لمفهوم الهوية فهي تضع المرأة المسلمة في تناحر مع المرأة الغير مسلمة و تقدم الخصوصي في تناقض مع الكوني و المحلي في تناقض مع الأجنبي .
يتّم تقديم المرأة أساسًا في صورة الأمّ والزوجة، ويتمثّل دورها في واجب تربية الأطفال عبر أسلوب إسلامي مستقيم.
تضع المواقع الإسلامية ذاتها ضمن رؤية متعالية عن الحدود الجغرافية و عن الهويات القومية ، وتعلن انتماءها إلى الأمّة الإسلامية الجامعة. و لتجاوز حاجز اللغة و إدراكًا منها لضعف المعرفة باللغة العربية من قبل نساء المهجر و بناته من الجيل الثاني و الثالث ، لا تتردّد المواقع الإسلامية عن تقديم نسخ فرنسيّة وألمانيّة وانجليزية واسبانيّة.

تتميّز الدعوة الإسلامية أيضًا بتجاذبها بين حدّين، مستغلّة ثنائية فُصامية، الضحيّةالغالب، حيث المسلمات هنّ ضحايا الإهانة والإبادة الغربيّتين والأنظمة الكافرة، وفي الوقت ذاته، هنّ بطلات يقاومن الموضة و سلطة البضاعة وأساليب اغتراب المجتمع الاستهلاكي الغربي، موقعين خسائر جسيمة بين هؤلاء الغربيين من خلال مقاطعة السلع و المنتجات الأمريكيّة مثلا أو تشجيع العمليات الانتحاريّة.
يمكننا ذكر عديد المنتديات، التي تقوم النساء المبحرات من خلالها بتقديم تجاربهنّ المهينة ويصفن التعديات على الحقوق التي كنّ ضحاياها، بسبب ارتداء الحجاب مثلا ويشرن بالاسم إلى أنظمة تمارس هذه الملاحقة المستمرّة.
المواقع النسائيّة توافق تمامًا الصورة النموذجيّة للأصوليّة الجديدة، وأساسًا من خلال:
ـ المقاربة الحرفية للنصّ،
ـ التشديد على الأخلاق و محاولة معالجة جميع تناقضات بالخطابات الأخلاقية،
ـ رفض النسبويّة وتاريخيّة الإسلام،
ـ تدليس الذاكرة الجمعيّة الإسلاميّة و تزوير التاريخ الإسلامي و تصفيته لتبرير الحاضر.
من ناحية أخرى، تقدّم هذه المواقع صورة شيطانيّة عن الأخر، حيث يتمّ تقديم الغرب في صورة وحدة متجانسة، لا تكفّ عن تدبير المؤامرات ضدّ الإسلام والمسلمين. معظم هذه المواقع النسائية تقدم الجهاد كفرض عين، بسبب احتلال الغرب لفلسطين والعراق.
ضمن هذا الخطاب الملغوم يرمز الأنا دائما إلى الصفاء و الطهارة بينما يجسد الآخر الشرير المتآمر على الأمة على مر العصور وهو ما يفتح هوة سحيقة بين الأنا النقية و الآخر المشيطن . من الملفت إلى الانتباه هو أن الآخر في هذه المواقع ليس دائمًا الغرب، فهو أيضًا المسلم الشيعي، أو العلماني أو الليبرالي أو غيره ....
و قد نبه التقرير الذي أصدره مكتب التنسيق الوطني لمكافحة الإرهاب الهولندي إلى خطر التطرف لدى الفتيات المسلمات لأنهن لديهن غالبا مساحة أضيق من حرية الحركة و الاختلاط مما يجعل الانترانت تشكل رؤيتهن المحدودة للعالم .

تدفعنا ظاهرة الفتوى عبر الانترنت إلى التفكير في مصادر السلطة وشرعيّة الإسلام راهنًا. فقد برزت مصادر دينيّة جديدة من خلال الانترنت، مقدّمة أجوبة متجاوزة للحدود الجغرافيّة والعرقيّة على حساب الإسلام الرسمي أو الحكومي الذي فقد الكثير من مصداقيته.
هذا ما يمكنني قوله بخصوص المواقع الإسلاميّة النسائيّة عند هذا الحدّ من بحثي حول الموضوع.