الخلع.. دراسات تحليلية 2-2



باسنت موسى
2008 / 1 / 23

التعديلات التي أجريت على قانون إجراءات الأحوال الشخصية رقم "1" لسنة 2000 م والمعروفة "بقانون الخلع" حاول من خلالها المشرع الحفاظ على الأسرة المصرية بعد سنوات طويلة من المعاناة الإنسانية للمرأة بسبب الواقع التشريعي والقضائي الداعم للموروث الثقافي الذي أتاح للرجل كطرف في العلاقة الزوجية أن يمارس تسلط غير محدود على الطرف الآخر مذيقاً إياه ما يمكن أن نصفه بأنه نوع من الاستبداد يستعصى تقبله في ساحات القضاء ومجالات العمل الاجتماعي، لذلك فقد تبنى المشرع هذا القانون من أجل الوصول لتحقيق غايتين أولهما: تبسيط الإجراءات وتقصير مدتها، وثانيهما: جمع أحكام هذه الإجراءات في قانون واحد يتسم بالبساطة والوضوح، هذا بالإضافة إلى إقرار حق الزوجة في أن تخالع زوجها لتحرر النساء أنفسهن من علاقة زوجية صار الغضب والكراهية رباطها الوحيد، أي فقدت رباطها المنطقي وهو الحب والتعاون المشترك لإنجاح الحياة، وذلك الحق منح للزوجة دون الإخلال بالتوازن العادل الذي يعطي الزوج في المقابل الحق في تطليق زوجته بإرادته المنفردة.
"الخلع قانوناً وتطبيقاً" عنوان ورقة بحثية للمحاميتان عزة سليمان وعزة صلاح أوضحا فيها أن: صدور قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ليحمل مواد جديدة تعطي للمرأة حق الخلع إنما هو بمثابة تتويج لجهود كثيرة بذلت على مدار سنوات لرفع المعاناة عن كثير من المصريات اللواتي يجدن عنت من أزواجهن وصعوبات جمة للحصول على التطليق.
من أهم ما جاء به القانون "1" لسنة 2000 من القواعد الموضوعية تلك المواد التي تنظم الخلع، وقد استأثرت وحدها بأكبر قدر من الضجيج الإعلامي، المادة "20" إذ نصت على مايلي:
"للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه" والمحكمة لا تحكم بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبهما لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة تجاوز ثلاثة أشهر، ويحكم بالخلع بعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما، وهذا سيجعلها لا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض، لا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم، وبالخلع يقع في جميع الأحوال طلاق بائن ويكون حكم غير قابل للطعن عليه بأي طريقة من الطرق".
للدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع ورقة دراسية عن الخلع في علم الاجتماع القانوني أوضحت فيها ملاحظاتها كأستاذة لعلم الاجتماع على المناقشات البرلمانية لأعضاء مجلس الشعب لقانون الخلع، كما رسمت بروفيل اجتماعي للمرأة التي تقوم بالخلع، حيث تقول وسنبدأ بملاحظاتها على مناقشة أعضاء البرلمان لهذا القانون..
أولاً: استحضار الفقه المضاد للخلع:
من الواضح أن القادمين لمناقشة المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 قد استعدوا لمناقشة الخلع باعتباره جزءاً من الشريعة الإسلامية وذلك باستحضار رواية تشريعية وثقافية تتمثل فيها كل ملامح العصور الوسطى بتراجعها وتعصبها، فرغم أن الخلع حق مارسته المرأة المسلمة للخروج من علاقة بغيضة إلا أن المناقشين بدأوا باستحضار الفقة المضاد لهذا الحق فسادت لغة الإدانة الأخلاقية لمن تمارس حقها في الخلع وذلك اتضح عندما أكد العضو عبد العزيز محمد أحمد شاهين تحذيره من الخلع باعتباره حراماً ومحظوراً وممنوعاً ويروي حديثاً بأن المختلعات هن المنافقات، كما يرد العضو محمد أحمد مرزوق على قصة امرأة قيس بن ثابت بأن امرأة طالبت مخالعة زوجها من عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال لها أتردين عليه ما دفعه؟ قالت لا أملك شيئاً، قال: إذاً اصبري فلم تقم البيوت على الحب.
ثانياً: الصوت المنعدم للمرأة في النقاش:
باستثناء دفاع العضوة فايدة كامل عن خروج المرأة للحرب مع الرسول "صلعم" وذكرها لقصة نسيبة بنت كعب التي دافعت عن الرسول ووقفت وحدها ترد عنه بسيفها وكذلك رفيدة التي خرجت لتضميد جراح المحاربين المسلمين، غير ذلك لم تكن هناك أصوات من العضوات للتصدي للرد على الإدانات الأخلاقية للمختلعات أو لمواجهة الصورة الشريرة التي التي ترسمها المناقشات لنماذج النساء المختلعات، وهنا ينبغي علينا التساؤل عن سبب امتناع عضوات المجلس عن خوض معركة الخلع لصالح المرأة ألا يعني هذا أن سقف الثقافة الرجالية يهيمن حتى على وعي العضوات اللواتي تفادين خوض مناقشة سيسجلها تاريخ المجلس.
ثالثاً: استحضار أنماط رجالية مثالية لا يمكن تعميمها في الواقع.
يستحضر المناقشون لموضوع الخلع ملامح الرجل الذي تمارس ضده الزوجة الخلع باعتباره رجلاً كريماً معطاء يحب بيته لكنه يتعرض للغدر من زوجة شريرة غادرة تستولى على إنجازاته وتحويشة عمره ثم تخالعه وتستولي على الأبناء أيضاً ويظهر الرجل هنا باعتباره مخلوقاً طيباً يكتب الشقة باسم الزوجة ويسافر ليعود فيجد نفسه مخلوعاً وقد تزوجت امرأته بآخر.
كما يؤكد المناقشون أن الرجال يتمتعون بكرامة ورجولة تمنعهم من الإبقاء على الزوجة رغم أنفها ونتساءل هنا هل ينشغل الرجل الذي يعذب زوجته ويظلمها بموضوع مظهره الأخلاقي وملامح رجولته؟ وهل تمنع الإدانة الأخلاقية الزوج الشرير من ممارسة شره وظلمه أم يمنعها القانون بقدرته الرادعة.