كي تتعلم وتفهم



سندس جليل العباسي
2008 / 2 / 11

تأملات في رجل شرقي

شاهدت على احدى القنوات العربية البرنامج اليومي الامريكي الشهير (اوبرا) والذي تقدمه (اوبرا وينفري) وكانت تستضيف فيه احدى النساء الامريكيات والتي تعرضت طوال عشر سنين من الزواج للاساءة الجسدية واللفظية على يد زوجها وامام اولادها، فقررت الانتفاض وذلك بعدم الاستكانة لواقعها ورفعت دعوى ضد زوجها تتهمه بالعنف الجسدي واللفظي واذلالها امام اولادها ...فجاء قرار المحكمة منصفا لها بعد سماع الشهادات والحكم على الزوج بالسجن ست وثلاثين عاما!! وان احسن السيرة والسلوك فلن يطلق سراحه الا بعد مضي عشرين عاما... ولفت انتباهي كلام محامية المدعية، اذ ختمت مرافعتها بالرد على كلمة كان زوج المدعية يرددها دائما للزوجة لتبرير عنفه لها (كي تتعلم وتفهم!!)، ووجهت كلامها للزوج بانه قد حان الوقت له (ليفهم ويتعلم) ...
وبالطبع من المستحيل ان يحصل هذا في بلد شرقي مثل بلدنا المتخم بالعنف والتقاليد والاعراف والموروثات المدعومة بالفقه الديني بحيث لم تترك للمراة أي خيار لتبتعد عن سطوة واستبداد نصفها الاخر ... وبالطبع ايضا لا استطيع ان اطلب من قضائنا بان يحكم ولو بسنة واحدة على رجل لسوء معاملته للمرأة، في حين انه ومن سخرية القدر، ان قضائنا يحكم على الارهابي الذي يشارك في زرع العبوات وتفخيخ السيارات وتفجير الاسواق والجوامع والكنائس بالحكم لفترة تتراوح من ثلاثة الى خمس سنوات ...!!!
كما ان هناك الكثير من رجال الدين الذين يتداولون عدد من الاحاديث ونسبتها الى الرسول الكريم، وحاشى لله ان يقولها الرسول وهو الذي كرمه الله باحسن الخلق وارسله رحمة للعالمين، ومن هذه الاحاديث المنسوبة "ان من مبطلات الصلاة مرور امرأة امام المصلي أو سماع صوت الحمار..." ، والقصد جلي من وضع هذا الحديث وهو إذلال المرأة ليس إلا. فضلا عن ذلك، درج البعض على تعليم اطفالنا واولادنا عند مرورهم بفتاة او امراة متبرجة، حسب مفهومهم للتبرج، خلال شهر رمضان على ترديد عبارة(اللهم اجعلها في عيني بقرة او قرد..) .أما كان الاجدر بهم ان يعلموهم بدلا عن ذلك عبارة (اللهم اجعلها في عيني كأمي او اختي او اللهم اهدها ) مع التحفظ على الفكرة كلها...
ومن عبث الاقدار ...اعتراض رجال الدين في كل زمكان ومكان على القوانين الوضعية بحجة انها تنافي الاحكام الشرعية او انها من صنيعة الكفار او احكام غريبة لاتمت للاسلام والمسلمين بصلة، الا ان تلك الاحكام الوضعية ستتفق مع قوانينهم حين يتعلق الامر باذلال المرأة ..فقد اجاز القانون العراقي الوضعي في احد بنوده ضرب المرأة لغرض التاديب كما اجاز الشرع ضربها للسبب نفسه ..ولا أخفي ان والدتي رحمها الله قد تعرضت للعنف الجسدي واللفظي ومازالت اختي تتعرض للعنف ذاته من قبل زوجها الاسبارطي المطيع...
حسب علمي ان تطور الشعوب والامم مقرون بحفظ كرامة وانسانية افرادها، فكيف بشعوب تمتهن وتذل وتستعبد اهم ركن من اركانها وعلى يدها تبنى الاجيال!!؟ ..هل لهذه الشعوب مستقبل؟ أشك في ذلك ...لذا ادعو رجالنا باختلاف مذاهبهم وعقائدهم واتجاهاتهم الى حفظ انسانية نصفهم الاخر والسعي لعدم معاملتها ككائن خاضع هامشي يتخفى خلف جدران العرف والتقاليد ولا يرى العالم الآخر إلا بعيون مذعورة منطويا على نفسه متدثرا في حجاباته...
والوقت قد حان ليفهم ويتعلم نصفنا الاخر من ذوي ( العمامة والجبة والعقال والدشداشة والجينز والقميص) كيف يجتاز عقبة العصور الوسطى ويضع اقدامه بكل جرأة على عتبة عصر جديد ملؤه الاحترام المتبادل والتنافس الشريف لخدمة العراق، وان لا فرق بين رجل وأمرأة إلا بمقدار ما يبذل في خدمة العراق.