شهادة المرأة في حقوق الإنسان



عصام عبدالله
2008 / 3 / 13

طالبت الدكتورة زينب رضوان، وكيلة مجلس الشعب المصري، بالسماح بتوريث الزوجة «الكتابية» - المسيحية أو اليهودية - والأخذ بشهادة أصحاب الديانات الأخري في مسائل الأحوال الشخصية، ومساواة شهادة المرأة الواحدة بالرجل أمام المحاكم، في إطار تفعيل مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين. وذكرت في اجتماع للجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب مؤخرا، أنه لا توجد أي موانع في القرآن والسنة لتطبيق ما تدعو إليه، وأن الدستور يدعو للمساواة بين المواطنين وهو ما لا يتم تطبيقه .... وسط معارضة ضارية لنواب الإخوان المسلمين .
سبق للدكتورة زينب رضوان أستاذة الفلسفة والشريعة الإسلامية ، ان أثارت موضوع " شهادة المرأة " من خلال ورقة بحثية قدمت في مؤتمر " المواطنة " ، الذي عقد بالمجلس القومي لحقوق الإنسان في نوفمبر 2007 . وإستندت الورقة ، التي أثارت بدورها ردود أفعال غاضبة من جانب علماء الأزهر والفقهاء، إلى كتاب " الإسلام وقضايا المرأة "، والذى أصدرته اليونسكو عام 1998 وتم مراجعته من قبل نخبة من علماء الأزهر فى مقدمتهم الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق، والدكتور سيد طنطاوى عندما كان مفتيا للديار المصرية، والدكتور على جمعة عندما كان أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية، والداعية الإسلامى المعروف المرحوم الشيخ محمد الغزالى.
الجديد هو إعادة طرح هذه القضايا الشائكة " الآن " ، وبإلحاح ، تحت قبة البرلمان . إذ لم يعد الأمر مجرد اجتهاد في بحث علمي يحتمل النقد والاخذ والرد ، أوالرفض والقبول ، كما أن المسألة لا تدخل في باب الترف الفكري والفرقعة الإعلامية في مناخ ملتهب بالهوس الديني . فالأمر جد خطير لسببين متلازمين ، الأول هو تخلف التشريع القانوني فيما يخص وضعية المرأة في الفضاء العربي والإسلامي . فإصرار قوانين الأحوال الشخصية في هذه المجتمعات على عدم إعطاء الحقوق الكاملة للمرأة، يعني ضمنيا وتصريحا أن المرأة دون الرجل .
الأمر الثاني هو أننا أصبحنا ندين بالفعل بما أسميه " دين حقوق الإنسان " ، رغم التصريحات الرسمية العنترية والمتشنجة، التي تصدر من آن لآخر من مسئوليين كبار ، ردا علي تقارير حقوق الإنسان الدولية ، التي باتت تنهمر فوق رؤوسنا كل شهر تقريبا . إذ لابد ، وحتما ، من توفيق أوضاعنا وتعديل تشريعاتنا لتلائم حقوق الإنسان ، بالمعني العالمي لا المحلي ، والحقيقي لا التجميلي.

ولم يعد خافيا علي أحد ، أن المرأة تحتل الجانب الأكبر في منظومة حقوق الإنسان ، وأن أدوارها نغيرت وتطورت في العقدين الماضيين، في حين أن التشريعات القانونية، لا تزال متخلفة على أكثر من صعيد في مجتمعاتنا، فهي واقعيا فاعلة اجتماعية وتشريعيا كائن ناقص ، فاقد الأهلية ، بل ومطلوب منه الطاعة. ومثل هذه الوضعية المتناقضة، تعكس هوة بين الواقع الاجتماعي وقوانين الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية والإسلامية، رغم أن المعروف أن القانون حاجة اجتماعية.

وأثبتت تجارب عديدة أن جرأة التشريعات القانونية وسن قوانين تقدمية تنسجم مع تطلعات المجتمع إلى التقدم والتنمية والتطور، يمثل حصانة قوية للمرأة وللمجتمع ككل، أي يمكن أيضا للمدونة القانونية أن تكون أقوى وأكثر تقدما من المنظومة الثقافية السائدة في المجتمع ومن الواقع الاجتماعي نفسه، إلى أن يتم التوازي بين البعدين بفعل تراكم التجربة الاجتماعية مع الزمن الذي يتيح للقيم والقوانين فرصة التغلغل والأستقرار.
في العقدين الماضيين ، حققت المرأة المصرية مكاسب مشهودة ، بعد أن خاضت معارك ضارية ضد الظلاميين في قضايا الخلع و إلغاء الختان وقوانين الجنسية ومحكمة الأسرة وغيرها . بالتوازي مع حملة إعلامية وثقافية واعية استقطبت تيار قوي من المثقفين والصحفيين والدعاة المستنيرين والقانونيين ، فضلا عن جهود المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ، أسفرت في النهاية عن نتائج باهرة في وقت قصير .

ان تعزيز الحقوق القانونية للمرأة المصرية ، وتقديم تفسيرات وشروح غير تقليدية للشريعة الإسلامية ، كان هو المنطلق لتحقيق ذلك ، وحسبما جاء في محاضرة منى ذو الفقار المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان ، بمعهد الشرق الأوسط بالولايات المتحدة : " لماذا تستخدم الشريعة لتقييد حرياتنا ولا تستخدم من أجل إطلاقها؟ إنها يمكن أن تصبح مصدرا للتحرير . فإذا تم شرح النصوص وتفسيرها بشكل صحيح، نجد أنها مصدر للتحرر، ومصدر للمساواة ومصدر للحرية."
وكررت هذه النقاط العريضة في محاضرة آخري في جمعية المحامين الأمريكيين بواشنطن العاصمة ، مشيرة إلى أنها وزملاؤها من الناشطين وجدوا أن الشريعة الإسلامية تعطي المرأة المسلمة الحق في إنهاء عقد الزواج من جانب واحد ، علي سبيل المثال . تقول : " لقد ناضلنا كثيراً من أجل تغيير القانون، وأفضل ما في تغيير القانون هو أنك حين تناضل من أجل تغييره فإنك تغير الأفكار السائدة أيضاً. إننا ندعو إلى تغيير العادات والتقاليد المتبعة، وبذلك نغير الثقافة السائدة." ... وهو ما تفعله المناضلة زينب رضوان الآن .