المرأة السورية بين ثنائية السياسة وحقوق الإنسان



مسعود عكو
2008 / 3 / 4

على الرغم من أن الدستور السوري حمى الحياة الزوجية، وتكفل بإتاحة جميع الفرص للمرأة، وذلك وفق المادة /44/ من الدستور ونصها:1-الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية، وتحميها الدولة. 2- تحمي الدولة الزواج، وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية، والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة، والطفولة، وترعى النشء، والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.
أما المادة /45/ : تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة، والكاملة في الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها، ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.
إلا أنه، وكتطبيق واقعي لهذا الدستور، وبغياب حرية التعبير، والممارسة السياسية، والحقوقية، ظلت المرأة السورية بمساواة مع الرجل في هذا المنوال، وكما قمعت الأحكام العرفية، وحالة الطوارئ التي تعيشها سوريا منذ استلام البعث زمام السلطة في البلاد منذ آذار 1963، قمعت كل الحركات السياسة التي قادها رجال المعارضة في سوريا، لم تكن المرأة السورية مستثنى من هذا القمع، وانتهى المطاف في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم بالعشرات منهن في غياهب سجون النظام، وخاصة من أعضاء حزب العمل الشيوعي.
شاركت المرأة السورية في السياسة منذ بداية تأسيس سوريا، وهناك العشرات من الشخصيات السياسية، والثقافية، والأدبية اللائي لهن أسماء لامعة في هذا الجانب. على سبيل المثال انتخبت وصال فرحة بكداش كعضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري بعد تأسيس الحزب في عام 1934، وفي 7 أب 1976 عين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، نجاح العطار وزيرة الثقافة والتوجيه الوطني، في حكومة عبد الرحمن الخليفاوي، وكانت أول امرأة تصبح وزيرة في سوريا، كما عينت أخيراً كنائبة لرئيس الجمهورية للشؤون الثقافية، وهي أول امرأة عربية تصبح نائبة للرئيس. واستمرت إلى الأن تقليد النساء السوريات في مناصب رسمية، وحكومية، وكان لأعضاء حزب البعث النصيب الأوفر في ذلك.
قمع النظام كافة حركات المعارضة له، وانتهى المطاف بأغلبية أعضاء تلك الأحزاب، والتنظيمات في السجون، أو المنفى خارج البلاد، ولا تنسى أسماء نساء سوريات هن اليوم، وبعد خروجهن من السجن قيادات المرأة السياسية السورية المعارضة، والناشطات في مجال حقوق الإنسان، والمجتمع المدني. كمثال حسيبة عبد الرحمن، ناهد بدوية، سميرة خليل، لينا المير، وأخريات.
عينت حسيبة عبد الرحمن، كأول امرأة سورية، عضوة في مجلس أمانة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا في أيلول 2000 وتلتها أخريات كسلوى زكزك، مزن مرشد، د. منى عبيد، ملك الحسيني، ورهاب البيطار. أما رزان زيتونة فقد كانت الناشطة الوحيدة في جمعية حقوق الإنسان في سوريا، في بدايتها، قبل أن تنضم ناشطات أخريات إلى الجمعية فيما بعد، وتلتها أخريات. ومؤخراً وكخطوة لم يسبق مثيلها في المعارضة السورية؛ تم انتخاب د. فداء أكرم حوراني كرئيسة للمجلس الوطني لإعلان دمشق، وهي ما تزال معتقلة مع ثلاثة عشر شخصاً من قيادي إعلان دمشق منذ ديسمبر 2007. وهناك اليوم العشرات من الناشطات السوريات في المجتمع المدني وحقوق الإنسان والسياسة، أبرزهن سهير الأتاسي، د.مية الرحبي، مجدولين الحسن، ندى الخش، خولة دنيا، جيهان أمين، مزيد عبدو، جميلة صادق، سيرين الخوري وأخريات.
كردياً؛ مارست المرأة الكردية العمل السياسي منذ بداية تأسيس الأحزاب الكردية في خمسينات القرن المنصرم، وكتبت كل من الكساندرا كولانتاي القيادية الشيوعية، والكاتبة البوليسية الأمريكية أجاثا كريستي، عن المرأة الكردية، ومشاركتها السياسية، والثقافية، وحتى الاجتماعية.
إلا أنه كان لنشاط حزب العمال الكردستاني الفضل الأكبر في توعية المرأة الكردية، وضرورة إيلاجها في هذا المضمار، وتطوعت الآلاف من الفتيات الكرديات في الكفاح المسلح، مثال الأخوات الثلاث الشاعرة دلشا يوسف، زاخو، والشهيدة روزا، وكذلك الشهيدة شيلان كوباني، ولم تعلن أسماء صريحة لهن لأسباب أمنية، وتحفظية حيث كان معظم النشاط السياسي الكردي بشكل سري، ولم تتقلد المرأة الكردية أية مناصب قيادية في الأحزاب الكردية، كما ظل نشاطها مقتصراً على ملفي المرأة، والنشاط الثقافي.
لكن هناك شخصيات نسائية كردية، قدمن العون في هذا المجال، ولن ينسى التاريخ الكردي سيدة فاضلة مثل نازلي "أم فؤاد"، والتي حولت بيتها الكائن في حلب إلى منتدى سياسي، وثقافي لا مثيل له حتى هذه اللحظة. وتعتبر ديا جوان "أم جوان" الشاعرة الكردية المعروفة رائدة في العمل الثقافي، وناشطة نسائية، كما تعتبر د. روفند تمو وهرفين أوسي السباقات، وهما عضوتان في مجلس إدارة اللجنة الكردية لحقوق الإنسان ومجلس إدارة تيار المستقبل الكردي، وهن أول نساء كرديات يعملن في قيادة تنظيمات سياسية، وحقوقية كردية بشكل علني، بالإضافة إلى نالين قنبر، والتي كانت المنسق العام للوفاق الديمقراطي الكردي السوري.
إن الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في سوريا، وقمع حرية التعبير، والتعامل الأمني مع كافة المسائل المدنية، وعدم الترخيص للأحزاب، والتنظيمات السياسية، والحقوقية، وفعاليات المجتمع المدني؛ أدت إلى حسر نسبة النساء الناشطات في هذه المجالات، وكذلك تلقين الناشطات السياسيات دروساً قاسية من السجن، أدت إلى تحفظ الفتيات الشابات اليوم الانخراط في العمل السياسي، وحتى الحقوقي، أو أي عمل مدني يثير حفيظة الأمن.
الأحوال السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية العامة في سوريا، حسرت دور المرأة كأم، وربة منزل فقط، مع وجود أمثلة بسيطة عن نساء عملن في مجال حقوق المرأة، على سبيل المثال لا الحصر نوال يازجي، د. مية الرحبي، سوسن زكزك، دعد موسى، صباح حلاق، سوسن رسلان، هند عبيدين، وآخريات. وحسرت الدولة العمل في هذا المجال، وبشكل شبه قطعي عن طريق مؤسسة الاتحاد النسائي العام، وهي منظمة رديفة لحزب البعث الحاكم في سوريا، بالرغم من ترخيص بعض الجمعيات المهتمة بهذا المجال، إلا أنه منعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي تترأسها ديالى الحاج عارف، التعامل مع رابطة النساء السوريات، وسحبت ترخيص جمعية المبادرة الاجتماعية.
لم يقتصر العمل السياسي، والحقوقي على العنصر الذكوري في سوريا، بل كانت هناك دائماً دعوات من الناشطين لمشاركة المرأة السورية في الحياة السياسة، والحقوقية، وتظهر تدريجياً أسماء جديدة في هذا المجال، إلا أن أعدادهن قليلة جداً بالمقارنة مع نسبة الرجال المشاركين، كما أن تواجد نسبة نسائية ناشطة في السياسة، وحقوق الإنسان، والمرأة لدليل واضح على تطور المرأة السورية، ومحاولتها التعبير عن آرائها بكامل حريتها، ووجوب ممارسة دورها الحقيقي كنصف المجتمع، وتعتبر شريحة المرأة السورية نفطاً خاماً لم يستثمر بعد.
فهل تستطع الأحزاب، والمنظمات السياسية، والحقوقية أن تقوم بهذا النشاط، أم ستبقى المرأة السورية محجوبة عن هذا المجال، أو بمشاركة متواضعة؟؟؟ سؤال المستقبل وحده كفيل بالإجابة عليه!!!