المرأة العربية بين التغريب والتغييب



فاطمه قاسم
2008 / 3 / 24

لقد لفت انتباهي , مقال , تحت عنوان " عبادة أنثى " الذي نشر في دنيا الوطن في 29 سبتمبر 2006 والذي ذهب بنا كاتب المقال بعيدا , في تعقب الجذور البعيدة للحضارة الغربية , التي انطلقت منها الحركة النسويه العالمية " "FEMINIUM وبقية الظواهر المرضية والمقلقة , التي تتفشى في أوروبا , وأمريكيا , وتهدد بالانتشار إلى كل أنحاء العالم , بما فيها بلادنا , التي نعيش فيها , وهى المنطقة العربية , ومحيطها الأقرب الدول الإسلامية .

والنقطة الأبرز

والتي نراها ملحة , ونحن نقرأ الظواهر الخطيرة التي تجتاح الغرب عموما , هي ألا نقع فريسة تبرئة الذات , فنعتقد واهمين ومتساهلين , أننا أبرياء تماما , ولا يأتينا الخطأ والباطل , من أمام ولا من خلاف !! لأن هذا المنهج السائد في التفكير العربي , والاسلامى في العقود الأخيرة , أوصلنا إلى متاهات مظلمة , وجعلنا نتراجع في موضوع المرأة , وحقوقها , وواجباتها , ومكانتها في النسيج الاجتماعي , والوعي القائم , وفى دورة التنمية , مئات السنوات إلى الوراء , مذكرة بأن المرأة , التي تستلب حقوقها هذه الأيام بقوة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية , كانت قد حظيت في بداية الدولة الإسلامية , وفى مساراتها المتعددة , بمنجزات ثورية حقيقية , حيث في صلب العقيدة الإسلامية , خلق البشر وأممهم , وأجناسهم من ( ذكر وأنثى ) وفى صلب العقيدة أيضا , فإن (النساء شقائق الرجال) ولم أجد في كل ماقرأت في أدب الثقافات الأخرى , نصا ابلغ في المساواة , من كلمة ( شقائق ) أ ى المساواة الكاملة .

الخ.جالات التطبيق السياسي

وهو أعلى مجالات المشاركة , فإن المرأة المسلمة , كانت حاضرة وبقوة , في فكرة الإسلام الأولى , وفى الخلية الأولى لتأسيس الدعوة , ومن تأسيس الدولة , ناهيكم عن مشاركاتها في كل مناحي الحياة الأخرى , منذ مارست دورها ابتداء من محدثة إلى محاربة , ومن مستشارة إلى ناقدة أدبية , ومن تاجرة وسيدة إعمال مثل " خديجة " زوجة الرسول الأولى , إلى ثائرة صنعت حربا باسمها , مثل عائشة , زوجة الرسول الأخيرة , فإذا كانت , تلك البدايات , فلماذا انتهى الأمر إلى الحالة الراهنة , التي تزج فيها المرأة خيارين , أحلاهما مر كما يقال – وهما :

• خيار التغريب

• خيار التغييب



حيث الخيار الأول , نراه في العديد من الحركات النسويه المعاصرة , اللاواتى يحتشدن مثل الفراش المحترق , حول أضواء بعض العناوين المثيرة بالغرب , دون التعمق في المعرفة , بالمخاضات الفلسفية , والاجتماعية , والثقافية , والاقتصادية , التي عبرتها تلك بالمخاضات في الغرب , للوصول إلى الأنساق القائمة حاليا , بل إن داعيات التغريب , لايتابعن حتى نتائج التجارب التي تخاض في الغرب , وتخلق وعيا جديدا بالعودة إلى الأصول , فالغرب اليوم يرزح , تحت أعباء الشطحات المجنونة , ابتداء من ظواهر أكلى لحوم البشر , إلى عبده الشيطان , والقتل , وانتشار الإجهاض , والأطفال بلا عائلات , وضغط الاعتراف بالشذوذ , ونسب كل الشرور إلى الحامض النووي في الخلية DNA حيث , تنفى المسئولية مطلقا إلى أطفال الأنابيب , والاستنساخ .. الخ .

والغرب يرزح تحت أعباء الخوف , ويريد أن ينجو , بينما في بلادنا , فإن دعاة التغريب يذهبون إلى الهاوية , التي يريد أن ينجو منها أصحابها !!

أما الخيار الثاني :

وهو التغييب , فهو الأخطر والأكثر انتشارا في بلادنا , حيث الإسلام الذي يتعرض للاختطاف من المراكز الكبرى , فيصنع هناك ثم يعود بعد أن تضخ فيه ثقافاتها تحت العنوان الاسلامى , وهذا التغييب له مسارات عديدة , لعل أبرزها , تلك المواجهة المستمرة , بين النصوص , والتقاليد , وبين المبادئ , والتطبيقات , وهى مسافة واسعة تصل إلى حد القطيعة والمستحيل , ويكفى أن نذكر على سبيل المثال , إن النصوص القرآنية والنبوية , وكذلك نصوص التطبيقات الشرعية والقوانين المعاصرة , تعطى المرأة كل الحقوق المتناسقة مع مقاصد الشريعة , ومع انسجام الحياة !

ولكن النصوص والشرائع شيء, والتطبيقات المرتبطة بالثقافات, والعادات, والتقاليد, شي أخر. وهذا مانلاحظه بسهولة , ابتداء من مجالات الحق في الحياة , والتعليم , والملكية , والعمل والزواج , وانتهاء بالحقوق السياسية , فنحن نشاهد مايمكن أن نسميه بالردة الحقيقة ! وهذه الردة , لايمكن أن نحملها للأخر , ولا يمكن أن نتغاضى عنها , لمجرد أن الأخر ( الغرب ) الذي يعانى من شطحات الجنون .

فالتغييب الذي نصنعه بأيدينا , لايبرره التغريب القادم إلينا من وراء المحيط !! وإذا كان الغرب فيه مايخيف , فإن الشرق الاسلامى فيه مايخيف أيضا , ونحن كمجتمعات عربية وإسلامية مطالبون بالحرب على جبهتين في آن واحد , حرب ضد التغريب , الذي يغرقنا في ثقافات لانعرف عنها شيء ولا نرى سوى أشكالها الخارجية !! وحرب ضد التغييب الذي يحاول زرع الإسلام في تربة أخرى وثقافات أخرى , وحين إذن فيكون التطبيق لنصوص أخرى اجتماعية بعيدة عن النصوص الإسلامية تؤدى إلى تغييب المرأة بوعيها عن حقوقها .

فتكون المرأة في الخيار الأول سلعة في ثقافة الاستهلاك الغربي , أو تكون شيطانا في ثقافات الشرق البائدة , وهذه دعوه للمرأة في بلادنا برفض الخيارين , فالإسلام بنصوصه الوسطى المعتدل بعيدا كل البعد عن الخيارين ( المر والنار ) وهذا هو جوهر الفلسفة الإسلامية .