المرأة الفلسطينية والاضطهاد المركب



عطا مناع
2008 / 3 / 8

مع سقوط كل شهيد على الأرض الفلسطينية تتجه الأنظار إلى الأم التي باتت تدفع الثمن الأكبر للجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبنا الفلسطيني المحاصر، ومع كل حملة اعتقالات ينفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية تتحمل الأم الفلسطينية الوزر الأكبر من تبعات اعتقال ابنها وتشاهد في معظم الأحيان تنكيل جيش الاحتلال بالابن أو الزوج أو الحفيد وتتحمل بعد ذلك مشاق الزيارة في السجن هذا إذا سمح لها بالزيارة في ظل قانون المنع الأمن الذي اقر إسرائيليا والقاضي بمنع حتى الأقرباء من الدرجة الأولى ومنهم إلام من زيارة الابن القابع في سجون الاحتلال، والمعايش لهذا الواقع المؤلم يستطيع أن يقف على مدى الألم والمعاناة التي تعيشها المرأة الفلسطينية التي تعاني الظلم المركب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

بتصوري فقد تجاوزت المرأة الفلسطينية بمعاناتها اليومية الحديث عن حقوقها بطريفة يتناقض مع المضمون الحياتي التي تعايشه ، فالبرغم من أهمية يوم المرأة العالمي لما له من بعد تضامني وطبقي يعكس معاناة المرأة ويعبر عن أهمية التعامل مع المرأة بعيدا عن الديكور والوصفات الجاهزة التي عززت حالة التردي التي تعيشها المرأة الفلسطينية بشكل خاص والعربية على وجه العموم، فان الوقوف على واقع هذه الشريحة الهامة يقتضي الابتعاد عن التعميم لأننا بالتعميم نهرب من الواقع المزري التي تعيشه المرأة الفلسطينية وانعكاساته على مستقبلها.

وقد يكون من المعيب علينا كفلسطينيين أن نمر عن الثامن من آذار دون وقفة حقيقية مع الذات من شأنها دعم المرأة الفلسطينية والتخفيف عن كاهلها ما تحمل من أثقال بعيد عن التزمت والاختباء خلف الشعارات والمفاهيم التبريرية التي تكرس حالة القهر للمرأة الفلسطينية، نحن بحاجة لوقفة حتى في ظروفنا العصيبة لننصف المرأة التي قد تكون الأم أو الزوجة أو الأخت، لأننا بهذا الفهم نستطيع أن نعزز جبهتنا الداخلية والحفاظ على مبرر بقاءنا واستمرارية وجودنا ومواجهتنا لسياسات الاحتلال التدميرية التي وضعت على رأس أجندتها هدف تهميش المرأة في فلسطين.

عندما نتحدث مليون أسير فلسطيني اعتقلوا منذ عام 1967 وعشرات آلاف من الشهداء والجرحى سقطوا وأصيبوا في مسيرته تحررنا من الاحتلال تحضر المرأة تلقائيا، ليس هذا وحسب فالاحتلال استهدف المرأة كغيرها من شرائح المجتمع الفلسطيني بالاعتقال وإطلاق الرصاص والتنكيل المشين على الحواجز، بمعني آخر كل ما تتعرض له شرائح المجتمع الفلسطيني من قبل دولة الاحتلال ينعكس على المرأة وتدفع الثمن مضاعفا مما يفرض على المنظومة الاجتماعية والسياسية إنصافها بعيدا عن التعامل معها بالشعارات التي فشلت في أول ممارسة عملية .

أن الاضطهاد المركب للمرأة الفلسطينية ارتبط بالاحتلال، ولكن هناك الموروث المجتمعي الذي لم ينصف المرأة حيث يتم النظر إليها بدونه في أوساط واسعة وان اختلفت الممارسة، فقد ازدادت الممارسات القمعية للمرأة الفلسطينية في الآونة الأخيرة لترتفع نسبة جرائم القتل باسم الشرف وبشكل ملفت للنظر، وعدم إنصافها في سوق العمل الفلسطينية فهناك التفرقة بينها وبين الرجل في الأجر الذي تتقاضاه وفي فرصة العمل مع بعض الحالات الشاذة، حتى أن البعض تعامل مع المرأة كائن مختلف لا يحق له ممارسة الحياة بالشكل الطبيعي، فما زالت ماثلة في الأذهان التهديدات التي استهدفت طالبات الجامعات في قطاع غزة والمطالبة بعد التعامل مع مقاهي الانترنت الملتزمة التابعة لمؤسسات أكاديمية.

أصبحت المرأة الفلسطينية ضحية لعده أشكال من العنف وقد دفعت الفاتورة مقدما، فلا زالت احدث الاقتتال في غزة تلقي بظلالها على الشعب الفلسطيني وعلى المرأة بالتحديد، هي التي شاهدت زوجها أو ابنها يذبح على أيدي المليشيا المسلحة، لا أناقش الأسباب هنا لان النتائج جاءت مغايرة لأننا دفعنا ثمنا باهظا مقابلها ولا زلنا، مما يطرح السؤال الكبير: هل نحن كعلمانيون ومتدينون أنصفنا المرأة الفلسطينية؟ أم نتعامل مها كسلعة وواجه لتمرير سياساتنا حتى الوطنية منها، من يعتقد غير ذلك فليفسر لي لماذا يتم التنكيل بأمهات وزوجات الأسرى عند استلام مستحقاتهم، كيف تتعامل مؤسساتنا الرسمية والغير رسمية مع المرأة، ماذا عن حالات كثيرة من الامتهان نسمع بها بين الحين والآخر.

لا باس من نحيي يوم الثامن من آذار، ولكن علينا أن نعترف بأننا لا زلنا في ذيل الأمم التي تعطي المرأة حقوقها، ولا زلنا نتعامل مع المرأة ككائن بلا حقوق، هناك من يحدد للمرأة ماذا تلبس ومن ستتزوج ، هناك من فتح بنكا يوزع منة الفضيلة والرذيلة على المجتمع، وهناك من يعبث بنسيجنا ، وهناك من يختفي خلف الشعارات ، لكن الحقيقة أن المرأة في مجتمعنا مضطهدة كما بقية الشرائح وكما الرجل، والأكيد أنها تعيش الاضطهاد المركب من الرجل والمجتمع وأحيانا من الذات، في النهاية لن يستوي مجتمعنا إلا بسن القوانين التي تحفظ حقوق المواطنين بغض النظر عن جنسهم، فالمساواة محرك فاعل للتحرر السياسي والاجتماعي، وطالما نعيش عدم مساواة واضطهاد للمرأة سنكون بعيدين عن حريتنا السياسية والفردية.