نوستالجيا باب الحارة



مهند عبد الحميد
2007 / 11 / 12

لماذا حصد باب الحارة اكبر نسبة من المشاهدين وأوسع حالة من الجدل ؟ ظاهرة تحتاج الى التوقف والتفسير. بداية يجوز القول ان هذه الدراما الاجتماعية اختبرت المستوى الفكري الثقافي والحالة النفسية للمجتمعات العربية ونخبها على حد سواء.
فالمجتمع العربي الذي يعيش حالة من الخواء الروحي كان ينتظر من يضمد جراحه، من يحتضنه ويجلب له الأمان والطمأنينة، فظن انه وجد مفقوداته في منظومة قيم الحارة الدمشقية التي قدمها باب الحارة.
الشيء الذي لا خلاف عليه هو ان الناس يبحثون عن فسحة أمل واستراحة، عن تجاوز لواقع مرير يكرهونه. وعندما لا يجد الناس حلولا لمشاكلهم الواقعية في الحاضر، ويتوقفون عن محاولات التغيير، فانهم يحنون للماضي بحثا عن حلول فيه. انها حالة "النوستالجيا". وهنا كانت نقطة اللقاء مع باب الحارة التي قدمت الحل بالنكوص الى الماضي والتثبيت عليه.
ولكن اي ماضي؟ فثمة فرق جوهري بين الذهاب الى نقاط مضيئة في تجربة الماضي والاستقواء بها، وبين الذهاب الى نقاط مظلمة كانت عنوانا للتخلف، بين خضوع للماضي كما هو وبين نقد يميز الغث من السمين.
يمكن الادعاء أن باب الحارة استحضر تخلف الماضي الى حيزنا الراهن، أعاد انتاجه وتماهى معه بدون نقد. المسلسل يقدم سطوة المجتمع الذكوري، والطاعة العمياء في إطار تقسيم عمل بين من يقرر ومن ينفذ، هيمنة مطلقة للزعيم الذي بيده الحل والربط، وخضوع المرأة المهين الذي يحدث برضاها، فهي تُزوّج وتُطّلق وتعنّف وتُحبس، وليس لها غير استرضاء السلطة الذكورية وتلبية مطالبها. الحارة تتوحد بعيدا عن التمايز ونوازع الصراع بين مكوناتها، فالشر يأتي من الاغراب، والمقاومة هي اشبه بطقس منعزل، يعطي الاولوية لنجدة الاشقاء في فلسطين، وتفوز المقاومة على الانتدابين بضربة معلم.
المسلسل مَوَّه عناصر التخلف العتيقة، بالمقاومة و التضامن والتكافل الاجتماعي، وشجاعة معتز" فتى احلام الفتيات " والقباضايات الذين ينتظرون شارة التدخل، وبحكمه الزعيم المغدور، ورجولة ابوشهاب، وصبر أبو عصام، تلك المواصفات التي دغدغت المشاعر لكنها افتقدت لمضمون.
باب الحارة عزل الحارة عن المدينة العريقة، وعزل القبيلة عن المجتمع ، وفصل كل الاحداث عن السياق الاجتماعي الثقافي، وعن حداثة ذلك الزمان، كالتعليم والصحف والسيارة والمذياع وسكة الحديد، بمعزل عن دور رجال الفكر أمثال الكواكبي والزهاوي وخالد العظم، وصالون ثريا الحافظ النسائي الادبي ومسرح خيال الظل وكركوز وعيواظ.
ابتعد باب الحارة عن الحراك السياسي الاجتماعي الفكري القائم وأخذ بعناصر التخلف، إنها انتقائية مريبة.