قليلا من الكلام في حرية المرأة



حافظ سيف فاضل
2003 / 11 / 6

اعتقد انه من غير الممكن ان نتحدث عن مسألة"الحجاب" والتي تدور رحاها في اوروبا وخاصة فرنسا وندع قضايا كثيرة في الموروثات والعادات الاجتماعية التي تنتقص من حقوق المرأة, كمن يقفز من فوق الحواجز او يتعدى المراحل. فالحجاب يقع في منظومة مكتملة حلقاتها في القمع والاستخفاف باستحقاقات المرأة "الانسان" الاجتماعية والقانونية والسياسية, ولايشكل الحجاب فيها الا حلقة في سلسلة مرتبة, فلنناقش قضايا تلك السلسلة حلقة تلو الحلقة. الرق والجواري والسبايا في المجتمعات الاولى العربية كانت مقننة وموجودة وبقوة. فـ"الفحل الذكر" له الحق ان يتزوج اربع من باب التعدد وله من ملكات اليمين غير محدود العدد كما له حق معاشرتهن وامتلاكهن, لم تعمد التشريعات المتوالية خلال مئات السنين الى استصدار حرمة او منع قطعي لعدم استعباد الانسان ولكن اكتفت بفتح منفذ للعتق(!), وهذا لايكفي في عالم يحترم حقوق الانسان ويرفع من مكانته. واضافة الى هيجان "الفحولية الذكورية" فأن الفارس المقدام حال الغزوات والحروب يقدم على استرقاق او سبي زوجات وبنات المحاربين الخصوم ولكل سابي الحق في التصرف بسبيته كالجارية وله الحق في معاشرتها. وهنا مقامين الاول, هو شرعنة الرق (بالرغم من وجوده منذ القدم) دون قطع دابره, والثاني, "كمشة" ملكات اليمين للذكر الواحد فوق زيجاته الاربع, وهو ماينتقص من كرامة المرأة عموما والزوجة خصوصا. وسنغض الطرف عن مسألة "شرعنة" الزواج بصيغ مختلفة مثل "زواج المتعة" وتعددت المسميات من "عرفي" الى "مسيار" الى غيرها من المسميات التي تختلف باختلاف بعض المذاهب. وكل ذلك يقلل من قيمة وشأن المرأة. نأتي الى مرحلة (الميراث) و(المحرم) و(القوامة) و(الوصاية) و(شهادة) المرأة في المحاكم (امرأتان في مقابل رجل او اربع نساء في حالة انعدام رجل) والعجيب في التكوين النفسي والعاطفي والسلوك والذكاء عند المرأة لم يترك تحديد مستوياتها لاخصائيين نفسيين مؤهليين يحددوااهليتها وقدرتها النفسية والعاطفية, ولكن الموضوع برمته دُرج وحدد بناء على رؤى "فقهاء دين" وعمم على جميع نساء الارض وبالتساوي وكأن عقلية وعاطفة ونفسية القاضية مثل القروية وقائدة الطائرة مثل ربة المنزل وغازية الفضاء مثل حايكة الصوف و"انديرا غاندي" مثل "خديجة او رقية " و"هيلاري كلينتون" مثل "فاطمة او سعدية"(!). عليه معادلة شهادة امرأتين مقابل رجل جاءت وفق تلك التصورات الفقهوية المنتقصة لقيمة ومكانة المرأة النابع من عدم الثقة في الجنس الانثوي(!). ودوما للرجال عليهن درجة وكل ماسبق من تلك المفاهيم نعرفها فالمرأة لابد وان يكون لها "وصي" في كل شئ والحديث هنا عن حالتها كراشدة, وماقبل الرشد الجنسين على حد سواء بحاجة الى وصي. فالوصاية تتجلى في زواجها(الا في حالة محدودة)اوفي معاملاتهاالمالية, وهذا يبين مدى عدم الثقة في امكانية قدرة واستقلالية المرأة والتي على اساسها طعمت القوانين. (القوامة) اساسها الانفاق, فالرجل قوام على زوجته لانه ينفق عليها, ولكن اذا انفقت المرأة وتحملت عناء المنزل والعائلة في أن واحد, لايغير كثيرا من سيادة الرجل. فيقطع بذلك علي المرأة محاولة التحرر من مفهوم القوامة. ويصعب كثيرا استيعاب وطرح مفهوم "الشراكة الزوجية" كبديل حضاري راقي يغني عن مفهوم "القوامة" والذي اسئ استغلالة اشد اساءة من قبل الرجل وحكم القضاء. الطلاق يلفظه الرجل من فاه في كلمة او ثلاث او قد يرسل ورقة طلاق زوجته عبر البريد او من خلال هاتف خلوي (اس ام اس) مثل بعض الدول الاسيوية ولايشترط حتى تواجد الزوجة في حال وقوع الطلاق(!) وممكن تسمع من شاهد او شاهدان ان طلاقها قد وقع (فهل في هذا تكريم للمرأة!!؟). بينماهي ان لجأت الى الطلاق فلايتم الا في حالة ضيقة جدا وهي باب "الخلع" وتتكبد اعادة كل ما دفعه بشانها من مهر وهدايا او غيره ولو مر على زواجهما سنين عددا وربت له اجيال من الابناء, ومن خلال رفع دعوى قضائية وقاضي محكمة(!).                                                     
اما قضية(المحرم) فقد صورها مسلسل "طاش ماطاش" الذي يعرض حاليا في رمضان في حلقة من الكوميديا الساخرة حول موضوع المحرم ومدى الظلم الاجتماعي والخنقة التي يعاني منها المجتمع بشبابه وافراده وبالاخص نسائه في تعاملهن مع الدوائر الحكومية والخاصة وكذلك السفر. فلنتخيل اٍمرأة مثل "بنازير بوتو" او " مارغريت ثاتشر" (اذا اسلمت) او "امة العليم السوسوة" (سفيرة ووزيرة حقوق الانسان في الجمهورية اليمنية حاليا) يكون محرمها طفلها في تنقلها وسفرها او رجل ادنى منها مرتبة وتعليم وحضوة في المجتمع(!؟) فالذي رسم سابقا خط وضع المرأة كان له في زمن غابر واقع, غير امن انطلقت منه المخاوف وصاغت تقنيناته هواجس المرحلة, ولكن لم يضع تقديرا للافراد على حده واختلاف مكوناتها الشخصية من كائن انثوي الى اخر او لم يكن بحاجة لذلك لعدم بروز الشخصيات النسائية العامة او الهامة لبساطة ومحدودية العيش في الماضي, واستفحال النظرة الدونية للمرأة كميراث انساني مزمن, واكتفى على اساس مبسط تمايزي في الجنس (رجل/اٍمرأة).                                                         
ونأتي (للميراث) الذي صم الكثيرين عنه اذانهم لما له من تفسيرات فلسفية في التعامل مع المرأة متى ترث.. وكيف ترث.. ولكن تم اٍغفال حالة التطور الذي تمر فيه المرأة مثلها مثل الرجل يتطور في البنيان والتكوين والمفاهيم والعقلية والثقافة حسب مرور الزمن فعندما كانت المرأة لاتُعني الا بالامور المنزلية والاسرية كان كل رجل قريب لها حسب الترتيب العائلي يعتبر مسؤلا ووصي عليها ومنفقا, كان الميراث وتقسيماته المعروفه مخرجا وحلا لمرأة من هذا النوع وقد لاتزال تعيشه المرأة في اطار توارثي من الامية وعدم الاستقلالية المادية المزمنة. ولكن ماذا يحدث لو خرجت المرأة او قطاع عريض منهن للتعليم والعمل وتبؤات بعضهن المناصب العليا فهل لايزال مفهوم الميراث المتعارف عليه يخدم قضية المرأة(!؟). ونعود الى مسالة التعميمات وجعل المرأة شخصا واحدا في كل ظروفها مهما كان هناك من نساء لاينجبن او لم يتزوجن او يعملن بكد او ينفقن او لهن اوضاع خاصة تبقى قسمة الميراث لم تتغير ولم تؤخذ مثل هذه الظروف على حده وبعين الاعتبار وفقط أخذت كونهن اناث يعاملن بمقياس واحد وهو التمييز على اساس الجنس (ذكر/انثى), (ابيض/اسود). تنعدم فيها الالوان الاخرى.                                 
على العاملات في حقل حقوق الانسان ان يناضلن من اجل ابراز مطالبهن وانتزاع حقوقهن وتغيير كثير من قوانين الاحوال المدنية والشخصية القانونية التي تنتقص وتهضم حقوقهن في كل تقريبا الدول العربية(عدا تونس وكبداية ايجابية المغرب ولبنان) وخاصة المناشدة لعاملات هذا الحقل النبيل في اليمن كون الانفتاح السياسي والحزبي والديمقراطيةالوليدة, تكفل لهن حرية النضال والحركة كبداية لمجتمع مدني, وانشاء جمعيات نسائية مستقلة غير حكومية -كماهو الحال في الوقت الحاضر- ويطلب منهن التركيز على تعزيز اواصر التعاون التنظيمي المنسق على مستوى البلدان العربية والدولية. طبعا لن نتمكن من طرح كل سلسلة المرأة المقموعة هنا وفي مقالة, ولكن ذلك كان ملخص مختصر وكل ماسبق ذكره جزء من سلسلة دائرية يتوجب كسر حلقاتها واعادة صياغة العقليات والمفاهيم تبتدئ منذ النشئة والتربية الاولى للطفل وعدم التمييز بين الذكر والانثى في العلاقة بين الاخ واخته في الاسرة الواحدة.