حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....19



محمد الحنفي
2008 / 4 / 1

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.

دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....5

وبالنسبة لعلاقة الأعراف بالتقاليد، فإننا نجد أنها تتجسد في اعتبار التقاليد، في مستوياتها المختلفة، مصدرا للمعرفة المشتركة بين جميع أفراد المجتمع، التي تؤدى إلى الموافقة الجماعية على القيام بأعمال معينة، ودون حرج، ودون مقاومة من الآخرين، ودونما حاجة إلى الموافقة من المجتمع. وتبعا لذلك، فالأعراف تؤثر في التقاليد، والتقاليد تؤثر في الأعراف، مما يجعل العلاقة بينهما علاقة جدلية.

وتتمظهر العلاقة بين التقاليد والأعراف من خلال:

النمط الاقتصادي السائد في بلد معين، من خلال ممارسة حرف معينة، أو أنماط معينة من التجارة، والصناعة، والزراعة، تبعا لما كان يقوم به السلف، وانطلاقا مما يتعارف عليه الخلف، لإيجاد اقتصاد يلبي حاجيات الناس،ويعمل على أن يكون معبرا عن هوية المجتمع التاريخية من جهة، وعن الهوية الواقعية من جهة أخرى، وهو ما يظهر اقتصاديات المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وكأنها اقتصاديات ذات خصوصية تاريخية، وواقعية.

النمط الاجتماعي، الذي يظهر فيه المجتمع تقليديا، محافظا على مستوى القيم، وشكل اللباس، وشكل المعاملات السائدة، وطبيعة الطبقات الاجتماعية التي تنحو إلى أن تكون تاريخية، وفي نفس الوقت، يتم التفاعل مع المحيط العالمي، والأخذ من مسلكيات الآخرين، من أجل أن تصير متعايشة مع المسلكيات التقليدية، كما هو متعارف عليه في مجتمعات البلاد العربية، وفي مجتمعات باقي بلدان المسلمين. والعلاقة بين التقاليد، والأعراف الاجتماعية، تتجسد من خلال المعاملات اليومية، وغيرها، حيث تبرز التقاليد منسجمة، ومتفاعلة، مع ما هو متعارف عليه في أي مجتمع من مجتمعات البلاد العربية، ومجتمعات باقي بلدان المسلمين.

الأنماط الثقافية السائدة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، حيث نجد سيادة القيم التقليدية الموروثة، والمتحكمة في مسلكيات الأفراد، والجماعات، إلى جانب سيادة قيم ثقافية، تفرضها طبيعة تطور المسلمين، الذي تعرفه المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلى درجة التداخل بين مختلف القيم، التي تستحق التحلي بها، ما دام أفراد المجتمع لا ينكرون ممارستها. وتبعا للقيم الثقافية السائدة، نجد اعتماد وسائل تساعد على تغذية القيم التقليدية، الى جانب القيم غير التقليدية، حتى يتم ضمان استمرار مختلف القيم، التي تلتصق بمسلكيات الأفراد، والجماعات.

وتبعا للأنماط الثقافية التي يتداخل فيها التقليدي، وغير التقليدي، نجد أن الممارسة المدنية على أرض الواقع قائمة. ففي هذه الممارسة المدنية نجد تكريس دونية المرأة، وفرض "حجابها" كتقليد، إلى جانب السعي إلى فرض مساواة المرأة للرجل في الحقوق، وفي الواجبات، كما نجد اعتماد المرجعية الدينية لتحديد طبيعة معاملات الأفراد، والجماعات، إلى جانب اعتماد المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في تحديد تلك المعاملات، وكذلك الشأن بالنسبة للقضاء، الذي يعتمد مرجعية النصوص الدينية، أو ما كان يسمى ب "الشريعة الإسلامية"، وخاصة في قضاء الأسرة، إلى جانب اعتماد القوانين الحديثة، أو كما يسميها مؤدلجو الدين الإسلامي ب "القوانين الوضعية"، التي تعتمد مرجعيات مختلفة، بما فيها المواثيق الدولية، والنصوص الدينية في نفس الوقت.

وأهم مجال تتضح فيه علاقة التقاليد بالأعراف، هو المجال السياسي، ففي هذا المجال، نجد اعتماد التقاليد باعتبارها "شريعة"، لإعطاء الشرعية للاستبداد القائم في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، أو للسعي إلى فرض استبداد بديل، باعتباره هو النظام الذي تقره "الشريعة الإسلامية". وكيفما كان الأمر، فإن التقاليد السياسية تختلط بما هو متعارف على اعتماده في المجال السياسي، ليعطينا شيئا اسمه "ديمقراطية الواجهة"، أو "الديمقراطية الإنتخابوية"، التي يمكن أن تسير في اتجاه الخلط فيما بين التقاليد، والأعراف، في الممارسة السياسية التي تستغلها الأنظمة القائمة، كما تستغلها الأحزاب الرجعية المتخلفة، والتوجهات اليمينية المتطرفة الحزبوسلامية الأكثر رجعية، وتخلفا.

وعلاقة التقاليد بالأعراف، وتبعا لتمظهراتها المتنوعة، فإننا نجد أنها تختلف من بلد، الى بلدآخر، ومن زمن إلى زمن آخر.

فهذه العلاقة في المجتمع المغربي، تختلف عنها في المجتمع الجزائري، وفي المجتمع التونسي، وفي المجتمع الأفغاني، وفي المجتمع التركي... وهكذا حسب درجة تطور، أو تخلف هذا المجتمع، أو ذاك، في هذا المجال، أوذاك، من أجل الوصول إلى تحقيق التنوع في التقاليد، كما في الأعراف وتحقيق التنوع في العلاقة بينهما، يختلف حسب الأمكنة التي تحصل فيها تلك العلاقة.

كما نجد أنها تخلف من زمن إلى زمن آخر؛ لأن علاقة التقاليد بالأعراف في العصور الوسطى، تختلف عنها في العصور الحديثة، أو في الحياة المعاصرة، وتبعا لتمرحل تاريخ كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، وتبعا كذلك لطبيعة التشكيلة الاقتصادية / الاجتماعية في هذا البلد، أو ذاك، وعلى المستوى العالمي.

والخلاصة التي يمكن استخلاصها مما سبق، أن العلاقة بين التقاليد، والأعراف تؤدي إلى توفر عنصرين أساسيين في حياة الناس:

العنصر الأول: عنصر الثبات، الآتي من عمق التاريخ، من خلال التقاليد التي تلتصق بمسلكيات الأفراد، والجماعات.

والعنصر الثاني: هو عنصر التحول الملتصق بالواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يتفاعل مع مجمل التحولات في أي مكان من العالم. فالتقاليد ثابتة، والأعراف متحولة، وبفعل التحول، يمكن أن تصير الأعراف جزءا من التقاليد التي تتوسع، ولا تتغير. ونظرا لأن التقاليد حاضرة في مجمل المسلكية الفردية، والجماعية، فإنها هي أيضا تصير جزءا من الأعراف، لتصير بذالك العلاقة بين التقاليد، والأعراف علاقة جدلية، تقتضي التفاعل المتبادل بينهما إلى ما لا نهاية، من زمن إلى زمن، ومن مكان، إلى مكان.

ويترتب عن الاختلاف القائم بين التقاليد، والأعراف مجموعة من النتائج التي يمكن إجمالها في:

ا ـ تنوع التقاليد، وتعددها من زمن، إلى زمن، ومن مكان، إلى مكان آخر.

ب ـتأثر التقاليد بالأعراف المتنوعة حسب الزمان، والمكان.

ج ـ اعتبار سيادة تقاليد محددة في مكان معين، وفي زمن معين، وراء سيادة أشكال الحجاب التي تقرها الأعراف.

د ـ تحول الأعراف، بفعل التعود، إلى تقاليد تفرض نفسها من خلال المسلكية الفردية، والجماعية.

ه ـ اتخاذ التقاليد السائدة في كل بلد من البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، جزءا لا يتجزأ من المعتقدات السائدة.

و ـ اعتماد المرجعية الدينية لإعطاء الشرعية للتقاليد، والأعراف القائمة في كل بلد من البلدان العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، بما في ذالك تقليد الحجاب.

ز ـ تحول التقاليد، والأعراف، بما فيها حجاب المرأة، إلى مقدسات دينية.

ح ـ اعتبار كل من لم يلتزم، أو لم تلتزم بالتقاليد، والأعراف المقدسة، خارجا عن الدين.

ط ـ صيرورة التقاليد، والأعراف، في كل بلد من البلاد العربية، ومن باقي بلدان المسلمين، جزءا لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية.

ي ـ اعتبار مقتضيات التقاليد، والأعراف، مطالب لا تتحقق إلا بإقامة "الدولة الإسلامية"، التي سوف تعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية.

وهذه النتائج، وغيرها، مما يمكن أن نقف عليه، تعتبر مسألة طبيعية بالنسبة لما يحصل من تفاعل بين التقاليد، والأعراف، التي صارت تعتبر مصدرا لكل مظاهر التخلف، التي تحصل في المجتمعات العربية، وفي مجتمعات باقي بلدان المسلمين، والتي يمكن أن نعتبر منها أشكال "الحجاب"، التي صارت تعتبر بحكم التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، جزءا لا يتجزأ من مقدسات المجتمع، في الوقت الذي لا تتجاوز أن تكون أشكال اللباس التي يسمونها "حجابا"، مجرد اختيار لشكل معين، يمكن أن يتغير في أية لحظة، تبعا لتغير الشروط الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.