شكرا على هذا الحوار الحضاري الذي نفتقده



زكية خيرهم
2008 / 1 / 18

الدكتور محمود قصيبات:
شكرا على هذا الحوار الحضاري الذي نفتقده

أن يتابع الدكتور محمود قصيبات مقالاتي واحدة بعد الأخرى ويناقش أفكارها بالتفصيل، فهذا شرف لي أفتخر به وأعتبره أهم من مقالاتي ذاتها لسببين:

الأول: هو الأسلوب الحضاري الراقي في الحوار الذي نفتقده في الحياة الثقافية والفكرية العربية، التي تعودت في الغالب على الصراخ والاتهامات بدءا من التخوين وانتهاء بالتكفير، الذي بسببه اغتيل مفكرون مثل فرج فودة ، وهرب مفكرون من أوطانهم مثل نصر حامد أبو زيد، رغم أن هذا الأسلوب المتحضر والمتمدن في الحوار من أولويات ما نصّ عليه الله تعالى في كتابه الكريم حيث قال: " وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ". و " جادلهم بالتي هي أحسن " ، وهذا الأحسن صراحة نفتقده في غالبية حواراتنا، فجاءت مناقشة الدكتور محمود قصيبات لأفكار مقالاتي لتذكّرني وزملائي الكتاب والكاتبات و القراء بهذه الأولويات التي هي أساس الوصول للحقيقة من خلال الاستماع للآخر، وهذا ما يسمى في الحياة الأوربية ( فن القدرة على الاستماع )، في حين أن ما يتصاعد في حياتنا العربية هو ( فن القدرة على الكلام من طرف واحد ) ، أو أن يصمت خوفا وجبنا وأنا ليس عندي ما أخاف منه .

الثاني : لأن مناقشته فتحت عيني وعقلي على بعض الأفكار التي من المهم توضيح قناعاتي فيها وحولها، كي يفهمني الجميع على حقيقتي وحقيقة ما أنا مقتعنه به وأسعى من أجله مباشرة مني وليس استنتاجا من نص إبداعي ربما يحمل دلالات مختلفة كعادة النصوص الإبداعية ، وهذه الأفكار والقناعات الخاصة بي هي:

طبيعة مجتمعاتنا الذكورية التفكير والممارسة

لا أعتقد أن كثيرا يخالفونني الرأي في أن طبيعة مجتمعاتنا العربية هي طبيعة ذكورية ، بمعنى سيطرة التفكير الرجولي على حساب قمع الأنثى ، بدليل أنه في الأردن أفشل مجلس النواب قبل عامين مشروع قرار مقدم من الحكومة لاعتبار القتل باسم حماية الشرف هو جريمة قتل عادية يستحق مرتكبها عقوبة الإعدام وليس الحكم المخفف المطبق حاليا ولا يتعدى السجن ستة سنوات ، رغم أن التقارير الرسمية تثبت في أكثر من دولة عربية أن غالبية الفتيات اللواتي يتم قتلهن باسم الشرف كنّ عذراوات ، وفي المملكة العربية السعودية ما زالت المرأة ممنوعة حتى اليوم من قيادة السيارة ، وفي العديد من الدول العربية الخليجية عندما تركب المرأة السيارة مع زوجها يجب أن تركب في الخلف وليس بجانب زوجها الذي يقود السيارة ، وللتوثيق بالأرقام والمعلومات الذي يطالب به الدكتور محمود قصيبات وأؤيده أنا ، أحيل الجميع للمعلومات والتقارير التي تنشرها ( شبكة أمان، المركز العربي للمصادر والمعلومات حول العنف ضد المرأة ) من خلال الرابط التالي:
www.amanjordan.org
وهو مركز عربي مشهور بمصداقيته العالية وتوثيقه الدقيق لكل معلومة تصدر عنه ، ومن خلال معلومات وتقارير هذا المركز سيتأكد القراء أننا في العديد من جوانب حياتنا ما زال قطاع واسع من الشعوب العربية ( ولا أقول كلهم ) ينظر للمرأة نظرة دونية ، وللأسف يستعملون نصوصا من الدين الإسلامي لقولبتها بما يخدم أهواءهم ، مثل التكرار كل لحظة للآية القرآنية ( الرجال قوامون على النساء ) متجاوزين عن سياقها القرآني ، أو تكرارهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ورد بصيغ مختلفة منها: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتي تصبح ) ، أو الحديث المنسوب للرسول ( ص ) أيضا: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن ). وأعتقد أنهم بهذه القولبة لا يرسخون اضطهاد المرأة فقط ، بل الإساءة للدين الإسلامي ورسوله الكريم أيضا. وهل يلاحظ الجميع أنه لا شعوريا وفي الغالب عندما تمشي المرأة العربية مع زوجها في الشارع تسير خلفه بمتر أو مترين ، في حين أنه في الدول الأوربية والأمريكية يسيرون جنبا إلى جنب يدا بيد يتحدثون ويتناقشون!!.

التعميم مرفوض فهناك رجال متحضرون ونساء متخلفات

لا أقصد التعميم الذي لاحظه الدكتور قصيبات في بعض مقالاتي، لأن التعميم في أية مسألة ليس علميا ولا منطقيا، وفيما يتعلق بموضوع كتاباتي أقولها صراحة أن هناك من الرجال العرب من يحترمون المرأة ويدافعون عن حقوقها أكثر من بعض النساء العربيات اللواتي يقبلن الاضطهاد والتفرقة ويروجنّ لها ، بدليل أنه في بعض الدول العربية رفضت بعض النساء العربيات القوانين التي تريد حكوماتها سنّها لتشريع مساواة المرأة بالرجل، وفي المملكة العربية السعودية هناك نساء يرفضن توجه الحكومة لإعطاء المرأة حق قيادة السيارة والمشاركة في الانتخابات ، وفي الكويت تظاهرت نسوة ضد منح المرأة حق الترشيح والانتخاب ، والدليل على وجود هذه التفرقة وما يصاحبها من اضطهاد وعنف ، انه تأسس في ( إدارة الأمن الأردني ) ما أطلق عيه ( جهاز حماية الأسرة ) وعمله في الغالب حماية المرأة من العنف الأسري .

هل العرب متوحشون ؟

لا...يا دكتور قصيبات أنا لم أقل أنهم متوحشون ولا أؤيد من يقول ذلك ، أنا رصدت بعض الوقائع التي تحدث يوميا في بلادنا كتنبيه إلى أن هذا من مظاهر التخلف مما لا يجوز استمراره وينبغي مقاومته ، ولم أقصد ما استنتجته أنت أنني أقصد أن العرب متوحشون، فلا يخلو أي مجتمع من السلبيات، وقسوتي على مجتمعاتنا العربية لأنني أريد لها أعلى مستوى من التقدم والحضارة كي نلحق بركب الأمم المتقدمة ولا نبقى نعيش على هامش التاريخ وما تقدمه لنا الأمم الأخرى من لقمة العيش حتى الإبرة والدواء و...و...و....

ما علاقة الترجمة للغة الصربية بجرائم الصرب ضد المسلمين؟

أعتقد أنه قد جانبك الصواب في مسألة طرحك ما هو غرض الصرب من ترجمة روايتي للغة الصربية وهم أي الصرب الذين ارتكبوا مجازر بحق المسلمين في كوسوفو؟. في رأيي لا علاقة بين الموضوعين، فجرائم الصرب هذه مرفوضة وأنا أدينها بشدة، ولا هدف من ترجمة روايتي إلا الترجمة والتبادل الثقافي ، فروايتي ليس فيها أي موضوع سياسي يمكن أن يستعمل تبريرا لجرائم الصرب ضد المسلمين، و إلا سوف ندين كل ترجمات الأدب العربي للفرنسية عبر تساؤل مشابه لسؤالك : ما هو غرض الفرنسيين من هذه الترجمات للأدب العربي وهم الذين ارتكبوا المجازر ضد الشعب الجزائري إبان احتلالهم الذي استمر ما يزيد على 130 سنة .

الجنس تحت غطاء المساج وابتكارات لأنواع من الزواج

يسألني الدكتور قصيبات عن صحة ما ذكرته عما يحدث في الفنادق في العديد من العواصم العربية قائلا:
هل حقا يحدث ذلك؟ هل لديك عناوين هذه الفنادق؟ أليس مهمة الكاتب أو الصحفي هي التدقيق ؟ هل دققت في هذه المسألة ؟

لست متأكدا هل الدكتور قصيبات جاد في تساؤلاته هذه أم يريد الإثارة لمزيد من التفاصيل؟ إن كنت جادا فهذا يعني أن لديك صورة خاطئة عن تفاصيل حياتنا الداخلية خاصة ذات العلاقة بالمناطق السياحية في كافة الدول العربية، ولن أسمّي دولة بعينها كي لا يعتقد البعض أنني أقصد التشهير بشعبها ، ولكن هناك العديد من التقارير الرسمية التي تؤكد أن أغلب ما يطلق عليه أندية مساج هي غطاء لتوفير الجنس للزبائن ، وفي الأردن تحديدا صدر قرار من وزارة الداخلية الأردنية قبل شهور قليلة يمنع الفتيات والنساء من جنسية عربية محددة من عرب شمال أفريقيا دخول الأردن دون محرم ، لأنه ثبت لوزارة الداخلية أن عدة ألاف من فتيات ونساء ذلك البلد يقدمن الجنس للزبائن من خلال ما يسمى أندية المساج ، وذكرت الأخبار من الأردن أن بعض الرجال يسافرون لذلك البلد العربي ويتزوجون من أربعة نساء ويدخلوهن كزوجات لهم لضمان الإقامة الرسمية الشرعية ثم يبدأن العمل في أندية المساج لتقديم الجنس غير الشرعي للزبائن .

أنا أتمنى أن تكون كافة نواحي حياتنا شرعية وشريفة وقانونية ، ولكن واقع الحال غير ذلك، وهل تعلم أنه في عاصمة عربية مشهورة هناك بنايات تسكنها العديد من النساء العاملات في مجال خدمات الجنس ، وفي البناية شخص معه أوراق عقود زواج يقوم بكتابة عقد الزواج بين الشخص والمرأة التي قدم لطلب المتعة الحرام معها ، خوفا من ضبطه في ذلك الوضع من قبل بوليس ألآداب ، وبعد نيله متعته الحرام ويخرج من البناية بأمان يقوم بتمزيق عقد الزواج. وليت الدكتور قصيبات يكتب لنا عن عقود الزواج الجديدة في حياتنا العربية من زواج المسيار إلى زواج المسفار ( من السفر ) إلى زواج ( فريندشيب ) الذي طالب به شيخ يمني ، وهل تختلف هذه الأنواع عن ( زواج المتعة ) الذي يرفضه غالبية العرب والمسلمين ؟. للعلم وللتوضيح أنا لست فقيهة ولا متخصصة في شؤون الدين ، لذلك ألجأ لمن يفهم في هذه الأمور كي أعرف الصحيح من الخطأ وأقدم النصيحة لمن يسألني من صديقاتي .

المسألة أعمق من البكارة ودمها

يعرف الدكتور قصيبات أكثر وأعمق مني أنه في العمل الروائي والإبداع عموما لا يجوز أخذ جملة من سياق إبداعي لتحميلها مضامين سياسية ، فتغزلي بتمثال الحرية لا يعني تغزلي وولعي بالنموذج الأمريكي الذي ارتكب أيضا مذابح ومجازر في فيتنام واليابان و العراق، بقدر ما هو تغزل بالحرية الحقيقية التي أنشدها لكل مواطن عربي ومسلم ، فبدون هذه الحرية وشقيقتها الديمقراطية لن نرتقي لمستوى الشعوب المتقدمة، فالحرية والديمقراطية تعني الكرامة ، والكرامة للمواطن تعني عمق الانتماء وما يتبعه.

عرب ومسلمون..أكبر إساءة للعروبة والإسلام

وكون الدكتور قصيبات سبقني للعيش في بلاد الثلج والصقيع، أود أن أوضح للجميع، أن هناك نسبة من العرب والمسلمين في بلاد الثلج والصقيع والبلاد الدافئة في أوربا، يشكلون بأعمالهم وتصرفاتهم المشينة أكبر إساءة للعروبة و ألإسلام ،وكل ما ذكرته من نماذج من أفعالهم مجرد نسبة بسيطة مما يقومون به ، واسألوا الشرفاء منهم الذين يصرخون ويتألمون أكثر مني من هذه التصرفات ، لذلك فهدفي هو ليس التشهير بقدر ما هو الإصلاح بدليل أنني أكتب ذلك بلغتي العربية للقراء العرب وليس بلغة أوربية موجهة للقارىء الأوربي ليقال أنني أقصد التشهير بعروبتي وإسلامي ، فأنا انشد الخير والتقدم وأتمنى أن تكون صورتنا في الخارج ناصعة و أكثر بياضا من ثلوج اسكيندينافيا ولن نصل لهذا إلا بالجرأة في عرض مساوئنا وأخطائنا.

لا أسعى للشهرة ولا أريدها

أود أن أوضح للجميع أساتذة وقراءا أنني لا أبحث عن الشهرة ولا أريدها، فأنا مواطنة عادية وبسيطة للغاية من حقي التعبير عن وجهات نظري ضمن إمكانياتي الكتابية سواء كانت ممتازة أم بسيطة فهذا حق للجميع ،وأؤكد أن تلك السيدة ( الشهرة ) لو طرقت باب منزلي لن أفتح لها ، فلتذهب باحثة عمن يريدها ويسعى إليها . لذلك فليس منطقيا أن نتهم كل من يخالفنا الرأي أنه يبحث عن الشهرة ، و إلا لن يجرؤ أحد على مخالفة السائد وإن كان خطأ . ومرة ثانية وثالثة...شكرا للدكتور قصيبات لأنه أعطاني الفرصة والسبب لتوضيح أفكاري وقناعاتي ، وشكرا للقراء جميعا خاصة من كتب تعليقا سواء أيدني أم خطأني ... السلام والتحية والدعاء بالخير والصلاح لمن يتفق معي ولمن يختلف أيضا، وسيكون شعاري دوما : سوف أجتهد في الكتابة للتعبير عن قناعاتي كإنسانة لها هذا الحق، فإن أصبت لا أريد أجرا ولا أجرين وإن أخطأت فهو خطأي وحدي فلا أستطيع فرضه على غيري ، ولن نكون يوما صورة طبق الأصل ، ولنتذكر قول العرب منذ قديم العصور : الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس ولكم جميعا وعليكم السلام.

[email protected]
كاتبة مغربية مقيمة في بلاد الثلج تتمنى بياضا ثلجيا ناصعا لسمعة أهلها وشعوبها ودينها.