مهن أصحابها .. كاتم أسرار المرأة



باسنت موسى
2008 / 1 / 21

كلما ذهبت لمصفف الشعر الذي أتعامل معه وجدت ذات المشهد المعتاد سيدة تجلس أمامه تروي له تفاصيل حياتها مع زوجها وأولادها وهو يستمع مدلياً من حين لأخر بنصيحة أو تقييم نقدي لما ترويه السيدة التي يسمعها، وهذا المشهد يتكرر وألمحه عندما أستقل تاكسي مع سيدة تحب الحكى فيبدأ السائق بالتدخل في حديثنا بتعليق خفيف ثم ينطلق مع رفيقتي في حديث ودي يمتد طول مسافة مشوارنا معه وهذا السلوك يجعلني أطرح عدد من التساؤلات لماذا تروي بعض السيدات مشكلاتها الحياتية هكذا دون توخي حكمة الحديث؟؟ ولماذا تحديداً تكون في جلسة صراحة مع مَن يصفف شعرها أومن يقلها لمكان ما؟؟ هل فقدان الحوار مع الزوج يدفع بالمراة للبحث عن مستمع لها؟؟ هل نساء كل الطبقات الاجتماعية والاقتصادية لديهم ذات المشكلة ويتحدثون دون سؤال لمن نتحدث؟؟ هل أحاديث وهموم الفتيات هى ذات أحاديث النساء ؟؟ كيف ينظر أصحاب تلك المهن للنساء المتحدثات لهم عن أدق مشكلات الحياة معهن؟؟ أسئلة وغيرها كثير سنطرحها للنقاش في هذا التحقيق من خلال كل عناصر المشكلة فإلي المزيد ......

م. و 26 سنة صاحبة محل كوافير تقول:- كل يوم أستمع لعشرات القصص من النساء المترددات عليّ وأنا حقيقة لا أجد مشكلة في ذلك بل أشترك معهم في الحكى وسرد ما يضايقني من زوجي وأبنائي وأحياناً أستفيد بنصائح جيدة للتعامل مع المشكلات، العمل في مجال تصفيف الشعر والتجميل يحتاج وقت طويل لإنجاز مهامه على السيدة فلماذا لا نقتل الوقت بحكي مفيد لخبراتنا كنساء.

ج . ط 32 سنة صاحب محل كوافير يقول:- من المعروف أن النساء يتميزن بقدرات فائقة في "الرغي" وحيث أن مهنتي تعتمد على النساء ورغباتهن التجميليه فأنا مضطر لاحتمال أحاديثهن لأنني لو رفضت التفاعل مع أي سيدة وهى تحكي حتماً سأفقدها "كزبونة"، بل وربما تشيع عني مع صديقاتها بأنني فظ في التعامل مع النساء وهذا سيجعلني أخسر مادياً بصورة كبيرة، لذلك أسمع وأتفاعل وألقي نصائح وأحياناً أشجع. فمثلا ذات مرة جاءتني سيدة تحكي لي كيف أن زوجها ينتقد وزنها الزائد بصورة جعلتها تكره الحياة ووجدتها حقيقي سيدة مسكينة محبطة لذلك قمت بتشجيعها حيث اقترحت قصة شعر جديدة لها وصبغة تتلاءم مع لون وجهها الأبيض ونفذت ذلك فعلاً وخرجت من عندي وهى في قمة السعادة والثقة، لكن هذا السلوك مني لا يرضي زوجتي التي تعمل معي بذات المحل لأنها تعتقد أنني بهذا أجامل النساء على حساب حبي لها لكنها مخطئة أنا مضطر للتجاوب مع نساء يعشن حياة بلا رجل محب مستمع.

ت. ش 22 سنة يعمل في محل كوافير يقول:- بالنسبة لي كشاب صغير لا أجد نساء كبيرات يفضلن الفضفضة معي بالحديث عن مشكلاتهن الحياتية، لكن الفتيات الصغار يحببن الحديث معي وقصصهن أو مشكلاتهن تدور حول الحب والعاطفة حيث روت لي إحداهن ذات مرة كيف أنها تشعر أن الشباب يحبون الخيانة وأنها تشعر بالحزن لأنها لم تدخل علاقة حب ناجحة وكان أمامي أن أتعامل مع ما تحكيه هذا بطريقتين الأولى أن أنتهز تصريحها هذا وأرسم عليها مشاعر الحب وربما أحظى بمقابلة أو أثنين معها أما الطريقة الثانية أن أنصحها كأخ بأن لا تعمم نتائج خبرتها على كل الرجال بالحياة، واخترت الحل الثاني لأنني لا أحب أن أنتهز ضعفات من حولي وإن كنت ألوم النساء والفتيات لأحاديثهن مع من يعملون بمهنتنا بمساحة حرية كبيرة لا تناسب كوننا غرباء بالنهاية.

ك.ز سائق تاكسي ويعمل صباحاً موظف بإحدى المصالح الحكومية:- ليس فقط النساء من تتحدث لي كسائق لنملأ فراغ الوقت حتى مكان الوصول فالرجل أيضاً يتحدث ولكن هناك اختلاف في طبيعة الحديث فالرجل يتحدث عن الأمور التي تتعلق بالشأن العام كارتفاع الأسعار والبطالة وما إلى ذلك وهذا طبيعي جداً فالرجل هو مَن يدفع في الغالب لتتحقق مطالب أسرته وهو الذي يعاني أكثر من المرأة من البطالة وقواعد العمل الخاص المرهقة في حاضرنا أقصد بذلك أن الرجل يتحدث بالنهاية عن اهتماماته ويروي تفاصيل دقيقة في إطار ذلك، أما المرأة فوضعها مختلف هى تهتم بالبيت والزوج والأولاد لذلك هى تتحدث عن مشاكلها الأسرية في الغالب ولأعيب في هذا فالمصري من المعروف عنه أنه يحب الفضفضة وجو الود لأعيب في هذا برأيي.

ي.ش 39 سنة صاحب لمحل كوافير في منطقة راقية يقول:- لا توجد سيدة لا تتحدث وهى تصفف شعرها لكن السيدة الشعبية التقليدية مختلفة عن السيدة الراقية المتعلمة فالأولى تتحدث عن المواقف التي تحدث لها في حياتها اليومية وأحياناً تتحدث عن مواقفها مع زوجها داخل غرفة نومهما وهذا للأسف يحدث، أما الثانية فهي لكونها متعلمة وراقية الطبقة الاجتماعية تلتزم الصمت بما يشعرني أنا كمصفف بالملل والوجوم وحتى أكسر هذا الملل أقوم بإشراكها في حديث عام بمعنى أتحدث لها عن حرب العراق أو أي حدث عام فتتحدث وتنطلق وأحياناً أسمع أشياء لا أفهمها أو لأوافق عليها لكنني لا أملك حق الاعتراض حتى لا أفقد "زبونتي".

مها ربيع 33 سنة تقول:- أتحدث عن حياتي ومفرداتها المعقدة عندما أذهب لأصفف شعري، ولا أجد في ذلك عيباً فزوجي غالباً لا يسمعني فهو دائماً مشغول بعمله ليأتي لنا بالأموال لنعيش في مستوى اجتماعي جيد وأنا لدي الكثير مما أرغب في الإفصاح عنه فلماذا لا أنتهز فرصة للحديث والتفاعل وبالطبع لا أتخطى حدود اللياقة عند الحديث.

كريمة فؤاد 55 تقول:- زوجي توفي منذ سنوات وأبنائي متزوجون وكل منهم له حياته وأنا لا أجد من يتحدث لي في أي شيء حيث أجلس صامتة بمفردي أمام التليفزيون في بيتي الواسع لذلك أتحدث لمصفف شعري وأسعد بالذهاب له كلما ذهبت له أحسست أن هناك حياة لذلك أتيت له بالكثير من صديقاتي لتصفيف شعرهن لديه وأذهب مع كل منهن عندما تصفف شعرها لنتحدث ونتسامر كأننا في جلسة عائلية.

تلك أعزائي القراء كانت أراء من قابلناهم ومن خلالهم وبهم أجبنا على تساؤلاتنا التي طرحناها بالأعلى..... لكن تبقى تلك الظاهرة تعبير صادق عن تبادل بشري لأبأس به لتخفيف حده التوتر لمن يحتاج للحديث والبوح عما بصدره ولا يجد من يسمعه ممن يجب أن يسمعوه