عشوائية اقحام المراة في السياسة..العراق نموذجا



علاء الهويجل
2008 / 3 / 13

كان الغزو الأمريكي للعراق سببا في بناء واحدة من الديموقراطيات "المفتوحة "في منطقة الشرق الأوسط ومنعطفا مهما في رسم دور جديد, سيئا كان أم جيدا , للمرأة العربية في الحكم الرشيد مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الغزو رافقه العديد من الأخطاء المقصودة وغير المقصودة بما في ذلك أخطاء شابت بناء هذه الديموقراطية فضلا عن بعض الأخطاء التي صاحبت دمج المرآة في العملية السياسية في البلاد.
عراق ما بعد الغزو أصبح نموذجا , بغض النظر عن رأينا في هذا النموذج , لمجتمع ينتقل كليا من دكتاتورية مغلقة إلى ديموقراطية مفتوحة على جميع الاتجاهات والاحتمالات والتخندقات فيكف سجلت المراة حضورها في هذا البناء الجديد وكيف تعامل المجتمع مع هذا الحضور .
فالعرب المتهمون من قبل الغرب بتحييد دور المراة وقمعها وجدوا أنفسهم أمام نموذج ديموقراطي رعته الولايات المتحدة الأمريكية بعد غزوها للعراق في 2003 حيث كان الراعي الأمريكي قد وضع في حسابه مسبقا تغيير وضع المراة إلى ما يشبه دورها في الغرب مقابل نظرة المجتمع العراقي إلى المراة وفق منظاره الديني والمجتمعي المحافظ الموروث فكيف إذا كانت المراة العراقية بين النظرتين وما هو وضعها طبقا للفلسفتين المتعاكستين .

مثال 1 ( نساء داخل الكوتا )
صادف في أواخر عام 2007 أن قمت بزيارة إلى إحدى بلدات جنوب العراق الهادئ نسبيا والبعيد بعض الشيء عن العنف والاحتراب الطائفي .
وعلى غير ما كنت أتوقع وجدت بلدة (الشطرة) التابعة لمحافظة ( ذي قار ) النائمة على ضفاف إحدى فروع نهر دجلة غارقة في الحزن وتلف شوارعها اللافتات السوداء , الأمر إذا جلل ولابد من أن المدينة الصغيرة هذه قد أصيبت بمقتل أو بفقد لأحد رجالاتها .
غير أن ما لفت انتباهي هو إن البلدة الذكورية هذه لم تكن مفجعة على رجل بل الحزن كان لوفاة امرأة برلمانية وهي النائبة الشيعية عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد (نضال الطعان) ,ما يبعث على التساؤل , هل بلغ التعاطف الشعبي مع برلمانية سياسية إلى هذه الدرجة المتسامية في بلد كان يتعامل مع ساسته إلى وقت قريب بالسحل والتمثيل لجثث ساسته الموتى على مدى عقود .
وهل نجحت الفقيدة , وهي التي دخلت البرلمان طبقا لنظام الكوتا , في معترك السياسة إلى درجة كسبت بها ود الكثيرين من الذكوريين المعدمين والمتذمرين بسبب تردي الخدمات وانتشار البطالة ؟
الجواب كان مدهشا وغريبا كذلك حيث ان التعاطف الشعبي هذا كان سببه النضال الأسطوري للفقيدة أبان كانت مواطنة عادية ضمن صفوف العامة في زمن نظام صدام حسين وليس الكثير من الثناء عليها إبان تسنمها لموقعها السياسي في العهد الجديد.
فطعان هذه كانت "امرأة حديدية "حين كانت معلمة بسيطة ابان حكم صدام في إحدى مدارس المدينة وهي تجاهر علانية بعدائها لصدام, الذي كان اعدم ثلاثة من أشقاءها في ثمانينات القرن الماضي بدعوى انتمائهم إلى تنظيم حزب الدعوة المحظور آنذاك.
وقال لي احد تلاميذها السابقين إنها كانت تنتقص من شخص صدام علانية أمام الطلبة وتجاهر في انتقاد نظام حكمه في زمن كان فيه مثل ذلك التصرف يودي بحياة صاحبه ,وكانت تقول أنها لن تخشى أي شخص يحاول الوشاية بها إلى رجال البعث في المدينة , حتى تم فعلا فصلها من وظيفتها بسبب مواقفها من النظام .
كل الذين تحدثوا معي كانوا مبهرين بشخص النائبة ومقارعتها العلنية لنظام حكم صدام فهي لم تستسلم للضغوط النفسية والمادية التي تعرضت لها آنذاك و استعانت بالعمل على ماكنة خياطة لإعالة أبناء أشقاءها المعدومين وتفانت في تضحيتها إلى درجة إنها أعرضت عن الزواج في سبيل رسالتها النضالية ضد نظام الحكم .
كل ذلك كان يدل على قوة تلك المراة وشجاعتها غير إن المثير للانتباه أن الطعان لم تحقق نجاحا داخل البرلمان يوازي نجاحها ( المنزلي ) هذا ولم يذكرني احد هنا بمزايا ذات أهمية تذكر لها بعد دخولها البرلمان سوى بذلها من مالها الخاص للفقراء والمعوزين في مدينتها , كما لم يذكرني أرشيف مجلس النواب العراقي بعلامة فارقة للنائبة الفقيدة.
فهل فشلت المراة العراقية في نقل نجاحها الكبير من بيتها إلى الساحة السياسية ,أم أن النموذج البرلماني الجديد الذي فرض نظام الكوتا وادخل المراة باستحقاق وبدون استحقاق الى المعترك السياسي وإقحامها داخل قوائم الأقوياء الانتخابية وصادر صوتها داخل تلك القوائم هو السبب , أسئلة كبيرة.

المراة في البرلمان العراقي


ينص الدستور العراقي في الفقرة رابعا من المادة 47 ضمن الباب الثالث منه على " أن قانون الانتخابات يستهدف تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب " وهذه هي الكوتا التي أرى إنها كانت بإيحاء من الراعي الأمريكي حرصا منه على تواجد مؤثر للمراة في قمة الهرم التشريعي في البلاد .
غير إن هذه الكوتا لم تعكس على ارض الواقع أي تأثير يوازي الحجم الكبير للتواجد النسوي داخل البرلمان إذا ما قورنت بكتل برلمانية حزبية اقل حجما غير إنها كانت أكثر تأثيرا .
ورب معترض يقول ان هذه الكوتا مشتتة ومقسمة بين باقي الكتل الحزبية وهي لم تدخل للبرلمان على أساس حزب واحد أو تكتل سياسي واحد حتى ننتظر منها أنجاز ما .
غير أن هذا الطرح ربما يكون مقبولا لو لم نرصد خمول العنصر النسوي حتى داخل الكتل نفسها وخمولها في البرلمان عموما على حساب حقوق المراة العراقية والأسرة وعلى ذلك أمثلة متعددة .
_ فالنساء اللواتي يستحوذن على ربع مقاعد البرلمان لم ينجحن في الحصول سوى على رئاسة لجنتين من لجان البرلمان الدائمة والبالغ عددها 25 لجنة حيث تترأس النائبة الاء الطالباني لجنة ( مؤسسات المجتمع المدني ) بينما تترأس النائبة سميرة الموسوي لجنة ( المراة والأسرة والطفولة ) وربما كان الحياء يقف سببا وراء منح هاتين اللجنتين للنساء فلا يعقل منح لجنة المراة مثلا لرجل داخل البرلمان وهو من باب تعيين امراة في ركن الملابس الداخلية النسائية داخل متجر كبير يديره الرجال بنجاح .
ولا نحسب فشل المراة في رئاسة العدد المناسب من لجان البرلمان إلا لضعف المراة البرلمانية العراقية وفشلها في فرض شخصيتها القيادية على زعماء الكتل البرلمانية وعلى الناخب العراقي من قبله .
_ ومن الأمثلة هي أننا لم نرصد المراة البرلمانية زعيمة لأي تكتل برلماني على الإطلاق بل لم تكن حتى الشخصية الثانية في هذه التكتلات ولم تتزعم انشقاقات ولم تسهم بها وان كنا رصدنا بروز النائبة صفية السهيل كشخص ثاني خلال الحملة الانتخابية للقائمة العراقية التي يقودها الدكتور أياد علاوي غير أنها عادت وانسحبت من هذه القائمة بسبب اتخاذ قيادة الكتلة القرارات بدون علم أعضاء القائمة حسب وصف النائبة.
ورب معترض يقول إن واقع المراة هذا ربما كان نموذجا لقمع حرية المراة في البرلمان ومنهج لفرض الذكورية عليها من قبل ثلاثة أرباعه من الرجال وليس نموذجا لضعفها ولا يجوز إلقاء اللوم على المراة في هذا الفشل السياسي بل يجب توفير الدعم و الحث للضحية المراة .
غير إني وان كنت أرى ذلك اعتراض واهي فاني أحب أن اذكر القراء بحقيقة ربما تكون غافلة عن كثيرين وهي الخطوة التي أقدمت عليها نحو 37 نائبة برلمانية بتشكيل كتلة برلمانية نسوية كانت تجسيدا لفشل البرلمانيات وتكريسا للنظرة الدونية للمراة داخل البرلمان واليكم بعض تفاصيل إنشاء هذه الكتلة .
فقد أعلن رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني في شهر سبتمبر من العام 2007 عن تأسيس الكتلة النسوية في البرلمان العراقي خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة العراقية بغداد .
المشهداني قال " بصفتي رئيسا لمجلس النواب العراقي يسرني أن أعلن في هذا اليوم التاريخي عن ميلاد الكتلة النسوية لمجلس النواب العراقي" وتلك بداية جيدة وتبرير معقول لقيام رجل مثل المشهداني بإعلان انطلاق كتلة نسوية وليس أي نائبة أنثى .
غير إن أهداف تشكيل الكتلة التي أعلنها المشهداني لم تكن بالمستوى المطلوب ولعل الجميع يعلم إن الساسة عندما يشكلون أي تكتل يذهبون بعيدا في وعودهم وأهدافهم ما دام الأمر يقتصر في البداية على القول فقط غير إننا فوجئنا أن الأهداف المعلنة كرست تراجع دور المراة داخل البرلمان حيث أعلن المشهداني إن الهدف من هذا التكتل هو( لتأكيد العمل الجماعي المشترك ) و ( لتقريب وجهات النظر المختلفة ) و ( لدعم المواقف الموحدة ) و ( لتفعيل دور المراة في صنع القرار السياسي) و ( متابعة قضايا الأرامل والأيتام وعوائل الشهداء ) .
إذا فنحن هنا لسنا أمام صنع ماركريت تاتشر جديدة ولا انديرا غاندي او بنازير بوتو نحن هنا امام برلمانيات يعملن على "تأكيد العمل الجماعي "وليس لتعزيز عمل المراة كقوة فاعلة في المجتمع العراقي الجديد ونحن هنا "لتقريب وجهات النظر " وجهات نظر الفرقاء من الرجال وليس لطرح وجهات نظر نسوية مستقلة ساندة ومعززة لكيان المراة في المجتمع, و"لدعم مواقف الآخرين" .. الآخرين .. وكأننا انتهينا من دعم موقف المراة ذاتها لنقوم بعد ذلك بدعم الآخرين , و"لتفعيل دور المراة " وهو اعتراف ضمني بان دورها الحالي غير فعال وغير مؤثر ومن ثم "متابعة الأرامل والأيتام" ولسان حالي هنا ليس ببعيد عن مثالي السابق وهو تعيين امراة في ركن الملابس الداخلية للنساء في متجر يقوده الرجال بنجاح مع احترامي لشرف متابعة قضايا الأرامل والأيتام في بلد مثل العراق .
هذه الكتلة التي تشكلت من 37 نائبة برلمانية من اصل نحو70 نائبة برلمانية ,كرست كما قلت حقيقة الدور الصغير للمراة العراقية داخل البرلمان والتي لم تنجح حتى باختيار رئيسة لهذه الكتلة وجعلت الأمر شورى , ليس حبا في الشورى طبعا بل لان الكتلة لم تجد نائبة برلمانية قوية واحدة تستحق دعم باقي البرلمانيات لتنصب رئيسة على التكتل النسوي هذا والذي لم يحظى سوى بعضوية نصف البرلمانيات فقط .
ولا يخفى على الجميع الفشل الذريع الذي لحق بهذا التكتل النسوي والذي لم نسجل له أي أنجاز سوى إنجازه الوحيد بإعلان قيامه فقط وعلى لسان المشهداني .
والجدير بالذكر فان النائبة شذى الموسوي العضو المستقلة في الائتلاف العراقي الموحد شككت في قدرة النائبات المنتميات إلى هذا التكتل النسوي بالانفراد بقراراتهن بعيدا عن رأي قرار رؤساء الكتلة التي ينتمين إليها في الائتلاف أو التحالف الكردستاني أو التوافق وتلك بالطبع شجاعة في الرأي تحسب للموسوي ذات الحضور المتميز داخل البرلمان .
وقالت الموسوي في تعليق لها بعد أيام من الإعلان عن الكتلة "إنها فشلت في الحصول على توقيع النائبات في الائتلاف حول أي قرار أو قانون مؤكدة أنهن لم يقبلن التوقيع على أي شيء سياسي داخل البرلمان بدون اخذ موافقة رؤساء الكتل التي ينتمين لها".
هذا الاعتراف بضعف البرلمانية العراقية لم يكن الوحيد الذي تصرح به نائبة برلمانية عراقية بل ذهبت النائبة عن جبهة التوافق العراقية تيسير المشهداني الى ابعد من ذلك عندما تحدثت عن مشاركة المراة في أي تشكيلة وزارية مرتقبة خلفا لوزارة المالكي حين قالت "نلتمس العذر في حال عدم اختيار نساء ضمن أي تشكيلة وزارية مرتقبة ، لأن الظرف الحالي ظرف استثنائي ويتطلب صلابة وجرأة وقوة، وهذه يمتلكها الرجل".
إذا فالمشهداني تقر هنا بضعف المراة بدءا ثم تحسم بعد ذلك القوة والصلابة والجرأة للرجل فقط
ومن هنا نستطيع أن نتلمس حجم الهوة بين واقع المراة في البرلمان العراقي من جهة وما نتطلع إليه من جهة أخرى قياسا لقوة هذه المراة في الحياة العامة خارج البرلمان .

المراة خارج الكوتا


هذا الإقحام الذي انتقص من المراة في الكيان السياسي داخل البرلمان قابله من جانب أخر بزوغ قوي نسوي للمراة العراقية خارج نظام الكوتا حيث برزت عدد من الشخصيات النسوية الهامة على الساحة السياسية العراقية في مواقع انتزعت انتزاعا من الرجال لصالح النساء حينها كان التواجد النسوي وسيلة لصنع النجاح وليس هدفا .
والأمثلة على "نساء خارج الكوتا "كثيرة غير أني هنا أورد نموذجا هاما وقويا يمكن أن يلقي الضوء على الحضور القوي للمراة بغض النظر عن موقفنا من اتجاهات الشخصية النسوية هذه , واشدد ان ما يهمنا فيها هي الحضور والتواجد فقط أما التوجه فهو يمثلها هي وليس مجال بحثنا الحالي .

مثال 2 (نساء من خارج الكوتا)


وأورد هنا نموذجا مستشارة رئيس الوزراء العراقي ( باسمة لؤي حسون الجادري ) , 69 عاما , عالمة الصواريخ العراقية والشخصية المؤثرة في الدائرة الداخلية لترتيب قوات الامن العراقية , والمراة الحديدية كما يفضل تسميتها بعض الضباط الأمريكيين في العراق.
والجادري هي شخصية تعمل خلف الكواليس السياسية, والمعلومات حول تاريخها العلمي والسياسي شحيحة ومن بعض ما عرفته عنها هو أنها درست إبان حكم نظام صدام حسين في علوم الإحصاء، والصواريخ الموجهة، وأنظمة الرادار وعملت مع هيئة عسكرية آنذاك ، دون أن يسمح لها بالعمل في مجال الصواريخ التي تخصصت فيه كونها شيعية حسبما نقل عنها .
وتقول الجادري في لقاء صحافي وحيد أجرته معها صحيفة ( يو اس أي تودي ) الامريكية في الاول من فبراير 2008 "إن الضباط في زمن صدام كانوا ينازعوني ويحاربونني بكل الوسائل" مضيفة "لقد حصلت على تقدم كبير في علومي وأكثر من كل الرجال الذين عملت معهم، لكنهم لم يعطوني حتى منضدة أجلس إليها كأي موظف".
والجادري , وهي امرأة لم تتزوج لغاية الآن في تشابه لمثالنا السابق , كانت سببا في أزمة خفية بين واشنطن وبغداد حيث يتهما الضباط الأمريكيين في العراق بالتدخل السلبي في تعيين عناصر قوات الأمن العراقية باعتبارها مسئولة عن اللجنة التي تقرر من بين أمور أخرى من يحق له الانضمام إلى قوات الأمن العراقية .
ونقلت الصحيفة الامريكية عن الجنرال ديفيد فيليبس المسئول عن تدريب القوات العراقية قوله إن هذه المراة تشكل عائقا كبيرا أمام المصالحة، ويجب أن تكون ضمن المسئولين العراقيين الذين يحظر عليهم تقلد المسؤوليات ( طرد خارج الكوتا ) بسبب رفضها دمج السنة في الجيش.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجادري ترفض تلك الاتهامات وترد بالقول إن العراقيين هم من يحددون مصير بلدهم وليس الأمير كيين وتتهمهم بأنهم يريدون حلولا سريعة، بينما تقول هي إنها تريد بناء حكومة خالية من العنف الطائفي والمليشيات والقاعدة..
الجادري تمضي بعيدا في مواقفها القوية أمام أقوى تواجد عسكري في البلاد حين ترد على اتهامات الضباط الأمريكيين قائلة "لقد تعاملت مع الرجال لفترة طويلة".. وتضيف "أستطيع أن أعالج المسألة مع الضباط الأميركان".
ومثلما خسرت الطعان , مثالنا السابق , ثلاثة من أشقاءها عن طريق إعدامهم خسرت كذلك الجادري كل من عمتها وعمها والذين سحقا حتى الموت عام 2005، مع أكثر من ألف عراقي آخرين قتلوا في تدافع على جسر ألائمة أثناء زيارة دينية شيعية .
وبرغم أنني سالت قائد شعبة الاتصالات في الجيش الأمريكي الأدميرال غريغوري سميث حول حقيقة ما يثار عن المراة الحديدية إلا أن سميث نفى كليا التقارير التي تحدثت عنها يو اس أي تودي .
وأشار سميث إلى إن القوات متعددة الجنسيات في العراق تنظر باحترام كبير للعمل الذي تؤديه الدكتورة الجادري مؤكدا "إنها كانت مضطلعة منذ البداية بدور ساعد على دفع المصالحة الوطنية إلى الأمام كما أنها أظهرت شجاعة وقيادة متميزتين".
ولا يفوتني أن اذكر أن الجادري انتخبت في الجمعية الوطنية العراقية( البرلمان ) قبل أن يكون الدخول فيه بواسطة نظام الكوتا ثم أن هذه السيدة انشقت عن تيار مقتدى الصدر الذي كانت تحسب عليه لتسجل بذلك حضورها الخاص والقوي برغم كل تحفظاتنا عن توجهاتها و آراءها التي تمثلها .

لا ذكر للكوتا في القوات الأمنية


لفت انتباهي وان اتابع التواجد النسوي في مقاعد التشريع أن هذا التواجد لم ينل ذلك التميز في مجال التنفيذ و سوح العمل الجاد وخاصة ضمن القوات المسلحة العراقية .
وقد نجحت في الحصول على تقرير للجيش الأمريكي وزع في ال19 من فبراير 2008 والذي ألقى الضوء على حجم التواجد النسوي ضمن قوات وزارة الداخلية العراقية .
يقول التقرير إن من بين 78 ألف شرطي عراقي هم جميع أفراد الشرطة العراقية , هناك نحو ألف شرطية امرأة فقط أي إن التواجد النسوي ضمن قوات الشرطة العراقية يناهز ال 1,3 في المائة فقط من الجموع الكلي لعناصر الشرطة.
ومن بين هذه النسبة هناك 30 شرطية امرأة فقط من بين 17500 شرطي في محافظة ديالى المضطربة امنيا أي إن نسبة التواجد النسوي في القوات الأمنية في المناطق المضطربة امنيا لا يتجاوز نسبة ال 0,2 في المائة فقط .
التقرير كشف كذلك عن إن الشرطيات العراقيات ليس لديهن أسلحة لافتا إلى أن وزارة الداخلية العراقية تفكر في الآونة الأخيرة بتسليح الشرطيات الإناث .
وليس ثمة مقارنة تذكر بين التواجد النسوي في القوات الأمنية العراقية مقارنة بتواجدهن في قاعة البرلمان إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن البرلمان العراقي في الوقت الحاضر يضطلع بدور حساس ومهم في مستقبل العراق لا يقل ضراوة عن الدور العسكري في البلاد الذي لم تنجح سوى نسبة ضئيلة من النساء التصدي له .


إشارة مقارنة


نظام الكوتا النسائية معمول به كذلك في عدد من الدول العربية مثل المغرب حيث خصص 30 مقعدا من اصل 325 مقعد في البرلمان المغربي و الأردن حيث خصص ستة مقاعد بموجب تعديل قانون الانتخاب 2003 و السودان خصص نسبة تتراوح من 10 الى 35 مقعد للنساء .
بينما ترفض أنظمة أخرى نظام الكوتا مثل تونس والجزائر واليمن ولبنان والكويت والسعودية وقطر والبحرين والأمارات العربية المتحدة وعمان وموريتانيا ومصر وسوريا .
ولا يفوتني هنا أن اذكر و أشير إلى الديموقراطية الكويتية والتواجد النسوي فيها كمثال للمقارنة مع واقع الحال في العراق كون الناخب الكويتي مشابه في وضعه الديني والاجتماعي بنسبة كبيرة إلى المجتمع العراقي غير إن الفرق هو أن الانتخابات البرلمانية التي أقيمت هناك في 2007 كانت بدون نظام الكوتا وكانت النتيجة استنفار نسوي كويتي قوي من اجل انتزاع مقعد برلماني واحد وهذا الاستنفار ساهم كثيرا في كشف قوة المراة الكويتية وقدرتها على صنع مكان لها في المجتمع.
وبرغم إن أي امرأة لم تنجح في دخول البرلمان آنذاك إلا أن ذلك مهد للخطوة الأولى من الطريق الطويل الذي على المراة أن تتبعه لتنال حقوقها كاملة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية فضلا عن انه كشف صورة حقيقية لرغبة الناخب الكويتي .
ففشل المراة الكويتية لم يكن فشلا للمراة المرشحة آنذاك بل كان فشل مغفورا لمجتمع مازال يتلمس طريقه في النجاح وفهم حقائق الأمور كما انه كان مؤشرا للمراة الكويتية نفسها كي تتعلم ما هي الطرق التي يمكن لها أن تكسب بها ود الناخب العربي .
وأنا على ثقة أن الدورة الانتخابية القادمة في الكويت ستشهد بذل الكثير من قبل المراة الكويتية لنيل ثقة الناخب بينما لن تجهد المراة العراقية نفسها في الدورة الانتخابية القادمة في العراق تحت ظل نظامها الديموقراطي سوى بذل القليل لدى قادة القوائم القوية لإدراج أسمائهن في قوائمهم وتتكفل الكوتا بعد ذلك حجز مقاعدهن في البرلمان

الخلاصة


ــ إن بناء نموذج ديموقراطي يجب أن ينظر إلى المراة بالتساوي مع الرجل فنظام الكوتا يعد تميزا عنصريا سلبيا ضد المراة والرجل في ان واحد , لان مجرد فرض تواجد مكون أو جماعة أو طائفة داخل البرلمان ينقص من شان ذلك المكون نفسه ويوحي إلى الناخب بان فرض وجوده من قبل المشرع دليل على اعتقاد المشرع نفسه بان ذلك المكون لن يكون أهلا لثقة الناخب ولن يتمكن من النجاح بدون فرضه الكوتا.
ــ كما إن العنصر النسوي سيكون اتكاليا في مسالة حضوره في البرلمان وبالتالي سنكون أمام نسف لكل جهد ممكن أن تحققه المراة ضمن سعيها السياسي النزيه للوصول إلى البرلمان بالمنافسة.
ــ نجاح المراة في المنزل والذي تمثل بتماسك البيت العراقي طيلة سنوات الحروب والحصار التي مر بها البلد يشير إلى وجود نواة امرأة قوية وقادرة على تغيير الأوضاع وكسب تأييد المواطن غير إن التهافت على دمج حضور المراة عشوائيا في السياسية سيشوه تلك الصورة ويأتي ربما بنساء غير جديرات.
ــ إن المجتمع العراقي كان إلى وقت قريب مجتمع مغلق على تقاليد مخطوءة فضلا عن إن فسحة الأمل والحرية التي صار يحظى بها مؤخرا جاءت بالتزامن مع حضور قوي لأحزاب وكتل دينية متفرقة كرست بصورة غير مباشرة النظرة إلى المراة على إنها عورة لا يحق لصوتها أن يعلو في مؤتمر انتخابي مثلا أو في محفل حزبي تكون فيه القائدة والمنظرة لذا لابد أن يكون البناء من الأسفل عن طريق تثقيف المواطن نحو دور المراة الايجابي وليس بالعكس عن طريق وضع المراة في قمة الهرم بدون استحقاق ولما تزل القاعدة هشة وغير منسجمة مع هذا الحضور و هذا الامر ذاته يجعلنا نتوقع حضور اقل للمراة في البرلمان لغاية اكتمال النضج الشعبي لدور المراة .
ــ لا يخفى إن فرض الكوتا لأي مكون كان يعني مصادرة صوت الناخب إلى حيث لا يشاء أحيانا وهذا بالطبع يتنافى مع دعوات تعزيز البناء الديموقراطي في العراق.