مخاطر أمام إصلاح العملية التربوية والتعليمية



رشاد الشلاه
2007 / 11 / 12

تجلت خلال عقد التسعينات من القرن الماضي تبعات سياسات وممارسات النظام الدكتاتوري السابق في مجال التربية والتعليم ، فقد عانى هذا القطاع من الإهمال والتشويه المخطط، مما أدى الى التدني البين في مستوى العملية التعليمية والتربوية. وتسبب هذا التدني وهو نتيجة طبيعية لنهج تجهيل المجتمع و تبعيثه بكل الوسائل والإمكانات المتوفرة، في نزوع الحاجة الى التزلف والتملق والغش لنيل الشهادات الأكاديمية العالية والتي غالبا ما تكون خامة مادتها الأساسية في فروع العلوم الإنسانية هي أفكار و أحاديث الدكتاتور، حتى وان كانت من مستوى " تثقيف" المواطنين بأهمية غسل الأيدي قبل وبعد تناول الطعام ، ومن ينجز أي "بحث" متملق عن القائد الضرورة المؤمن لابد وان ينال درجة التقدير العلمي العالية التي يطمح إليها حتى وان كان " بحثه" يستحق تقدير تحصيل مستوى المرحلة المتوسطة. و هكذا ساد في تلك العقود الحالكة من تاريخ العراق الحديث تجذر الفساد التربوي في المؤسسات التعليمية، وصار الغش والانتحال وسرقة جهد الآخرين والفهلوة لنيل الشهادات الدراسية أمورا مألوفة في ظل دولة عبادة الرمز الفرد وانهيار المعايير العلمية في تقدير الكفاءات.

وبعد تطبيق مبدأ الفوضى الخلاقة اثر الاحتلال، وجدت الأجيال الضحية المُجَهلة في عهد النظام السابق ، في سطوة الميليشيات المحلية والوافدة وعصابات الجريمة المنظمة، على مراكز الإدارات التعليمية في مختلف مستوياتها، بديلها الجديد عن سلطة البعث مالكة الأرزاق والرقاب، لتترسخ بعد نيسان العام 2003 الممارسات المنافية للمثل والأعراف العلمية و الأكاديمية في سبيل الحصول على الألقاب العلمية عبر أساليب الابتزاز و الغش أو سرقة أسئلة الامتحانات أو التهديد بالاختطاف والقتل.

ومن الطبيعي ان تقترن هذه المظاهر باستهداف المرأة العراقية العاملة في قطاع التعليم أيضا إرهابا و قتلا، مما حدا بصحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية ان تعلق في الثامن من تشرين الثاني الجاري على عمليات القتل التي تطال منتسبي الأسرة التعليمية بالقول ان قتل المعلمين والمعلمات أصبح ظاهرة ملفتة للنظر في العراق.

ان الطالبات والطلاب العراقيين وهم في أعتاب العام الدراسي الحالي يواجهون تحدي القوى الظلامية بحرمانهم من حقهم المشروع في التعلم والدراسة، وقد نجحت هذه القوى باعتراف وزارة التربية، بإشاعة الخوف لدى الأهالي على بناتهم من الاختطاف والاغتصاب خصوصا في مناطق الجنوب العراقي حيث تدنت نسبة التحاق الفتيات بالدراسة الى نسب تصل الى ربع عدد الفتيات اللواتي في سن الالتحاق بالمدرسة.

ان الاستهتار بقطاع التعليم عبر تخريب قيمه التربوية واستهداف الأساتذة والمعلمين و الاختطاف والقتل للعنصر النسوي في الأسرة التعليمية هو بالضد من مسعى إعادة الاعتبار الى الحرم الدراسي واحترام الهيئات التدريسية، كما يصيب بالشلل الجهود الرامية الى إحلال القيم الإنسانية الراقية، و تمثل الممارسة الديمقراطية في العملية التربوية والتعليمية، وإعادة السمعة العلمية والأكاديمية للمؤسسات الدراسية العراقية.