حقوق المرأة والأحاديث الموضوعة



محمد علي محيي الدين
2008 / 1 / 7

أعطت الأديان السماوية للإنسان قيمة خاصة وميزته عن بقية المخلوقات،بما أعطته من تفوق عليها في الحقوق والواجبات،وفي القرآن الكريم والحديث الشريف ما يشير إلى هذه الميزة والخاصية التي للإنسان،ولو طالعنا ما ورد في الكتب المقدسة لوجدنا الكثير من الإشارات إلى هذه الخاصية،ولا يوجد تمايز كبير بين الرجل والمرأة في الخلق والحقوق كما جاء في الآية(1) من سورة النساء" خلقكم من نفس واحدة" أي أن بني آدم خلقوا من نطفة واحدة سواء كانت طاهرة أو غير طاهرة،ولا فرق بين من خلق من هذه النطفة سواء كان رجل أو امرأة،أي ليس هناك حقوق أضافية للرجل لأنها أقل منه في الخلق أو المكانة كما جاء في البقرة"أمر لهن مثل الذي عليهن بالمعروف" وساوى بين الرجال والنساء في التولية والعناية بعضهم لبعض كما في سورة التوبة"والمؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"فالقرآن لم يميز بين رجل وامرأة،بل ساوى بين الرجل والمرأة بالإحسان كما في سورة الإسراء"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين أحسانا" فلم يقل بالوالد أحسانا دون الأم ،مما يدل على أنها تتمتع بالمكانة التي يتمتع فيها الرجل،إلى غير ذلك من الآيات الموحية بهذه المساواة والنظرة التقديرية للمرأة،ولكن تفسيرات المفسرين وتأويلات المتحذلقين من رجال الكلام والمنطق أضرت بهذه الحقوق وحاولت التقليل منها وإلغاء هذه المساواة بتمحلات وتوجيه الكلام إلى ما يصب في خدمة توجهاتهم في تحجيم دور المرأة وإلغاءه،وهو من الأمور الخلافية التي أعتمدها المفسرون وأدت إلى إشكالات كبيرة،ولدت الشحناء والتباغض بين المسلمين،وخلقت طوائف وملل وأخذت أبعاد سياسية قولبت بقالب ديني، استنادا لأحاديث نسبت للرسول لم يراعى فيها الأمانة في النقل والموضوعية في الإسناد
وزادوا الطين بله بالافتراء على الرسول الكريم أو آل بيته الكرام وأصحابه المقربين فوضعوا الأحاديث البعيدة عن التصديق خدمة لأنفسهم وإطاعة للولاة وعلية القوم الذين وجدوا في هذه الأحاديث ما يكرس هيمنتهم ويقوي سلطتهم،وإرضاء لنزعة الأنا الكامنة في نفس الإنسان بتفضيل الرجال على النساء تماشيا مع نظرت المجتمعات المتأخرة اتجاه المرأة وتماشيا مع الطبيعة الجاهلية ومحاولة إسباغ الشرعية على عاداتها وتقاليدها البالية،فعمد هؤلاء لوضع الكثير من الأحاديث التي تحط من قيمة المرأة وتجعلها أدنى منزلة من الرجل كما هو الحال في جاهلية العرب،رغم أن القرآن قال أنها خلقت من نفس واحدة كما خلق الرجل،وجل هذه الأحاديث تنبئ عن نزعة تسلطية لا يمكن صدورها عن نبي مصلح جاء لإصلاح المجتمعات مما بها من أدران وعادات وتقاليد بالية تتعارض وإرادة السماء،فليس من المعقول والمقبول أن تكون وصاية الرجل مسخ لإنسانية المرأة وإنكار لوجودها وتحويلها إلى عبودية مقرفة ليس فيها للمرأة إلا أطاعة الرجل كما يطيع العبد سيده،فقد جاء في كتب الحديث بعد العنعنة(عن أبي جعفر جاءت امرأة إلى النبي فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته إلا بأذنه ولا تصوم طوعا إلا بأذنه وأن خرجت بغير أذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها،فقالت يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل،قال والده،قالت فما أعظم الناس على المرأة قال زوجها،قالت فمالي عليه من الحق مثل ما له علي،قال لا ولا من كل مائة واحدة" أن مثل هذه الأحاديث المفتراة على النبي تعطي الدليل الواضح على أن واضعيها يهدفون إلى أرضاء العنصر المؤثر في المجتمع آنذاك وهو الرجل،ولكن في عصرنا الراهن عندما أصبحت المرأة وزيرة أو عضو في مجلس النواب أو وكيل وزير أو مدير عام أو حتى عاملة وتسهم في مصاريف البيت فهل يحرم عليها التصدق بمالها أو عمل الإحسان للفقراء،وهل أن الثواب في الإسلام للرجال فقط دون النساء،وإذا كان لديها حشد من الحراس والحمايات وتشرف على مئات الموظفين فكيف تكون بمستوى أدنى منهم وهي الحاكمة عليهم،وبما أن الإسلام هو دين البشرية لكل الأزمان والأوقات فكيف لمثل هذه الأحاديث أن تأخذ مجالها في التطبيق في العصر الراهن بعد أن أصبحت المرأة في مركز تحكم من خلاله على ملايين الرجال كما هو الحال في رئيسات الدول،وبما أن الرسول عالم بما كان ويكون إلى يوم القيامة،فكيف له أن يقول هذا القول الذي يفقد مبرراته في العصور اللاحقة،وحتى في تلك العصور كان لنساء الأمراء والوزراء والأعيان خدم وحشم يقدمون لهن أكثر الخدمات حقارة فكيف يكون هؤلاء أفضل من المرأة وأعلا قيمة في الخلق منها.
وفي رواية أخرى"سألته عن حق الزوج على المرأة فقال" أن تجيبه إلى حاجته وأن كانت على قتب،وأن لا تعطي شيئا إلا بأذنه فأن فعلت فعليها الوزر وله الأجر،وأن لا يبيت ليلة وهو عليها ساخط،فقالت يا رسول الله وأن كان ظالما،قال نعم"فهل من المعقول أن يصدر عن رسول الإنسانية مثل هذا القول ويعين الظالم على المظلوم،وهل أن الثواب للرجال فقط وللنساء العقاب،وكيف تستعبد المرأة وقد ولدت حرة،ولماذا لا يحق لها التصدق بمالها أن كان لها مال وهي ذات بعل ،هل يتزوج الرجل المرأة مع ما تملك من أموال، وعندما سمعت امرأة من الرسول بهذه الحقوق قالت فما حقها عليه،قال يكسوها ويطعمها من الجوع وإذا أذنبت غفر لها،فقالت فليس شيء غير هذا قال لا قالت لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت فقال أرجعي فرجعت قال أن الله يقول وأن يستعففن خير لهن،ولا أعتقد أن الرسول الكريم يدلي بمثل هذه الأحاديث التي لا توفر أدنى مستويات الإنسانية للمرأة،وتجعلها حيوان يأكل ويعمل ويساق بالعصا وهذا منتهى الظلم الذي ينزه عنه الأنبياء.
ولعل من أغرب الأحاديث التي لا يقرها النقل ويرفضها العقل،ولا يمكن صدورها عن النبي الكريم الذي جاء لإصلاح المجتمع الجاهلي فقد ورد"خرج رسول الله يوم النحر إلى ظاهر المدينة على جبل عاري الجسم،فمر بالنساء فوقف عليهن ثم قال"يا معشر النساء تصدقن وأطعن أزواجكن فأن أكثركن في النار،فلما سمعن بكين ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت يا رسول الله في النار مع الكفار والله ما نحن بكفار،فقال لها الرسول أنكن كافرات بحق أزواجكن" أو ما نسب إليه في موضع آخر"لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"،وهذا مخالف لما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى"أنما بعثناك رحمة للعالمين"والعالمين هم الجن والأنس ،فهل المرأة من هؤلاء أم هي خارج حيز الزمان والمكان في الوجود،وأخرجت من الرحمة التي بعث الرسول من أجلها، ومثل هذه الأحاديث كثيرة حفلت بها كتب الصحاح،دون أن يكلف رجل الحديث أنفسهم تشذيبها وتهذيبها من الغلو والتطرف والافتئات على صاحب الرسالة السمحاء.