حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....17



محمد الحنفي
2008 / 3 / 30

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....4

4) علاقة التقاليد بالعادات، واختلاف تلك العلاقة حسب الزمان، والمكان، وإذا كنا قد أتينا على ذكر أن التقاليد هي مجموع العمليات التي تهدف إلى إعادة صياغة الواقع الحاضر، على مقاس نموذج معين، أو انطلاقا من مجموعة من النماذج التي عرفت في الزمن الماضي، انطلاقا من تصور معين أو اتطلاقا من مدموعة من التصورات المتخالفة، والمختلفة، العائدة إلى عمق التاريخ، فإن علاقة التقاليد بالعادات، قد تكون علاقة تناسب، وقد تكون علاقة تناقض، وقد تكون علاقة جدلية. لكن قبل ذلك، لا بد من الوقوف على مفهوم العادات، من خلال تناولنا للإجابة على السؤال:

ما المراد بالعادات؟

إن العادات جمع مفرده عادة، والعادة مأخودة من تعود عل القيام بفعل معين، اذا صار يقوم به بناء على التعود اللاإرادي، مثل النوم في وقت معين، واليقظة في وقت معين، والخروج، والدخول، من، وإلى البيت في أوقات محددة، ودون رغبة محددة. فتكرار القيام بالفعل اللاإرادي، هو الذي نسميه عادة. وبالنسبة للمجتمع ككل، فالعادات هي مجموع الطقوس التي يرتبط القيام بها بمناسبات محددة، كالأعراس، والمآتم، والأعياد القومية، والوطنية، والدينية، والمواسم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها.

وانطلاقا من هذا التوضيح، فالعادات تلتصق بحياة الناس اليومية، التي تقتضي منهم القيام بأفعال معينة، تقتضيها شروط ذاتية، وموضوعية معينة، تسرى على مجموع أفراد المجتمع.

والعادات تتنوع بحسب مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

فالعادات الاقتصادية، هي التي تقتضي القيام بأعمال اقتصادية معينة، وفي مناسبات معينة، من أجل تمكين جميع أفراد المجتمع من الحصول على الحاجيات الضرورية، والكمالية، كما هو الشأن بالنسبة للمناسبات الدينية، والوطنية، والقومية.

والعادات الاجتماعية، هي التي تقتضي القيام بأعمال اجتماعية معينة، تقتضيها مختلف المناسبات الاجتماعية، والدينية، والوطنية، والقومية، تعبيرا عن الانتماء إلى نفس المجتمع، الذي تتفاعل فيه العواطف، والمعتقدات، والقيم، التي تقتضي إنتاج أفعال معينة، يقتضيها ذلك التفاعل في مناسبات معينة، من أجل تحقيق تماسك اجتماعي معين.

والعادات الثقافية، هي التي تقتضي القيام بأنشطة ثقافية معينة، في مناسبات معينة، تعبر عن رغبة حاصلة عند جميع أفراد المجتمع، من أجل التحلي بقيم معينة، كما هو الشأن بالنسبة للمناسبات الدينية، والاجتماعية، التي تحضر فيها المساهمات الثقافية، من أجل جعل أفراد المجتمع يكتفون بقيم معينة، تجعلهم يسعون إلى التخلص من الكثير من الأمراض التي يعانون منها، بسبب المشاكل النفسية، والجسدية، والاجتماعية، نظرا للدور الذي تلعبه الثقافة في هذا الإطار.

والعادات السياسية التي تقتضي قيام أفراد المجتمع بممارسات معينة، تختلف باختلاف العشائر، والقبائل، والمجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وسواء تعلق الأمر بالاستفتاءات، أو بالانتخابات الجماعية، أو البرلمانية، أو غيرها. فردود أفعال الناس تجاه الأحزاب السياسية، وتجاه الدولة في مختلف المناسبات، تتكرر تقريبا، فتصير بمثابة عادات تكرس المواقف الجماعية، أو الفردية، مما يجرى في الساحة السياسية، سواء كانت تلك المواقف ايجابية، أو سلبية.

أما علاقة التقاليد بالعادات فتتمثل في:

ا ـ قيام عنصر الثبات النسبي في التقاليد، وفي العادات، على السواء، مما يجعلهما معبرين عن هوية الأفراد، والجماعات، في إطار الانتماء إلى مجتمع معين، في أي دولة من الدول العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

ب ـ التصاق التقاليد، والعادات، معا، بالمسلكيات الفردية، والجماعية اليومية، وفي إطار العلاقات الاجتماعية القائمة المختلفة من عشيرة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى أخرى... وهكذا.

ج ـ وقوع العادات تحت تأثير التقاليد في معظم الأحيان، مما يحولها بدورها إلى تقاليد، وهو ما يترتب عنه صعوبة التمييز بين ما يدخل في إطار العادات، وما يدخل في إطار التقاليد، كما هو الشأن بالنسبة للحجاب الذي تختلط فيه التقاليد بالعادات، مع غلبة التقاليد التي تجعله يختلف باختلاف العشائر، والقبائل، والدول، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، وكما هو الشأن أيضا بالنسبة للباس الرجل، الذي تختلط فيه هو بدوره العادات بالتقاليد، مع غلبة التقاليد... وهكذا.

د ـ تأثر التقاليد بتنوع العادات، التي قد تختلف من أسرة إلى أسرة، ومن عشيرة إلى عشيرة، ومن قبيلة إلى قبيلة، مما يؤدي إلى عملية التحول العميق في التقاليد التي تصير متجددة تبعا لتنوع العادات.

ه ـ العلاقة الجدلية القائمة بين بني التقاليد من جهة، والعادات من جهة أخرى، وهو ما يعنى قيام التفاعل بإيجابياته، وسلبياته، بين التقاليد، والعادات، في كل عشيرة على حدة، ومن خلال المسلكيات الفردية، والجماعية، وعلى مستوى القبيلة، وعلى مستوى مجموع القبائل في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

وهذا التنوع في العلاقة بين التقاليد، والعادات، لا بد أن يصير منعكسا على عنصر الثبات المميز للحياة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وفي مختلف المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. ولذلك فأي تغيير يمكن أن يستهدف العشائر، والقبائل، والدول، لا بد أن يستهدف بالدرجة الأولى التقاليد، والعادات، التي تقف وراء قيام عنصر الثبات في الواقع القائم، وفي جوانبه المختلفة. وإلا فإن الأمر سيبقى على ما هو عليه، إلى ما لا نهاية.

وتبعا لتنوع التقاليد، والعادات، فإن تنوع العلاقة بينهما، يبقى رهينا بتنوع الأفراد، والجماعات، والعشائر، والقبائل، والدول، نظرا للاختلاف القائم في طبيعة التقاليد، والعادات، من عشيرة إلى أخرى، ومن قبيلة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى، ومن مجال إلى مجال آخر، ومن زمن، إلى زمن آخر.

فالعلاقة بين العادات، والتقاليد في المجتمعات القديمة، تختلف عنها في مجتمعات العصور الوسطى، التي تختلف عنها في المجتمعات الحديثة، التي يزداد اختلافا عنها في الحياة المعاصرة.

وبناء على الإقرار بالاختلاف من الناحية العلمية، فإننا نجد أن هذا الاختلاف يتنوع بتنوع العشائر، وبتنوع القبائل، وبتنوع الدول في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وهذا التنوع يبقى سيد الموقف المعتمد في التحكم في كل ما يجرى في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، حتى لا ينفرز ما قد يقود إلى تفكك البنى التقليدية في المجتمعات، من خلال تفكك قيم العشائر، والقبائل.