في مسألة الهجوم على النسوية



ريم حزان
2007 / 12 / 16

يأتي النص التالي، كرد على نسق من المقالات يصب في سياق الهجمة على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات النسوية خاصةً؛ وآخرها مقال للسيد عبد الحكيم مفيد، بعنوان "في المسألة "النسوية"" (القوسين حول كلمة النسوية من الأصل، ر.ح.)، يهاجم فيه عمل "ائتلاف الجمعيات النسوية والحقوقية من أجل تمثيل النساء في لجنة المتابعة العليا"، ومطلب الائتلاف بكوتا نسائية في اللجنة من قبل الأحزاب؛ حيث تأتي مهاجمته هذه في سياق هجوم بعض تيارات الإسلام السياسي على مكانة وحقوق المرأة، "المستوردة مع التمويل الأجنبي" بحسب تحليل كاتب المقال المذكور أعلاه. لكن، من الواضح أن الهجمة على الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني من قبل هذه التيارات تقتصر غالبًا على الجمعيات التي تعنى بحقوق ومكانة المرأة. فمثلاً في "لجنة الدفاع عن الحريات"- المنبثقة عن لجنة المتابعة- هنالك جمعيات عضوة لم أشهد أيًا كان يهاجم عضويتها وأهدافها، ولا أدعو بهذا لفتح النقاش حول عضوية هذه الجمعيات أو التقليل من أهميتها.
أعتبر أن النقاش حول "أي تحسين وأي تمكين"، و"أية امرأة نريد"، يصب في النقاش العام حول أي مستقبل، سياسي واجتماعي، نريد للأقلية الفلسطينية الباقية في وطنها. لكن عبد الحكيم مفيد باستعماله لهاتين العبارتين، فهو يوافقنا مبدئيًا على أن مكانة النساء العربيات رديئة لدرجة أنها بحاجة للتحسين والتمكين. والسؤال هو كيف؟
نحن نرى أن العمل على الرفع من مكانة المرأة العربية يصب في مجمل الجهود لإحقاق حقوقنا كأقلية قومية وكمجتمع يصبو لتطوير نفسه ومؤسساته على أسس المساواة والعدل والتكافل الاجتماعي. فلا أدري لمَ يحاول الأخ عبد الحكيم تزويد القارئ بمعلومات خاطئة، بل ومسيئة، عن "ائتلاف الجمعيات من أجل تمثيل النساء في لجنة المتابعة العليا" وعن الجمعيات النسوية والنسائية الفاعلة في مجتمعنا. لم يقم الائتلاف، بعكس ما يدعي عبد الحكيم مفيد، بطلب تمثيله كائتلاف لجمعيات، أو لأحد مركباته، في لجنة المتابعة، ولم يقم أصلاً بطرح القضية من هذا الباب؛ لا بل ويقوم مفيد بالتلميح لكوننا دخيلات على مجتمعنا وقضاياه، كما يكون عضو الكنيست العربي عن حزب صهيوني دخيلا على لجنة المتابعة!!
أعود وأكرر لمن لم تصله أخبار عمل الائتلاف بعد: لسنا نطالب لا بمكان للجمعيات في لجنة المتابعة، ولا ندعم هذا التصور المستقبلي أو ذاك، بل إن ما نطلبه يأتي ضمن مسيرة عمل لجنة المتابعة على إعادة تنظيم نفسها وهيكليتها من أجل مستقبلنا كشعب. وبما أنه لم يفطن أحد الى أن النساء مغيَّبات حتى في المبنى الجديد المقترح، ارتأينا، كمؤسسات نسوية وحقوقية، ليس فقط المطالبة بتمثيل النساء في لجنة المتابعة مبدئياً بل أتينا باقتراح هو تعديل بسيط لاقتراح موجود أصلاً ينص على زيادة تمثيل الأحزاب والحركات السياسية من مندوب إلى اثنين، رجل وامرأة بدل أن يكونا رجلين! هذا أبسط ما يمكن أن تفعله الأحزاب والحركات السياسية من أجل نفسها وعضواتها ومنتخباتها أولاً، وكموقف موطني مسؤول من مكانة المرأة الفلسطينية وحقوقها، كامرأة وكفلسطينية.
في مسار العمل على تمثيل النساء في لجنة المتابعة، كان ردّ الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، واضحًا جدًا: "الحركة الإسلامية الشق الشمالي ليست ضد تمثيل النساء في لجنة المتابعة العليا من خلال زيادة عدد المندوبين عن الحزب أو الحركة السياسية من مندوب إلى اثنين على أن يكون المندوب الثاني- امرأة، لكنها ترفض مبدأ الاشتراط"؛ فلا أدري عن أية انتهازية وافتراء يتكلم مفيد! نحترم موقف الحركة الإسلامية وردها الصريح، لكن تذمرك من "ضريبة الكلام" وتشديدك على أن "القناعات هي التي يجب أن تحدث تغييرًا في السلوكية، وهذه يجب أن تكون نابعة من داخلنا من ذاتنا ومن قيمنا وعقيدتنا" يثير استغرابي وعجبي! أليست الجمعيات النسوية وممثلاتها من بنات هذا الشعب؟ ألا تنبع المطالب التي تعمل عليها من واقعنا؟ أترانا نلتف على القيم والثوابت الوطنية لتطوير مكانة المرأة؟ ولمَ تنطلق من أننا جميعًا، كأفراد، نحمل العقيدة نفسها والفكر نفسه؟
اعتبار الأحزاب والحركات السياسية على اختلافها، حركة واحدة، تحمل فكرًا واحدًا وأجندة مفصلة واحدة، ينم عن جهل وعدم معرفة، وفي بعض الأحيان عن ديماغوغية هدفها تضليل القارئ غير المُلمّ وإبعاده عن الحقيقة؛ وكذلك الأمر بالنسبة لعدم التفريق بين المؤسسات النسوية والنسائية، واعتبارها جميعًا كمن تحمل نفس الفكر ونفس البرنامج. لست بصدد الدفاع عن مصادر تمويل الجمعيات، ولا بصدد استعراض الفروقات بينها، لكن، كما لا يرضى حزب بأن يوضع في خانة واحدة مع حزب آخر وكأنه لا يتميز عن غيره بشيء، كذلك الأمر في كل مؤسسة وجمعية؛ ومع هذا لا أخفي أن ما قد تلتقي عليه المؤسسات النسوية هو أكبر مما قد تختلف عليه (كما وأومن أن ما تلتقي عليه الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة في مجتمعنا أكبر وأعمق مما تختلف عليه). فالعمل في "ائتلاف الجمعيات من أجل تمثيل النساء في لجنة المتابعة العليا" يجري تحت شعار واحد: حقوق ومكانة المرأة كإنسانة وكمواطنة وكفلسطينية يقع عليها، من بين ما يقع عليها، الهم الوطني والمعيشي اليومي، من تمييز في الميزانيات، إلى هدم البيوت، إلى التعطيل عن العمل، إلى النقص، إن لم يكن انعدام، الخدمات الصحية والاجتماعية من مكان سكناها؛ وأسألك: هل استوردنا هذه القضايا والمشاكل أيضًا مع التمويل الأجنبي؟ أم أن النقاشات الأخرى الدائرة حول إعادة تنظيم لجنة المتابعة لها تأثير على موقفك اليوم من قضية تمثيل النساء؟
الخطر في استمرار الحملة التي يقوم بها البعض ضد الجمعيات النسوية وتصوير عملها وأهدافها كجزء من "المشروع العالمي- العولمي" يعادل الخطر الذي نناضل ضده كعرب وفلسطينيين في تصوير الإسلام والمسلمين كدين إرهاب وإرهابيين! فكما نقف صفًا واحدًا في الدفاع عن المعتقدات والانتماءات الدينية وحرية التنظيم السياسي لشعبنا (حتى ولو كان بعضه يفضل التنظم على أساس ديني) ونرفض وضع كل حركة أو شخص يعمل باسم الإسلام في خندق ما تسميه الولايات المتحدة وإسرائيل بالإرهاب، أطالبك يا سيد عبد الحكيم مفيد، أن تبدأ بفحص مدى معرفتك بالجمعيات النسوية وطروحاتها المختلفة، محلياً وعالميًا، تفاديًا للخلط بين المصطلحات والمفاهيم التي عبرت عنها في مقالك المذكور.
ربما فاتتك آخر الأخبار، لكن سيتم كما يبدو تقييد حركة الموارد المادية التي تدعم عمل مؤسسات المجتمع المدني، ولو لم تعتقد مؤسسات الدولة أن المجتمع المدني قادر على الدفع بعجلة التغيير خلافاً لنواياهم، لما طالبت بفرض القيود والشروط على التمويل ضاربة بذلك عملها وأهدافها. "الديماغوغية والافتراء والانتهازية" التي تتكلم عنها هي التلميح والغمز للعلاقات ما بين الجمعيات والأحزاب. ففي خطابك استهتار بزملائك قياديي الأحزاب والحركات السياسية وبقدرتهم على تحديد القضايا التي تلائم أجندة أحزابهم السياسية، ويهمهم التعاون مع هذه الجمعية أو تلك من أجل معالجتها؛ وفيه أيضًا ازدواجية في الموقف العلني والممارس، فماذا بشأن المؤسسات الخيرية التابعة للحركة الإسلامية والتي، بالتعريف، تقع من ضمن مؤسسات المجتمع المدني؟ فلا يتساءل الكثيرون عن مصادر تمويل الجمعيات التي تعمل بنسق الحركات الإسلامية وبتمويل النفط العربي المتخاذل والعميل لنفس الأمريكا ونفس الغرب؟
سياق الهيمنة والتبعية الثقافية هو عملة بوجهين، فمن جهة نواجه العولمة والأمركة، الأسرلة والصهيونية والتطرف الديني المسيحي- الصهيوني، ومن جهة أخرى نواجه التطرف الديني الإسلامي الأصولي والسلفي، نعم، (أو ما يسميه عبد الحكيم مفيد، "النانسية" مقابل "السلفية")؛ فبتواضع، وربما بدونه(!)، أطمح لتغيير "العملة المتداولة" وليس محورة النقاش حول أي منهما أفضل لنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين- فكل وأية أصولية، قومية أو دينية أو فكرية، تلغي الآخر ووجوده، ولا يمتلك أحد هذا الامتياز. طرح عبد الحكيم مفيد، معادلة ليست بجديدة لكنها استهلكت نفسها هي الأخرى، فكأننا كنسويات فلسطينيات موضوعات أمام رفض أو قبول معادلة كالتالي: الخطاب الحقوقي النسوي الذي ينادي باعتبار حقوق المرأة- حقوق إنسان هو مستورد من الغرب وهو جزء من المخطط الأمريكي الصهيوني العولمي لضرب الشعوب العربية، وثقافتها، وحضارتها، واستقلالها؛ مقابل خطاب آخر يربط شرف ومستقبل الشعوب العربية والإسلامية، والانتماءان متقاطعان لحد التطابق أحيانًا، بالحد من حرية وحق المرأة في التحرك والعمل والتعليم وحتى من حقها في الحياة، لا بل وتشريع تعنيفها جسديًا وجنسيًا ونفسيًا والحد من فرص تطورها كإنسان- وكأنّ هذه هي قمة القومية والوطنية والعروبة.
هل دورنا كفلسطينيين وفلسطينيات، كأحزاب وحركات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، أن نقوم بضرب مصداقية عمل واحد الآخر والتشكيك في نواياه ودوافعه؟ أم البحث عن القواسم والهموم المشتركة، الموجودة أصلاً، بهدف بلورة مشتركة للأجندة السياسية الجماهيرية لشعبنا ومجتمعنا نحو مستقبل وحياة أفضل؟ لست من السذاجة، وليس الائتلاف بمركباته من السذاجة، ليتجاهل وجود من يتغطى بغطاء العمل من أجل المجتمع الفلسطيني ليمرر أجندات أمريكية وصهيونية، وأعتقد أن نقاش الأجندات المخفية لممولي مؤسسات المجتمع المدني لم يستنفد نفسه بعد، لكن استخدامه كالذريعة الأساسية لمهاجمة حقوق المرأة الفلسطينية هو ما استنفد نفسه؛ لا أمتهن توزيع الشهادات الوطنية، إنما أترك للنتائج والإنجازات على أرض الواقع أن تتكلم عن نفسها وعن أصحابها.

* كاتبة المقال هي مركزة مشروع "تمثيل النساء في مواقع صنع القرار" ومنسقة ا لإعلام في جمعية "نساء ضد العنف".