الوأد اللغوي في الدستور العراقي (مقاربة جنوسية في الديباجة )



نهلة النداوي
2007 / 10 / 23

مركز عراقيات للدراسات اللغة الجنوسية صنفت اللغة العربية ومثلها اللغة الفرنسية والانكليزية الأسماء على أساس اتساقها في وحدتي المؤنث والمذكر , سواء في الإنسان أو الحيوان , وتعاملت العربية على هذا الأساس التصنيفي حتى مع الجمادات التي لاصلة لها بالجنس الحقيقي على وجه الإطلاق كالحجر والجبل (والمعاني) كالعدل والكلام فوزعتها على سبيل المذكر والمؤنث المجازيين , فيما قامت لغات أخرى بتصنيف الاسماء الأخيرة التي لا مدلول حقيقي لتأنيثها أو تذكيرها ضمن قسم ثالث الذي سمي في بعض اللغات الأوربية بالمحايدة كما في اللغة الألمانية . على أن تقسيم الاسماء على أساس الفرق البيولوجي بين نوع الجنس البشري ليس بالبنية الكونية القارة في جميع اللغات , إذ أن بعضها اعتمد تقسيمها على أسس اتساق أخرى مختلفة كأن تقسمها بين أحياء و جمادات أو عاقل وغير عاقل أو بحسب وحدات الظروف والأحوال والأعداد وغيرها1. إن الجنوسة اللغوية النحوية التي اقتضت تقسيم الاسماء بين مذكر ومؤنث على أساس الفروق البيولوجية لم تكن في بادئ الأمر تحمل أية بنية ضدية ولكن في لحظة تاريخية ما – ليس هنا مجال الخوض في تفصيلاتها – خضع ذلك التجنس إلى أيديولوجية أملت قيما هرمية منح الرجل فيها القمة فيما تدنت مكانة المرأة في ذلك الهرم ثم عملت بنى ثقافية واجتماعية لا علاقة لها بالتكوين الجنسي بمرور الأزمان على حماية ذلك الفرق الأيديولوجي معززة بذلك التمييز الجنوسي وصارت الجنوسية : " نظام مؤسساتي للطبقة الاجتماعية , واحتكار للسلطة يحول دون مساواة الطرفين ثم تفرض هذه السلطة هرمية قيمية على الجنس البيولوجي لتتسم السلطة نفسها بسمة الجنس البيولوجي "2. أن خطورة تلك الأيدلوجية تكمن في سعيها إلى تجيير الاختلافات الاجتماعية والسياسية وجعلها تبدو فوارق طبيعية بيولوجية فتقلب المعادلة لتبرر التمايز في الأدوار الاجتماعية وعلاقات الهيمنة والخضوع . ولان اللغة أحدى البنى الثقافية والاجتماعية تسرب إليها ذلك التحيز اعتمادا على جدلية العلاقة بين اللغة والفكر ومساهمة كل منها في تشكيل الآخر . * تعد أكثر اللغات التي اعتمدت النوع أساسا في تصنيفها لغات جنوسية , واللغة الجنوسية كما يعرفها المعجم هي " التصوير اللفظي لهيمنة الذكورية في البنيان اللغوي والاستعمال اللغوي أيضاً . فاللغة الجنوسية واحدة من أهم وأقوى الأدوات التي يتم بها ارتكاب التفسير الذكوري للعالم بما يتضمن أن النساء أقل , وأنهن سلبيات مستقبلات وأنهن بالتعريف خاضعات للرجل وتابعات له "3. ويمكن القول ببساطة ان اللغة الجنوسية تشمل كل تمظهر للغة على مستوى البنية او الاستعمال , من شأنه أن يصرح أو يوحي بموقف متحيز لصالح نوع (جنس) ضد غيره , قصدياًً كان هذا التمظهر ام اعتباطياً . ولا بد من التاكيد هنا اننا كثيراً ما نمارس التمييز اللغوي من غير قصد بين فكر يرفض التمييز ولغة تعززه والمهم هنا ان ذلك الاستعمال غير القصدي يقع بالضرورة في خانة الجنوسية ولن يغير شيئاً القول إننا لم نكن نقصد ذلك4. * اللغة العربية والجنوسة : تحمل اللغة العربية في بنيتها - تشاركها لغات أخرى – أيدلوجيا تمييزية تتضح بعض تجلياتها مثلاً اعتماد قاعدة (المذكر هو الأصل) في أكثر من مبحث أو أكثر من حكم من الأحكام اللغوية , وعلى سبيل المثال لا الحصر إذا اجتمع المؤنث والمذكر يتم تغليب الأخير بالقول (أكدا) , وأكثر من ذلك معاملة الجمع اللغوي لالف امرأة بينهن رجل واحد بالقول (اكدوا) ولا يجوز القول (اكدن) , وفي حال استخدام الالفاظ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث فان كل ضمير ياتي بعدها او نعت أو صفة يكون عائد للمذكر مثل (الانسان يؤكد حرصه) , ولم نقل يوماً (تؤكد حرصها) , وغير ذلك كثير في البنية اللغوية في مباحث مختلفة اذ تصنف المرأة مع الاعجمي في خانة الممنوع من الصرف , وتصنف في خانة واحدة مع مالا يعقل في جمع المؤنث السالم , كما لايحق لها ن تحصل على علامتها (المميزة) (تاء التأنيث) في الالفاظ مثل (نائب, وزير, رئيس, أمين عام... الخ) حتى لو شغلت مقاعد تلك الوظائف . الاستعمال اللغوي والجماعات التاريخية: إذا كان هذا وضع اللغة على مستوى البنيان بعد ان رسخه فكر ذكوري اسقط الجبرية البيولوجية اسقاطاً ثقافياً ثم دافع عنه وحرسه تاريخ ذكوري أيضاً على المستويات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية منفصلة ومتداخلة , اذا كان هذا وضع اللغة على مستوى البنيات فان للاستعمال اللغوي شأناً أخر لتعلقه بوعي الجماعات التاريخية , فبعض تلك الجماعات " لا تكتفي بأن تكون حاملاً سلبياً لوعي اللغة ولأيديولوجيتها "5 وقد حدث في تاريخ اللغة العربية وعي جديد تمثل في لغة القرآن التي تصدت لتلك الايدولوجيا فقد حرم القرآن الكريم من بين ما حرص عليه ثورته الاجتماعية وسعيه للتخفيف من حدة التمييز الاجتماعي الذي تعانيه المرأة الذي وصل حد الوأد عند بعض الجماعات , حرص على أن تكون تلك الثورة مصحوبة بتأسيس خطاب لغوي غير مسبوق يعمد فيه إلى مخاطبة النساء بشكل مباشر أو التحدث عنهن بشكل مستقل دون الحاجة إلى مخاطبتهن أو الحديث عنهن عبر خطاب الرجال – عبر جمع المذكر السالم مثلاً- وكان هذا الوعي اللغوي القرآني بأيدلوجية اللغة وخطورة هيمنتها يؤسس لوعي غير مسبوق تظهر فيه المرأة في اللغة لينعكس على وجودها في الحياة بدلاً من الوأد في المكانيين , وهكذا خاطب القران الذكور والاناث بشكل مباشر , قال تعالى :" يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل " الحجرات 13 , وقال تعالى :" اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى " النساء 1246 وجرى الحديث في القران الكريم عن ذوات مستقلة من الرجال ومن النساء سواء كانت ذوات فاعلة او كانت موضوعاً قال تعالى :" للرجال نصيب مما أكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن " النساء :30 , وقال تعالى :" الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان " النساء : 987. وجاء الحديث عن النساء في القران الكريم بشكل مستقل عن صفات الرجل فجرى الحديث عن المهاجرات8 والمسلمات9 والمؤمنات10والصابرات11والصادقات12 وغيرهن, مع الحديث عن الصادقين والمسلمين والمؤمنين والصابرين والصادقين ... الخ . وكذلك جرى الحديث عن الجانب السلبي في المرأة بشكل مستقل فجاءت الآيات التي تحدث عن المنافقات13والمشركات14والزانية15والسارقة16 الى جنب الحديث عن المنافقين والمشركين والزاني والسارق . وإحصاء الأمثلة في القرآن الكريم يحتاج إلى دراسة مستقلة, ذكرت هنا من باب الإشارة لا الاستقصاء. إن الوعي الجديد الذي قدمه القران في الاستعمال اللغوي تفوق في تلك اللحظة التاريخية على وعي اللغة وبنيتها وتفوق على وعي الناطقين بها , تلك الإرهاصات لم تمتد على مستوى الاستخدام اللغوي في الخطاب المعاصر ولم يفلح أهل العربية بتجاوز اللغة الذكورية أصلا والمتحيزة , ولا التفتوا إلى خطورة هيمنة أيديولوجيتها على الواقع والحياة , بل يمكن القول ان ما حصل هو العكس حين قام تاريخ ذكوري طويل وممتد على المستويات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية – منفصلة ومتداخلة – قام بحراسة الانجازات الذكورية في الوقت الذي نجحت فيه مجتمعات معاصرة بتجاوز ايدولوجيا اللغة , فالانكليزية مثلاً التي تستخدم ((man للإشارة إلى الرجال والنساء عموماً , تجاوزته بوعي مغاير يدعو إلى اقتراح وضع مفردات جديدة ليس فيها هذا الانحياز مثل "chair person" أو اقتراح تناوب "chairman" و "chair women"17 وعلى صعيد أخر , صعيد الجماعات السياسية – إذا جاز هذا التعبير- قامت الأمم المتحدة في إطار اهتمامها بمكافحة وتجنب بمكافحة وتجنب جميع أشكال التمييز ضد البشر على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين ومعاملة الأفراد والجماعات معاملة عادلة قامت بالتنبيه إلى تفادي اللغة الجنوسية ففي اتفاقية الأمم المتحدة المعروفة ( إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة , المعروفة بـ ( السيداو ) التي أعدت عام 1980 , عمدت اليونسكو – بوصفها منظمة دولية – إلى تبني قرار في فبراير 1988 يتصل بموضوع اللغة الجنوسية , كما تبنى المؤتمران العامان لليونسكو الخامس والعشرون والسادس والعشرون مواقف حازمة بهذا الصدد ( القرار109 للدورة 25 , القرار 101 للدورة 26) وحذر دليل متواضع لليونسكو في عشر صفحات من استخدامات للغة قد تترجم على أنها تخفي تحيزاً ضد النساء ,أو تمييزاً للرجال عليهن , أو تقليلاً من شأنهن , حتى لو يكن المتحدث /ثة تقصد ذلك . وفي العراق أثمرت جهود الناشطات العراقيات عن الفوز بقرار صادر من رئيس الوزراء – الجعفري- في واقعة غير مسبوقة على صعيد القرارات السياسية باستعادة السيدات الوزيرات لتاء التأنيث كأن يقال وزيرة الدولة لشؤون المرأة بدل من وزير الدولة الدستور والجنوسة تعنى هذه المقالة بحقوق شريحة كبيرة من الشعب العراقي - الإناث - بعيدا عن التفاصيل القانونية - التي يهتم المختصون بها ويزمعون إجراء التعديلات عليها- وبدلا من ذلك تحصر اهتمامها في جانب ( فني ) محدد يتعلق بتحرير لغة الدستور, مع الاعتراف بان العناية بهذا الجانب له بلا شك مردودات ايجابية وكبيرة في المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بل والقانونية أيضا على أمل إن تأخذ الجهات المختصة بالمقترحات الواردة في المقالة لما فيها من اعتراف حضاري بكيان الأنثى شريكا للذكر في هذا البلد لما للدستور من اثر سياسي كبير في كل القوانين التي ستؤخذ بحق المرأة لاحقا فضلا عن الأثر المعنوي فاللغة في الدستور أكثر أهمية وخطورة من كونها مجرد أداة للتوصيل فهي تتحول إلى فضاء ثقافي وقانوني مما يستوجب الالتفات بعنايةالى إشكالية الأحكام المسبقة التي تحملها. ابتداءا يمكن التقرير باطمئنان إن لغة الدستور العراقي ( لغة جنوسية ) - بغض النظر عن قصد من حررها - فقد وجد فيها الخطاب وتم فيها الحديث عن الذكور في اغلبها الأعم, ولم تتم مخاطبة الإناث أو الحديث عنهن إلا عبر جبة الذكور وحين ظهرت المرأة على استحياء في استثناءات نادرة, فان تلك الاستثناءات لم تنج من تنميط لدورها وحصر لمنا شطها. وهنا لاتخفى خطورة تلك التوظيفات اللغوية في إعادتها لإنتاج وتعزيز الصورة النمطية للمرأة... وأكثر من هذا وذاك خطرا فان فضاء لغة الدستور يقصي أحيانا بالمرأة خارج مجال المشاركة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية ربما.ومن اجل كل هذا من المشروع أن تنشا المخاوف والهواجس من أن يؤدي تغييب المرأة في ظلال الرجل في لغة الدستور الى تغييبها الفعلي والقانوني, الخوف من أن ينتقل التحيز اللغوي بشكل آلي وتلقائي إلى تحيز عملي في الحياة والمجتمع ، تحيز للذكور ضد الإناث, وهناك خوف آخر من إمكانية قيام تحالف ذكوري مع توجهات ثقافية واجتماعية ذكورية ايضا فتنشا أيديولوجية ( تأويلية ) للغة خطيرة ومهيمنة. وهو تخوف له ما يبرره في غياب الاعتراف بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الانسان فضلا عن فجوات قانونية غير معروفة لحد الآن بالاضافة الى الغموض الذي يحتمل اكثر من تاويل في بعض الفقرات الدستورية وللخروج من الدوران في اطار كلام مجازي او عام او مضبب ستتناول بالتحليل لغة الدستور بالتركيز على الديباجة تحديدا ولهذا التحديد سببان ،الاول إن معالجة الجنوسة في الديباجة توضح الفكرة –وان كانت لاتستوفيها- لما تمثله ديباجة الدستورمن أهمية خاصة لأنها تعكس فلسفة الدستور وروحه والفكر المسيطر عليه في مواده كافة.، والثاني إن فضاء المقالة يضيق عن استيعاب استيفاء الدستور كله. الديباجة ينكشف أفق النص في ديباجة الدستور العراقي عن زمنين, ماضي، وحاضر. الماضي ينكشف بدوره عن زمن موغل في القدم ( تاريخ حضارة وادي الرافدين ) وآخر قريب ( تاريخ عهد النظام الدكتاتوري الى 2003 ), في الزمنين كليهما احتل الذكور المشهد ذواتا فاعلة, فهم في ( حضارة وادي الرافدين ) أبناؤها ومنهم الرسل والأنبياء والأئمة الأطهار وهم صناع الكتابة ورواد الزراعة ووضاع الترقيم والفلاسفة والعلماء والأدباء والشعراء. وفي ( الماضي القريب ) تستلهم الديباجة فجائع الشهداء وتصفية القيادات والرموز السياسية والشيوخ والكفاءات. هكذا في مشهد ممتد لآلاف السنين تغيب الإناث مقابل الحضور الطاغي للذكور ولا إشارة إلى بنات وادي الرافدين ولا لدورهن في تشييد حضارته فلا إشارة إلى رائدة زراعة ولا شاعرة ولا مناضلة, ولا شهيدة , ولا أستاذة , ولا عاملة , ولا إشارة حتى إلى صديقة أو طاهرة صلت على ارض العراق. ومثلما غيبت الديباجة الدور الحضاري للمرأة في الزمن الماضي فأنها في الحاضر قامت بسلبها مسؤوليتها الاجتماعية في البناء فلم يظهر في المشهد إلا الذكور ( القيادات الدينية, المراجع , الزعماء, السياسيون, الشباب, الأصدقاء, المحبون, صانعو العراق الجديد ) وقد اختصرت الديباجة فاعلية للإناث في الزحف لصناديق الاقتراع ( زحفنا رجالاً ونساء ) لانتخاب الذكور ربما !!! وإذا التفتنا إلى الديباجة بتحليل كمي فقد ورد ذكر الإناث بشكل مستقل وصريح ثلاث مرات في الدستور مقابل أكثر من خمسين مرة للذكور, ولكن هذه المرات الثلاث لا تنجو من الجنوسة, فجاءت العبارات كما يلي: 1- زحفنا رجالاً ونساء. 2- عقدنا العزم برجالنا ونساءنا. 3- الاهتمام بالمرأة وحقوقها. فعلى الرغم من ظهور الأنثى ( ذاتاً فاعلة ) في العبارة الأولى والثانية الا ان مقتضى الانصاف يدعو الى الالتفات بالموازنة بالأسبقية النحوية بتقديم الرجال في الذكر مرة وتقديم النساء في المرة الأخرى, وان لاتكون المرأة تحتل المرتبة الثانية في الذكر دائماً لان ذلك الترتيب سيكتسب حكما قيميا . أما العبارة الثانية فقد جاء فيها المرأة موضوعاً لا ذاتاً فاعلة وهنا يظهر دور اللغة الجنوسية التي لاتستدعي الأنثى بشكل مستقل إلا عند التخصيص ( المرأة وحقوقها ) لاسيما وان الاشارة اليها اشفعت بالاشارة الى الشيخ وهمومه والطفل وشؤونه, ولا يخفى ما تحمله تلك الاشارات من صورة نمطية للمرأة تضعها في خانة واحدة مع من يعجز عن رعاية حقوقه ليقوم الآخرون ( من الذكور طبعاً ) عنها في رعاية تلك الحقوق. وردت في الديباجة أسماء مما يستوي فيها المذكر والمؤنث ( ابناء, شعب, طفل ) ويبدو الامر اول وهلة خال من التمييز ولكن سرعان ما يتبدد ذلك الحكم عندما تشفع تلك الاسماء بصفات او افعال او ضمائر مذكرة تحيل الى المذكر فقط ولا تترك مجالاً لتصور دخول انثى في النص فضلاً عن غياب أي دلالة سياقية تجعل تلك الكلمات تحيل الى صور ذهنية تحتلها الاناث. تبدأ ديباجة الدستور بالقول : ( نحن ابناء وادي الرفدين ) تعويلا على ان ( أبناء ) مما يستوي فيه المذكر والمؤنث, ولكن غياب الدلالة السياقية الى نهاية الفقرة فضلا عن صيغ المبالغة ( صناع, رواد, وضاع )التي جاءت بدل جزء من كل لكلمة ابناء والتي جاءت كلها مذكرة على اساس قاعدة التغليب النحوية, لم يدعا مجالاً لمشاركة الاناث للذكور ولو كانت العبارة الاولى في الدستور ابتدأت بالقول ( نحن أبناء وبنات وادي الرافدين ) أو بالقول ( نحن بنات وابناء وادي الرافدين ) لاختلفت الوضع بشكل كبير. ويمكن متابعة الافعال و الضمائر التي جاءت بعد كلمة ( شعب ) : ( نحن شعب العراق الذي الى على نفسه , ان يقرر, بحريته ) وكذلك الضمير العائد بعد ( الطفل ) : ( الطفل وشؤونه ) وهذه المتابعة كفيلة بأن توضح ان الضمائر والافعال تقصر الاسماء التي يستوي في المؤنث والمذكر على الذكور حصراً. واخيراً فان احصاءا يحدد المفردات التي وردت في الديباجة ( اسماء, صفات, افعال, ضمائر) كفيل بكشف اللغة الجنوسية التي أنجزت بها الديباجة- فضلا عن الدستور باكمله -,فمن اصل (316) لفظ تالفت منه الديباجة بين اسم وفعل وحرف كان حوالي (85) لفظ يتحدث عن الذكور بين اسم وفعل وصفة وضمير عائد متصل بفعل فيما كانت حصة الاناث (4) مفردات فقط كلها اسماء. واذ يوضح كل ماتقدم مظاهر تجلي الجنوسية على المستوى النوعي والكمي واللغوي يمكن القول باختصار إن ظهور النساء بهوية لغوية مستقلة في الدستور سيكون مؤشرا حضاريا لصالح الدستور تتمنى السيدات إن يكون بعض صناع القرار على استعداد للسماح باصدارتلك الهوية. الهوامش 1- ينظر : تحقيق رمضان عبد التواب لكتاب: المذكر والمؤنث لاحمد بن فارس ،مكتبة الخانجي،القاهرة‘1969‘ط 1،ص29-30 .واسرار اللغة :ابراهيم انيس ،مكتبة الانجلو المصرية،2003 ،ط8،ص134 ومابعدها. 2-دليل الناقد الادبي:ميجان الرويلي وسعد البازعي ،المركز الثقافي العربي،المغرب,2002,ط3،ص152. 3-نقلا عن اللغة الغائبة:زليخة ابو ريشة،مركز دراسات المراة،عمان،1996،ط1،ص23. 4-اللغة الجنوسية في الخطاب الاعلامي (مقال):نهلة النداوي‘مجلة تواصل،2006‘ع2،ص11. 5-دوائر الخوف :نصر حامد ابو زيد،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت،1996,ط1،ص31 6-تنظر ايضا في ذكر لفظ (الانثى)الايات الكريمة:النحل:97،غافر:40،النجم:45،القيامة: 39،الليل3،الشورى:50. 7-تنظر ايضا في ذكر لفظ(النساء)الايات الكريمة:النساء:75،.176 8-الممتحنة:10. 9-الاحزاب:35. 10-الاحزاب:35. 11-الاحزاب:35 12-الاحزاب:35 13-التوبة:68،67،الاحزاب: 73،الفتح:6. 14- الاحزاب: 73،الفتح:6. 15-النور:3،2. 16-المائدة:38. 17-ينظر :النسوية ومابعد النسوية:سارة كامبل،ترجمة:احمد الشامي،المجلس الاعلى للثقافة،القاهرة،ص387.