فهميدا ميرزا



محمود الزهيري
2008 / 4 / 1

إنشغلت , وسعدت بفوز فهميدا ميرزا , وتسائلت لماذا فازت , ولم يشغلني كيفية الفوز برئاسة البرلمان الباكستاني , أما عن لماذا فازت فذلك لأن المجتمع الباكستاني بتنويعاته الدينية والعرقية يعيش حالة عصيان سياسي وطني تقترب من حد الديمومة والإستمرار ومن ثم كانت مواقفه إيجابية في إحداث التغيير الذي ينشده المجتمع الباكستاني , ولو كانت كلفة التغيير هي الدم والحبس والإعتقال أو النفي من الوطن الباكستاني , وهذه مواقف إيجابية جعلت من المجتمع الباكستاني مجتمعاً حياً برغم الفقر الشديد الذي يعيش تحت نيره المجتمع الباكستاني , والتساؤل الطارح ذاته هو لماذا هذا هو حال المجتمع الباكستاني بمقاطعاته الجغرافية وما تحمله من معتقدات دينية وايديولوجيات سياسية موزعة في أقاليم السند والبنجاب , والتخوم المتاخمة لأفغانستان مثل وزيرستان , والقبائل والعشائر الباكستانية التي تمثل أحلافاً عسكرية بالتعاون مع طالبان والمدارس الدينية ومبعوثي الأزهر والسعودية من أصحاب المفاهيم الجهادية المتأثرين بالطبع الباكستاني لهذه المناطق , وذلك في مقابل حزب عوامي الذي يمثل حزب النخبة والمثقفين والقوي النخبوية المنتشرة خاصة في السند والبنجاب وبدرجات تكاد تنعدم في وزيرستان , فكيف تم تحقيق الإنتصار بالفوز لفهميدا ميرزا في المجتمع الباكستاني بالرغم من تعدد المفاهيم واختلاف الرؤي المبنية علي أسس دينية عقائدية , وأسس ومفاهيم سياسية علمانية , داخل إطار مجتمعي متأزم , وكذا بالرغم من الضغوطات الخارجية علي السيادة الباكستانية !!؟؟
إنه العقل الباحث عن المصلحة وتحقيق الذات في هذا المجتمع والذي أوعز لأبناء المجتمع الباكستاني للخروج إلي صناديق الإقتراع وكأنه في حالة عصيان وطني ضد المؤسسة العسكرية , وضد الإسلاميين في الدولة الباكستانية .
وهذا هو العقل الغائب أو المغيب في الدول العربية أو التي تدين شعوبها بالإسلام ولاتتحدث العربية , ومن ثم فرضت الوصايات السياسية والدينية فرضاً علي تلك المجتمعات المأزومة بهاتين الوصايتين المغيبتين للعقل الباحث عن المصلحة , ومن ثم تضحي تلك المجتمعات ذات مواقف سلبية حاجمة عن المشاركة الإيجابية وتصبح ذات مواقف سلبية , وهذا لم يتحقق في الباكستان بالرغم من ذلك , الأمر الذي يستحق الدراسة وتقييم الحالة الباكستانية في شخص فهميدا ميرزا .
وكأنها مكافأة من المجتمع الباكستاني لذاته , التي تعتبر أن الذات الإجتماعية الباكستانية قد تجسدت في المطالب الإجتماعية التي إرتسمت في شكل وملامح ذات فهميدا ميرزا , تلك الذات المجدولة بعلاقة مطالب إجتماعية وإقتصادية تشكلت في المجتمع الباكستاني , رهين المحبسين , محبس المؤسسة العسكرية , ومحبس الجماعات الدينية والقوميات والعرقيات في الباكستان , والتي تم تقديم العديد من أبناء المجتمع الباكستاني قرابين للديمقراطية والحرية والعدالة , كان آخر هذه القرابين الراحلة بينظير بوتو , والتي كافأها المجتمع الباكستاني برد الجميل , بإختيار فهميدا ميرزا رئيسة للبرلمان الباكستاني تلك المرأة البالغة من العمر مايقرب من 51 عاماً والتي تعمل طبيبة بجانب أنها تعمل سيدة أعمال بجانب الطب وعضويتها لحزب الشعب الباكستاني , وفازت فهميدا ميرزا برئاسة البرلمان الباكستاني بعدد أعضاء 249 من عدد 324 في الإقتراع الذي تم داخل البرلمان الباكستاني لتكون فهميدا ميرزا أول رئيس للبرلمان الباكستاني منذ تاريخ وجوده , معلنة ومؤكدة للمجتمع الباكستاني أن الراحلة بينظير بوتو كان أملها أن تتولي إمرأة هذا المنصب , وقد كان ماتنمنته حقيقة واقعية في المجتمع الباكستاني !!
وليس هذا بغريب أن تصل المرأة إلي هذا المنصب في بلد مثل باكستان , تلك الدولة ذات النشأة والأصول القومية المبنية علي تاريخية الإنفصال عن الدولة الهندية بخلفيات دينية , تريد من خلال الإنفصال الحفاظ علي الهوية الدينية من الذوبان في الديانات الأخري في الدولة الهندية .
وهذه هي الباكستان التي أنجبت رائد فكر المصطلحات الأربعة , ونظرية الإسلام السياسية , ومبتكرعقيدة التكفيرفي صياغاتها الحديثة والذي تبنته جماعات العنف الديني المقدس لديها والمبني علي أسانيد عقيدية مؤسسة ومنتجة من عقلية أبو الأعلي المودوي , فكان أن قدم هذا المجتمع الباكستاني جملة من التضحيات متحدية فكر أبو الأعلي المودوي , وأبو الحسن الندوي وسيد قطب , وغيرهم من أصحاب نظريات التكفير وأسلمة السياسة والمجتمع , وابتكار عقائد التكفير والتجهيل للمجتمعات , ووجود فهميدا ميرزا علي رأس البرلمان الباكستاني يشكل أكبر وأعظم تحدي لهذه الأفكار والعقائد السياسية المبنية علي مرجعيات دينية تحرم علي المرأة مجرد الخروج من المنزل للسوق أو للعمل , ناهيك عن العلم أو الترفيه والتنزه , حيث أن المرأة في المفهوم لدي هذه الجماعات تمثل أخطر عورة من عورات المجتمع !!
ولكن مازالت المجتمعات العربية مأزومة وحتي الآن بفكر أبو الأعلي المودوي الذي سحبه علي الدولة الباكستانية في مواجهة طرائق الإنفصال عن الدولة الهندية , ومازالت الجماعات الدينية صاحبة المنهج الدموي المبني علي العنف المقدس , أو المسمي بفقه الجهاد , تتصادم مع المجتمعات في الدول العربية , وتتعامل معها بفكر أبو الأعلي المودوي , وكأن أعضاء الجماعات الدينية والمنتسبين إليها يمثلوا الباكستان , والرفضين لهذه الجماعات من أبناء المجتمعات العربية يمثلوا الهند , ومن ثم وجب الإنفصال , وإلا لزم الخروج علي المجتمع وتكفيره وتلعينه ونعته بالجاهلية !!
والسؤال الأخير مؤداه :
متي نري في الدول العربية إمرأة عربية رئيسة للبرلمان , بلا تزوير ولا بلطجة ولا إرهاب من الأنظمة الحاكمة ؟!!