اغتيال الابداع...هو اكثر انواع العنف شيوعا



بسعاد عيدان
2008 / 1 / 18

هل نحن قوم نقدس الكراهيه والقتل؟ح8
اغتيال الابداع...هو اكثر انواع العنف شيوعا

لم ارى او اتحسس فى صوره انعكاس اشعه الشمس على الرمال السمراء والتى شكلت امواجا ذهبيه تتحرك بكل انسيابيه على الارض...الى ان رأيت هذا المشهد الجميل فى صحراء سيناء وبالذات منطقه شرم الشيخ المصريه الواقعه على البحر الاحمر والتى كادت ان تصبح كجنه الله على الارض الصحراويه فى هذه البقعه من الكره الارضيه بعد عودتها الى احضان الوطن الام وبعد اتفاقيه السلام المبرمه بين مصر واسرائيل فى زمن السادات1978...والتى اخذت تعم ثمارها على الشعب المصرى والمنطقه بعمومها وذلك لاتفاقهم على احياء المنطقه سياحيا وتجاريا و التى ساهمت بدورها فى تشغيل نسبه عاليه من الشباب المصرى الذى ياتى لفترات عمل واسترزاق فى المنطقه...يكفيك ان تبقى ولمده اسبوع واحد او اقل حتى ترى بأم عينيك وتتأكد بان حكوماتنا بامكانها ان تعمل وتحيي اى منطقه وبمقاييس عالميه بعيده عن الفوضى التى تعيشها شعوبنا فى بلدانها اى جنه خضراء وذو خدمات وتأهيل مدنى وبمواصفات عاليه ان ارادت ذلك....والغريب فى الامر ان هذه البقعه واقعه جغرافيا فى اسيا وليس فى افريقيا كما يتصورها الاغلبيه...وترى ذلك جليا فى لهجه سكنه المنطقه الاصليين والتى تشبه لهجه الجزيره العربيه.
فى الحقيقه لم يكن ذلك الاعمار يثير استغرابى وانما الذى اثارنى هو خبر وصول المبدعه العربيه والكاتبه لاكثر من اربعين كتاب ومقاله وبحث, الطبيبه والمفكره والتى قضت معظم سنوات عمرها المديد البالغه 76 عاما قضت معظمها فى الدفاع عن قضايا المراه وحقوق الانسان...وتطرقت وبكل جرأه ووضوح عن ادق المواضيع حساسيه كختان البنات, الجنس وعن العلاقه الحميميه بين الزوجين كتب وروايات عن موقف المجتمعات العربيه من المرأه واستخدام الدين كوسيله للضغط على المراه وتقييدها وقد ادى كل نشاطها الاجتماعى والابداعى الفكرى الى دفع الثمن باهضا وذلك بدخولها السجن و التهديد بالقتل و اللجوء الى الخارج واخرها هو لجوئها الى اتلانتا فى امريكا بعد قيام جامعه الازهر دعوه قضائيه ضدها والمثول امام المحكمه وذلك لاصدارها كتاب"سقوط الامام"...ولاتهامها بالكفر والاساءه لرجال الدين...والمطالبه بمنع كتبها فى مصر ...انها الكاتبه المبدعه الدكتوره نوال السعداوى.
لقائى الاول بالكاتبه او بالاحرى باعمالها كان فى السابعينات حيث كنت فى الاعداديه وحيث كنت مولعه بالقراءه فى تلك الفتره وقد ساعدنى فى ذلك والدى العزيز ومدرسه اللغه العربيه حيث كنا نستمتع بدرس المطالعه الذاتيه حيث يتم استعراض ماقرانا فى الصف.
فى الحقيقه لاتوجد امرأه متعلمه او رجل فى فتره السيتينات والسبعينات لم يسمع بكتابات د. السعداوى ...والتى يرجع لها الفضل الكبير فى زياده توعيه النساء فى العقود الاخيره.
لقائى الثانى او لقائى الحقيقى كان مع د.السعداوى فى ستوكهولم فى مؤتمر نسوى عالمى قبل عامين تعرفت عليها وهى كعادتها المعهوده... امرأه تمتاز بالتواضع والتمرد ويظهر ذلك من شعرها الابيض ولبسها البسيط ...لطيفه متكلمه متقنه للانكليزيه... وللعلم كتبها مترجمه لاكثر من اربعون لغه...طلبت منها اللقاء والحضور لاجراء ندوه خاصه لجمعيتنا النسويه (ج م ع فى ستوكهولم) ... ولكن اعتذرت لضيق الوقت وانشغالها بشؤون المؤتمر...ووعدت بالحضور تباعا فى مره اخرى.
بدأت د. السعداوى الكتابه فى الستينات وهى من عائله لها اصول فلاحيه من جهه الاب واصول باشوات من جهه الام. وقد لعب الوالد دورا كبيرا فى تكوينها الفكرى الناقد للمورث الدينى او الجمود الدينى ان صح التعبير وورثت من الام ثوريتها وتمردها على الانكليز.
لاانوى فى هذا العرض... سرد مراحل حياه الدكتوره السعداوى...حيث هى غنيه عن التعريف رغم ممارسات الحكومات البائسه فى عزلها اعلاميا و مصادره كتبها فى مصر فى زمن السادات حيث ان اجيال لم يحضى بشرف التعرف على افكارها...وانما اود ان احيطكم باهم ماجاء على لسانها فى احدى اللقاءات:
1- ان الدكتوره نوال السعداوى تدعو الى اضافه اسم الام بعد اسم الابناء ومن ثم اسم الاب فمثلا اسم ابنتها الدكتوره والكاتبه منى نوال حلمى...(وتقول ان النسب الابوى فقط... غير عادل لانه يتجاهل دور الام فى التربيه والامومه).
2- تقول د. السعداوى ان امى وابى رغم اتفاقهم وتحررهم كان فيهم تناقض : يعنى كلنا فينا تناقض لاننا نتاج تناقضات المجتمع نتاج مجتمع مزدوج فى قيمه الاجتماعيه والاخلاقيه فان امى مثلا كانت ثوريه لاتقبل سلطه زوجها لكن تربينى على الطاعه والخضوع.
فى الحقيقه لفت انتباهى فى حديث الدكتوره السعداوى نحن" نتاج تناقضات المجتمع" واغرب تناقض براى هو معاناه المرأه من المرأه اى عنف المراه ضد المراه... والغريب فى الامر اتباع مختلف الممارسات للانتقام من الاخرى والتى تكون منتشره كثيرا فى مجتماعتنا ...كعنف ام الزوج على الزوجه او العكس ...وتدخلهم فى شؤون البعض والتى تجاوز احيانا حدود العائله... وهناك عنف الام مع البنات.
والسبب الرئيسى هو الجهل وتدنى مستوى الوعى الاجتماعى والثقافى , الفضول والتدخل فى خصوصيات الاخر وكذلك الغيره والحسد والذى يؤدى الى عمق التناقضات بين افراد المجتمع.
3- وتؤكد د. السعداوى فى حديثها بان النساء فى القريه والنساء والمدينه يفرحوا لموت الزوج...والسبب هو للخلاص من السلطه المطلقه للرجل...تعنى فيه تناقض تعيشه المرأه فى مجتمعها المصرى...انها تهدد لكى تتزوج وتدفع الى الزواج دفعا...واذا لم تتزوج يقول عنها عانس وبايره.
4- كثره الحرمان والكبت الجنسى لدى الرجال فى بلادنا يسبب الزيف الاخلاقى...بسبب التدين الزائف للرجال عندهم حرمان جسدى فينفسوا عن هذا الحرمان اما مع الاطفال وطبعا مع الشابات...وحتى مع كبيرات السن والمحجبات احيانا.
5- تقول الدكتوره السعداوى ان الرجل وبحكم تعرضه لضغط العمل اليومى وضعف الحاله المعاشيه يعانى من ...يعانى من وضع نفسى لايحسد عليه ممايعكس ذلك فى داخل البيت بقساوه التعامل مع زوجته وافراد اسرته الاخرين.
6- ان الدكتوره السعداوى هى ضد الحجاب والتعرى وتقول ان الحالتين تعبر عن الضغط والتسلط.
7- تقول الدكتوره نوال ان العالم يعانى من التطرف والتخلف والتراجع ومن احد الاسباب هو الاستعمار الجديد من قبل اسرائيل والولايات المتحده الامريكيه والتى تواصل فى تغلبها.
بالحقيقه الحديث عن ما تتطرق الدكتوره من طروحات وافكار كثيره ولا مجال لذكرها هنا وليس الغرض هو التطرق الى ذلك...
ولكن اغتيال هذا الابداع الفكرى ان جاز التعبير هو النموذج الاهم اثاره واستغراب... لتعود حكوماتنا ومجتمعاتنا على هذا النوع من الاغتيال والذى يؤدى بالضروره الى تخلف المجتمع وعدم تقدمه خطوات الى الامام والشئ المؤلم هو ان الانسان المبدع يحارب فى الايام التى يعيشها الى ان يموت ...وعند موته تتهافت عليه مداليات الفخر والاعتزار...وتكتب عليه كلمات الاعتزاز وتذرف عليه دموع التماسيح لعدم انتباه وتقدير المجتمع او غفلته عن ذلك.
المنى كثيرا ان ارى مثلى الاعلى واستاذتى المبدعه د السعداوى ان تعامل بهذه القساوه فى هذا العمر... حيث ضاقت بها الارض فى مصر للهجره وبسبب التهديد والمثول امام المحكمه ...فقط لانها اختلفت فى التفكير عنهم...الى متى نعامل مبدعينا ومفكرينا بهذا الاسلوب الغير ذكى ونغتال افكارهم الجديده؟
اود ان احيطكم علما فى خبرتى فى العمل كمستشاره فى مشروع توجيه ومساعده المبدعين فى احدى بلديات ستوكهولم...تعلمت ان الابداع البشرى هو خلق فكره جديده لم يتطرق اليها احد من قبل تماما او التميز فى المجئ بفكره جديده ممكن تطويرها الى عمل تجارى ناجح يستفاد منه فى سوق العمل وبمختلف المجالات...قد تكون فكره تقنيه, هندسيه او فكره ادبيه او خدمه اجتماعيه...الخ قد تكون بضاعه طريقه تطوير جديده او خدمه اجتماعيه جديده...ويحصل من ذلك ايضا براءات اختراع وفى كل الحقول العلميه والعمليه. وتوجد هناك نظريه يطرحها بروفيسور سويدى اسمه( كاى ميكوس) بان من الممكن انتاج الابتكارات والاختراعات ان توفرت الظروف الماديه والتقنيه والتجاريه لذلك.
ان الدول المتطوره تتسابق لابراز هؤلاء المبدعين ومساعدتهم الان ماديا, معنويا تقنيا وتجاريا واخيرا فى مجال العلاقات العامه. والغرض كله من ذلك لمساعده المبدعين من جهه ولتطوير وديناميكيه الحياه التجاريه.
وللعلم هناك علماء واختصاصيين اقتصاديين قامت بالبحث والتحليل باسهاب وتطوير هذا المجال... وهم يدعون المبدعبن لتبيان خطوات التطوير ولتشجيعهم على عدم الاستسلام للافكار المحبطه والتى تقلل من عزيمتهم. وهناك بحوث كثيره ايضا فى مجال تطوير وتاسيس الشركات الخاصه.
ومن اهم اسباب تخلف الابداع فى العالم العربى مايلى:
1- رفض التجديد فى الثقافه ومحاربه الفكره...
2- السبب الثانى تتمثل فى عباده الشخصيه التى مازال العرب مبتلون بها...وهى تقف حجره عثره فى طريق التجديد والابداع الفكرى. حيث يرعب المثقف فلا يفكر فى اقتحام الممنوعات والمحرمات ويخشى ان يتعرض للتهديد والوعيد بالقتل والتصفيه الجسديه اذا تجاوز "معبود الجماهير"والامثله عديده فى حياتنا اقربها المثل العراقى. وتكون دور السلطات بانها تود ان تبنى ديمقراطيتها بنفسها ومن وحى تقالديها واعرافها الدينيه والاجتماعيه...اى( ديمقراطيه نص كم) ديمقراطيه مطاطه مسيره وليست مخيره او منتخبه كما فى البلدان الاوروبيه الديمقرطيه...اى ديمقراطيه بالتفصيل على مقاس اجسامهم...يعطوها جزئيا متى ماشاؤوا ويأخذوها متى ماشاؤوا.
واخير ان بناء المجتمع يحتاج الى جهد وابداع الجميع, المراه والرجل معا لتطور دفه الحياه وبناء مستقبل جديد للاجيال القادمه على الخير والمحبه والسلام...كل عام وانتم بخير.
شرم الشيخ- كانون الثانى 2008