ما جدوى النسوية البرجوازية واليسارية التقليدية؟



حميد كشكولي
2007 / 11 / 6

صرحت ْ مرة إحدى داعيات حقوق المرأة ممثلة لجمعية نسائية في مقابلة معها بأن نشاطها، ودعواتها النسوية لا يشمل نساء طائفتها ، ولا تقصدهن في دعواتها بالمطالبة بحقوق المساواة لأن ذلك يتنافى مع تقاليد القوم و تراثهم و ديانتهم . و الداعية صاحبة إتحاد نسائي تبرر وجود جمعيتها بأنها تدافع عن النساء خارج الغيتو الطائفي المعزول وبما لا تتعارض مع تعاليم ديانة قومها - المقدسة أقصى ما يمكن من التقديس- . إن أفكار تلك الداعية النسوية تصح! أيضا على كل الاتحادات و الجمعيات النسائية البرجوازية والتي يقع في دائرتها اليسار البرجوازي الوطني أيضا، وخاصة في فترة أصبحت القيم الرجعية و العشائرية المغتصبة للنساء هي السائدة في المجتمع العراقي ، وأمسى القبول بها شرطا لترخيصها للعمل والتواجد والتحرك و كذلك لارتزاق تلك الجمعيات والاتحادات وعلى حساب أرواح نساء العراق و مآسيهن.
و كل جمعية من هذه الجمعيات تؤكد للملأ أنها تحترم تقاليد الشعب وتراثه ، وبدون فرز بين الغث والسمين ، وبين الإنساني ( إن وجد) وغير الإنساني ، وبين الرجعي و التقدمي في هذه التقاليد و هذا التراث .

لقد كان الأفول التام للحركة النسوية البرجوازية إحدى أبرز العواقب لتراجع الحركة الوطنية العراقية عن أفكار التقدم والحداثة والإنسانية ، و وقوعها أسيرة القومية العنصرية و الوطنية الشوفينية و الإرهابية الدينية.
و هذه هي لابد عاقبة للحركات الواهية المبنية على أسس بائسة ومنافقة ، و ادعاءات فارغة من المحتوى الذي من المفروض أن تحوزها، وهي بالتالي محكومة بالشيخوخة المبكرة و العجز و الهزل والهزال.

الحركة النسوية البرجوازية في العراق التي قامت متواقتة مع الصعود التقدمي للحركة الوطنية المعادية للإقطاع ، والمتطلعة لأفكار الحداثة والعصرنة ، لم تلبث غرقت مثل حُماتها من البرجوازيين واليسار البرجوازي القومي في دوامة النقاشات الرسمية السطحية من قبيل العزة القومية ، و احترام التقاليد و معاداة الإمبريالية و الأجانب ، و لم تستطع استثمار الفرص المواتية لها بعد انقلاب تموز 1958 لانتزاع الحقوق المتساوية السياسية للنساء مع الرجال .
ومن جهة أخرى أن هذه الحركة تقتصر على وسط محدود من نساء البلاد وتفتقر إلى وسائل الاتصال اللازمة لتحقيق أهدافها، في حالة الحركات المنافسة الأخرى توجه خطابها ليل نهار إلى النساء مستفيدة من وسائل الإعلام من الراديو والتلفزيون و الصحافة.
إن الحركة النسوية البرجوازية مثلها مثل اليسار القومي البرجوازي لا تستوعب أن حقوق الإنسان ، ومنها حقوق المرأة ، هي حقوق شاملة فوق وطنية و فوق قومية . وإنها لفكرة غربية، بل مؤامرة استعمارية عندها أن تكون للمرأة الشرقية والمسلمة ذات الحقوق التي تحق للمرأة الغربية في المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات.


وقد كانت النسوية البرجوازية تخطو خطواتها مزعزعة ، مدركة أن أرضيتها التي تتحرك عليها رخوة وليست راسخة حد المطلوب، و هذه الحركة النسوية لم تولد من رحم الديمقراطية البرجوازية ، أي في البلدان الرأسمالية المتروبول، لكنها قامت في بلدان الأطراف ذات الاقتصاد الهامش التابعة للمركز ، بلدان عبارة عن أسواق بدائية ، و بأيدي عاملة رخيصة و مصادر ثروة تطمع فيها القوى الإمبريالية العالمية الجشعة دوما.
لهذا و للحيلولة دون انهيار النظام الرأسمالي العالمي لا بد للإمبريالية من أن دعم حكومات التخلف و الطغيان والترويج للرأسمالية الوطنية، والثقافة الوطنية الانعزالية و الرجعية.
في كل شكل من الأنظمة التي تتابعت على حكم العراق ظلت هناك الحقيقة واحدة وهي أن الثقافة المقبولة و المروج لها هي تضليل الجماهير و التغطية على السرقة والسلب والنهب و خداع الطبقات المسحوقة في المجتمع، و صبغ البنى الفوقية لاقتصاد الاستغلال الرأسمالي بالقوانين و الثقافة الوطنية والأخلاقيات الدينية والمذهبية ولكن يبقى يكون جوهرها رجعيا بشدة، وعاديا للمرأة و الإنسان.

النسوية البرجوازية المتناسقة مع هذه الرجعية كان من أولياتها دائما رعاية الخطوط الحمراء لمصالح النظام الرأسمالي، و كانت نسبة نجاحها في تحقيق أي هدف لصالح المرأة تقاس بنسبة نجاح معالجة السرطان بأقراص مهدئة.
هذه النسوية البرجوازية وهي في حماية الرجال الباطرياركيين من طبقتها ، الداعمين للنسوية البرجوازية،
، بوعي أو بدون وعي، لا تقتنع بأن الخصائص السياسية والاقتصادية للمجتمع العراقي في ظل القوى البرجوازية الوطنية ، وقوى المحاصصة القومية والطائفية والمذهبية ، بعد الاحتلال وسقوط النظام البعثي لا تسمح بتحقيق أتفة المطالب الديمقراطية .

تنكر النسوية البرجوازية هذه الحقيقة المهمة أن وراء ستار الإنتاج و إعادة الإنتاج الرجعية تكمن مصالح الطبقات السائدة، و أنها لا تستهدف أساس الاستغلال والاضطهاد ، و لا اقتلاع جذور الرجعية والتخلف في كل تحركاتها ، مثلا في ظل الأوضاع الحالية تلعب الرجعية الدينية دورا أكبر في تحقيق الأهداف الإقتصادية والسياسية للرأسماليين، ولا تقوم النسوية البرجوازية سوى بالمطالبة بفرض تعديلات شكلية على الأحكام المعادية للمرأة وحقوقها بدلا من اجتثاث تلك الأحكام ، وتبقي على الأصول والأساس لاستغلال والاضطهاد وبالتالي تكون القوى الرجعية في مأمن من أي معارضتها الكاذبة ، وتتقوى يوما بعد يوم على حساب التمدن والتقدم و التحرر.


الأساس الأيديولوجي للقوى المتنفذة في العراق هو التعاليم المذهبية التي تستخدمها آلة لفرض الظلم الأبوي على المجتمع، و هذه التعاليم الدينية والمذهبية تقوم على أساس الثقافة العشائرية و لذا لا محالة أنها تعادي المرأة، وبل تحتقرها وتعتبرها دون الرجل في الحقوق والواجبات.

النسوية البرجوازية قوة هامشية ، مثل دعامتها من قوى اليسار التقليدي ولا تمثل نسبة كبيرة من النساء المضطهدات و المحرومات من الحريات و الحقوق المدنية . أما في الريف فالوضع أفظع و الفقر و الفوارق الطبقية واسعة.

النسوية الإصلاحية لا يمكن لها أن تحقق شيئا لصالح المرأة اللهم كسب شيء من الدعم المالي من أوساط غربية أو حاكمة في العراق للقيمات على اتحاداتها و جمعياتها ، وهي تعيش الهامشية و عليها المماشاة مع التقاليد البالية ، القبول بالتقاليد الرجعية واحترامها و عدم المس بالفوارق الطبقية المقدسة.
‏05‏/11‏/2007