إلى متى الصمت عن مآسي النساء في البصرة؟



شاكر الناصري
2007 / 10 / 22

الأنباء الواردة من البصرة وتتناقلها وسائل الإعلام تؤكد أن ثمة مأساة حقيقية ومرعبة تتعرض لها النساء في هذه المدينة . 15 امراة قتلن خلال شهر واحد بذريعة التجاوز على القيم الإسلامية( عدم ارتداء اللباس الشرعي ، استخدام مواد التجميل) أو خرق التقاليد الاجتماعية، كما تقول المليشيات الإرهابية التي تقوم بتنفيذ هذه الجرائم. جرائم القتل والاعتداء على النساء تصاعدت منذ بدء العام الدراسي الحالي مما دفع بسكان المدينة لمنع النساء من الخروج من المنازل خوفا على حياتهن. إن أوضاعا خطيرة ومأساوية كهذه لابد وان تتصاعد وتتزايد في ظل غياب سلطة القانون وانهيار مؤسسات الدولة كنتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي الذي أنتج نظام المحاصصات السائد أو بفعل النفوذ المدمر للمليشيات الإرهابية التي تجد أن ضعف الدولة سيكون عامل قوتها وقوة ممارساتها الإجرامية. إن ما يحدث في البصرة هو نموذج صارخ للصراعات السافرة بين المليشيات المسلحة التي تنتمي كل واحدة منها لحزب إسلامي ما وتشكل جناحه العسكري . كل واحدة من هذه المليشيات تفرض نفوذها على منطقة أو مناطق محددة من المدينة وتطبق على سكانها قوانينها وتشريعاتها، وهي في نفس الوقت تتقاسم فيما بينها السيطرة على الدوائر الأساسية في المدينة. فمجلس المحافظة يتزعمه حزب الفضيلة،و الشرطة لفيلق بدر والمجلس الأعلى فيما تستبيح عصابات جيش المهدي المدينة كاملة وتثير أجواء من الرعب والإرهاب. وفي ظل هذه القوى والأحزاب فأن ثمة تنظيمات صغيرة هي تفرعات عن القوى الإسلامية الأساسية ومدعومة من قبلها ،تمتهن العنف والقتل الذي أصبح صفة ملازمة لها....
كثأر الله( مِن مَن إإإ؟)
وثأر الحسين (مِن مَن وحتى متى إإإ؟)
والغضب الإلهي (على مَن إإإ؟إإإ)...الخ
إن تركيز المليشيات الإجرامية على النساء يوصل رسائل مختلفة لمن يسكن في هذه المدينة التي عرف عنها تعددية الأديان والمذاهب منذ مئات السنين، وعرف عنها الرقي والانفتاح الاجتماعي والثقافي والتطور الحضاري، فهي مدينة للأدب والفن والثقافة منذ عهود سحيقة، ومنها برز أبدع واهم شعراء العراق المعاصر وكتابه، وأن تلمس مظاهر المدنية في هذه المدينة لم يكن بحاجة لعناء كبير، ولعل الرسالة الأبرز أن المدينة خاضعة لسلطة التيارات الإسلامية( المدعومة من إيران وتسعى لاستنساخ التجربة الإيرانية، لكن بشكل أكثر مأساوية وتوحشا) التي لا يمكنها أن تكون إسلامية خالصة دون تطبيق قوانين الشريعة وفرض ممارساتها وأعرافها و رموزها وعلاماتها المميزة ولعل الحجاب أولها ثم تعدى ذلك للنقاب والقناع والكفوف السوداء. فقد وجدت هذه التيارات أن الجمهورية الإرهابية في إيران قد فشلت رغم كل البؤس الذي تتعرض له النساء هناك في فرض نموذج للملابس الإسلامية. الزيّ الإسلامي الذي تفرضه الجمهورية الإسلامية فيه عيوب كثيرة حسب تشريعات جند المرجعيات المختلفة.
إن قمع النساء لدرجة الإرهاب والقتل سيكون الخطوة الأولى نحو فرض الرجعية والجهل والتخلف الاجتماعي والثقافي على المجتمع قاطبة فقمع أكثر من نصف المجتمع لابد وان تكون له دلالات وآثار خطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. حرمان المرأة من العمل والدراسة سيجعلها حبيسة البيت وبالتالي سيفرض تراجعا على أي دور يمكن أن تمارسه في محيطها ومجتمعها وان هذا ما تسعى لتحقيقه المليشيات والأحزاب الإسلامية. الخوف والرعب الذي تعيشه نساء البصرة هو خوف يتصاعد منذ أن استولت الأحزاب الإسلامية على المدينة وأخضعتها لسلطتها ومنذ أن بدأت هذه الأحزاب ومليشياتها المسلحة في شن حرب قذرة ضد سكان المدينة من المسيحيين وإرغامهم على تغيير ديانتهم أو الرحيل من المدينة إلى المجهول. جرائم المليشيات المسلحة كانت واضحة ضد أصحاب محلات بيع الأشرطة الموسيقية أو محلات بيع المشروبات الروحية أو ضد أصحاب متاجر الملابس النسائية. ضد الفنانين والعازفين الموسيقيين. لكنهم في نفس الوقت كانوا يعملون على تشجيع ممارسة الشعائر الدينية بأكثر أشكالها قسوة ودموية. يعملون على حشد الملايين في كل مناسبة دينية.
ما يحدث في البصرة من خراب ودمار ومن قتل وإرهاب هو نموذج لما يحدث في العراق الآن. كل شيء مستباح، كرامة الإنسان وحرياته، القيم الإنسانية والحضارية، حرب على المدنية وكل ما يمكنه أن يحدث نقلة لصالح مجتمع لا يراد له أن يتخلص من سلطة القمع والدكتاتورية.

إن الجرائم البشعة التي ترتكب بحق النساء في البصرة تعيد إلى الأذهان ما ارتكبته عصابات طالبان الإرهابية في أفغانستان ضد النساء وكذلك فأن الجهات التي تنفذها تنطلق من شريعة واحدة وان اختلفوا في من سيكون منهم أكثر توحشا في ممارسة المزيد من القمع وفرض العزلة على النساء.
هل يمكن أن نمارس مزيدا من الصمت إزاء الجرائم البشعة التي ترتكب ضد النساء في البصرة وكل مدن العراق المختلفة؟ هل ثمة مزيد من الصمت إزاء الانتهاكات المتواصلة لكرامة وحريات وحقوق الإنسان في العراق؟ . القوى التي تدعي اليسارية والتقدم و الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكذلك المنظمات النسوية التي تركت هذه المدينة بيد المليشيات الإجرامية عليها أن تأخذ على عاتقها مهمة التصدي لجرائم المليشيات التي تتفاخر بما ترتكبه من جرائم دون رادع ومن المؤكد أن غياب القوى التحررية المدافعة عن آمال وتطلعات العراقيين سيدفع بقوى أخرى لان تمارس هذا الدور وان كانت قوى عشائرية