المرأة الأيزيدية وحقوقها الضائعة



فواز فرحان
2007 / 12 / 16

مرة أخرى بعد ارتكاب تلك الجريمة البشعة بحق دعاء في نيسان من هذا العام وتداعياتها التي جرفت معها ما يقارب الألف ضحية تقف المؤسسة الدينية الأيزيدية موقفا همجيا معاديا لكل قيم الحضارة والتمدن بعد اعلان المجلس الروحاني الأعلى للطائفة تأييده حرمان المرأة من الميراث على اعتبار أنها مخلوق ادنى لا يستحق هذا النوع من الحقوق ، ومنذ سقوط
الدكتاتورية التي كانت تحتضن اغلب اعضاء هذا المجلس وحتى نيسان الماضي عاش الايزيديون في مناطقهم بأمان وسلام دون ان تقترب منهم آلة الارهاب أو الاحتلال او حتى القوى والاحزاب القومية الكردستانية لسبب بسيط وهو محدودية تأثيرهم في الحياة السياسية في البلاد وأقلية لا تتجاوز المئتي الف على الاغلب الى ان فجّرَ مجموعة من الجهلة رجولتهم المنتقصة برجم الفتاة وقتلها بطريقة جعلتهم يتصدرون عناوين المواقع والصحف في بربريتهم وبمباركة طبعا من هذا المجلس الروحاني ، اي انهم جلبوا الانظار اليهم بطريقة تعاملهم مع معطيات الحياة في هذا العصر وقيمه الحديثة ، المرأة الايزيدية محرومة من حقوقها ليس من هذا اليوم الذي صوتوا فيه شرعيا لمنعها كي لا تتجرأ في المستقبل القريب من المطالبة بأي حق من حقوقها وهم على هذا الأساس يعتبرون انفسهم مفكرين ينظرون ببعد نظر الى الامور وبطريقة شيطانية لأن اي تقدم في هذا المجال سيجعلهم امام واقع تطالب المرأة فيه بحقوقها وهو الشئ الذي لا يريدونه !
المرأة هذه محرومة منذ عقود من ابسط طرق التعامل معها كإنسان ، ولا يعترف البعض بذلك هربا من دائرة الحرج فهي مهمشة منبوذة منذ ولادتها لأنها أنثى وتتحمل كل عقد النقص عند والدها وأشقائها في اليوم الف مرة الى ان تبلغ السادسة عشر وتنطلق في أحلامها للزواج والخلاص من هذا السجن الذي كبل قيودها وحرمها من التمتع حتى بطفولتها ، لهذا لم يكن هذا الخبر غريبا على الكثيرات من اللواتي ذقن طعم العبودية والذل في بيوت اباءهن !
والحقيقه التي تبدو خفية على البعض ان هذا المجلس لم يكن يتجرأ على أتخاذ هكذا قرار لولا الدعم والحصانه التي توفرها لهم الحكومه الكردية التي اهدت قبل فترة إلى بعض اعضائه سيارات فخمة لدورهم في تكميم الافواه وتشويه الحقائق ، ومثلما كان هذا المجلس الروحاني يجند الشباب الايزيدي للمشاركة في حروب صدام العبثية وكذلك توفير اعداد اخرى منهم لسرايا الجحوش ومحاربة أنصار حرب العصابات في الجبال، و يقوم اليوم بنفس الدور لحساب القيادة الكردستانية التي تريد هدفا واضحا ومحددا منهم وهو أقناع رافضي الانضمام الى الاقليم بشتى الطرق للتصويت على المادة 140 لمصلحة الاقليم ، وفي نفس الوقت يحاولون الاستفادة من هذا الظرف الذي وجدوا انفسهم فيه محميين لتمرير قرارات مشوهة وتعبر عن نقص وحقد عميقين تجاه موضوع حياتي مهم بدأ يأخذ دوره في الفكر الشرقي وهو موضوع حق المرأة ومساواتها مع الرجل في العيش والعمل والتفكير
فهم لا يقرؤون ما نكتب لان معظمهم بصريح العبارة لا يقرأ ولا يكتب وهذه ليست سخرية بل حقيقه، و بامكان من يرغب التأكد منها ، ومعظم ردود أفعالهم على المواضيع الحياتيه الملحه تكون نتاج طريقة نقل الحديث لهم من الذين يجيدون القراءه والكتابه والتملق من حولهم وهي بلا أدنى شك تعبر عن عقليه ظلاميه يمتلكونها ويتحكمون برعاياهم تحت حماية البرلمان الكردساني!!
وطريقه تعامل اغلب المثقفين مع هذه القضيه تجعلهم يترددوا في ابداء اي نوع من الاعتراض على أساس ان ذلك سيكلفهم حرمان زيارة كردستان ورؤية أهله ولكن السكوت على تواطئهم في موضوع دعاء في الداخل جعلهم يتمادوا في اكمال حقدهم على الحضارة بحرمان المرأة هذه المرة من الميراث وربما السكوت سيدفعهم الى منعها حتى من الوصول لعتبة الدار !!وأكثر فكلما تقدمت الحضارة زاد حقد الجاهل عليها ، فلماذا تقف الحكومه الكرديه مع هؤلاء رغم علمها اليقين بعمل اغلبهم مع الدكتاتوريه ونظامها ومشاركة بعض منهم في حملات الانفال سيئة الصيت ؟ كيف يمكننا ابداء الاحترام لحكومة كردستان وهي تحتضن قسما من هؤلاء؟
لا شك ان الميراث الذي حرموا المرأه الأيزيديه منه هو خاوي في مضمونه لان لا ميراث لهؤلاء يتركوه لاجيالهم سوى عقليات مغرقه في الظلام والجهل وعلى المرأه الايزيديه وحتى الشرقيه بشكل عام ان تبحث عن ميراث حقيقي يتمثل في التربيه الجاده والرصينه التي ينبغي عليها التحلي بها ، في التحرك لأختيار الطريقه المناسبه لكي تعيش حياتها بتحرر وتختار التخصص المناسب لها للمشاركه في الحياة اليوميه والتعبير عن موهبتها وابداعها لا ان تنتظر من احد يقرر حياتها نيابة عنها ، عليها ان تضحي كي تظفر بشئ رغم اليقين الذي نعلمه جميعا وهو ان الرجال انفسهم في مجتمعنا محرومون من الحقوق ولو امتلكوا حق الحديث والتعبير لما وصل الامر لهذه النقطه بالتحديد ...
هو هذا الميراث الذي يتوجب على الوالدين تركه لبناتهم قبل ابناهم من اجل ان يجعلوا الحياة مشرقه وايجابيه لا ان يمعنوا في قهرها وتحويل حياتها الى جحيم متعدد المراحل ، لم تكن هناك حقوقا للمرأه حتى نقول انها تسلب منها بل يوجد اليوم امعان في اهانة واحتقار المرأه اكثر من السابق من قبل المجلس الروحاني حتى يومنا هذا عندما يتقدم شاب لخطوبة فتاة وتتم الموافقه يكون جواب الاب بطريقه ... انها حذاء تحت قدميك ويقصد الفتاة !! وبعدها يمد الاب يديه بحركه عفوية الى شاربيه ليبرمها ويتذكر مع هذه الحركه انه سيد البيت والرجل ..
بهذه الطريقه الوضيعه يتم التعامل مع مخلوقه تصبح بعد فترة ام لمجموعه من الاطفال ومربيه !!فكيف يمكن الحديث عن حقوق للمرأه دون تخليص المجتمع من رجال يتمتعون بحقد دفين على كل ما يمت بصله للمراه ، وتخليص المجتمع منهم هو اعادة نشر مفاهيم متحضرة للتعامل مع هذه الموضوعات لا تركهك يعتقدون انهم يمتلكوا الحلول الصحيحه ، ويمعنون في جر المجتمع وراءهم الى الحضيض وهي على اية حال مجموعه من العقد المتراكمه في نفوسهم يسطروها بين الفينه والاخرى بقرارات مرتجله من هذا النوع ،وربما لن تكون هناك أصوات معارضه كما أسلفت خوفا من أثارة هذه النخبه التي تعبر يوما بعد اخر عن انها لا تقل عنجهيه وتخلف عن مجموعة بن لادن الارهابيه والتي تحاول فرض طرق تفكير عفى عليها الزمن على البشر واتباعهم من ابناء وبنات هذه الاقليه ..
طريقة تعاطي بعض الوجوه المثقفه من ابناء الطائفه لم يرتق الى المستوى الذي يمثل ردود أفعال مخيفه تردع هذا المجلس عن التمادي في اعتبار ابناء الطائفه كرعايا وعبيد يسجدون لهم ويطيعونهم مهما كان شكل القرار المتخذ ونوعه !
وموضوع من هذا القبيل يجب ان يأخذ مدى أوسع من التحرك لا سيما من العنصر النسائي الذي ينبغي عيه تقديم مذكرة احتجاج للحكومه الكرديه والعراقيه وحتى الحكومات الاوربيه التي تستقبل على اراضيها هذه النماذج من البشر للأستجمام وقضاء عطله مرفهه على حساب تعاسة الاخرين وحرمانهم من ابسط الحقوق بحجة ان دينهم يقتضي هذه الخطوات للحفاظ عليه من الاندثار ، المشكله لا يمكن ان تكون محصوره في حدود المطالبه بالغاء هذه القرارات الهمجيه من مؤسسه دينيه هزيله بهذا الشكل بل تتعدى ذلك الى توضيح الدائره التي يمكن للمرء التحرك من خلالها لرفض هذه القرارات القرقوشيه الا وهي العودة لدستور الدوله والدور الذي رسمه وأعطاه للمرأه في هذا الجانب وبما ان احزاب الاسلام السياسي والحزاب القوميه الكرديه هي المسيطره على القرار السياسي تحت ظل حكومة الاحتلال فلن يكون هناك طريق سوى الذهاب بأتجاه التحرك على المنظمات التي تدافع عن حقوق المرأه والشخصيات التي تبدي تعاطفا مع قضايا الاقليات لتعريفها بهذا الواقع المظلم الذي وصلت اليه المرأه في العراق والديانه الايزيديه بالتحديد ،وكذلك تعريف دول الاتحاد الاوربي التي تسمي الدوله العراقيه تحت حكم الامريكان بالدوله الديمقراطيه لتعريفها بالحال الذي وصلت اليه المرأه العراقيه كي تدرك حجم التضليل الذي تتعرض له هذه القضايا في مجتمعاتنا ..
أنهم على اية حال يكملون الحمله الايمانيه التي بدأها صدام قبل سقوطه ويشبهون انفسهم بالميليشيات التي تمارس القمع والقتل ضد المرأه في أماكن العراق ألأخرى بحجج واهيه وأذا ما أرادت المرأه التحرر من كل هذه القيود عليها بالعمل مع الرجل جنبا الى جنب لخلق العراق الديمقراطي العلماني المتحضر الذي يستند لدستور يوازيها بالرجل في كل نواحي الحياة ويبعد طبقة رجال الدين عن التحكم في حياتها وحياة افراد أسرتها ..
ولا أعلم لماذا كلما ارغب في الكتابه عن اي موضوع يخص الاقليات الدينيه والقوميه أفضل ان يكون الحل نابعا من دراسة موضوع كتبه كارل ماركس في خريف عام 1843 حول المسأله اليهوديه فهو يعطي حلولا قد تجعل هذه الاقليات تدرك طريق خلاصها من دائرة الظلام التي فرضت عليها بحكم واقعها كأقليه ،
اي ان خلاص هذه الاقليات وتحرر أفرادها يكمن في تحرر البلد سياسيا قبل اي شئ وأقامة دوله علمانيه تعطي الافراد حقوقهم على أساس مواطنتهم وانتماءهم لبلدهم لا على أساس أقليه وأغلبيه دينيه وهذا ما ينبغي التركيز عليه ان كانت هناك محاولات جاده للعمل على انقاذ المجتمع من سطوة رجال يمارسون كل انواع الفجور ويبررونه دينيا ..
اذن ما يحدث لها لا يتجاوز الامتداد لما تتعرض له المرأه العراقيه في البصره واماكن عديده أخرى بحجج واهيه لا تمت بصله لقيم الحضاره ، والحل الوحيد يكمن في حصر هذه الفئات التي تعبث بالحقوق البشريه في زاويه من خلال العمل الجاد وتقديم قراراتهم هذه الى محكمة العدل الاوربيه لمعرفة مدى أهلية عقليات هذه الفئات وطريقة تعاملها مع حق المرأه ووضع حد لعبثهم بالكرامه الانسانيه ومحاولة الضغط على دول الاتحاد لمنع هذه الشخصيات من الوصول لاوربا قبل ان يقوموا بتغيير قراراتهم ويمعنوا في احتقار المرأه الى هذا الحد ..
انها لا تعدو ان تكون دعوه بسيطه للكتاب المهتمين بهذا الشأن من ابناء الطائفه والذين كتبوا بخجل بعض الشئ خوفا من غضب المجلس المذكور سئ الصيت
لا سيما بعد ان تصدت بعض الكاتبات للموضوع بجرأه ، موضوع المجاملات لا تنفع اية قضيه وافضل حل يكمن في معرفة من يقف خلف هذه القرارات وكذلك موقف الاحزاب الكرديه ومنظمات المجتمع المدني العامله هناك لوضع حد لهذه القوانين التي لا تؤدي ألا الى الحاق المزيد من القتل والاصطياد لابناء هذه الاقليه..