حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....22



محمد الحنفي
2008 / 4 / 4

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


محمد الحنفي
دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....8

وفيما يخص العلاقة بين التقاليد، والمعرفة الخاصة، فإن طبيعتها تنطلق من طبيعة التقاليد الممارسة، ومن المعرفة السائدة في كل مجتمع على حدة:

هل هي معرفة ذات صلة بالخرافات؟

وهل هي ذات صلة بالغيب؟

وهل هي معرفة دينية؟

وهل هي معرفة أدبية، وفنية؟

لأن المعرفة السائدة في كل مجتمع على حدة، تساعد بشكل كبير على معرفة خصوصية المجتمع، وخصوصية التقاليد السائدة فيه، وفي جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وانطلاقا من طبيعة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية السائدة.

ولذلك، فالتقاليد لا يمكن أن تقع إلا تحت تأثير المعرفة الخاصة بكل مجتمع على حدة، حتى تصير ذات طابع محلي صرف، وتتحول المعرفة الخاصة إلى جزء من تلك التقاليد.

وإذا كانت المعرفة الخاصة متطورة، ومنفتحة، فإن التقاليد أيضا تصير كذلك. أما إذا كانت متخلفة، ومنغلقة، فإنها تؤدي الى تخلف، وانغلاق التقاليد الخاصة بكل مجتمع في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

وفي إطار خصوصية العلاقة بين التقاليد، وبين المعرفة الخاصة، نجد أن:

ا ـ علاقة التقاليد بالمعرفة الاقتصادية الخاصة، لأن طبيعة التشكيلة الاقتصادية، ومصادر الدخل الاقتصادي، تختلف من بلد، إلى آخر، في البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وهو ما يجعل التقاليد الاقتصادية، أيضا، تختلف من بلد، إلى آخر. وبالتالي، فإن علاقة التقاليد بالمعرفة الاقتصادية الخاصة، هي علاقة تأثر بالمعرفة الاقتصادية الخاصة، المتقدمة، أو المتخلفة؛ لأن المعرفة الخاصة ليست مشتركة بين جميع الشعوب. ولذلك نجد أن لها قوة التأثير في التقاليد، مما يؤدي إلى التخفيف من حدة التمسك بظاهرة "حجاب" المرأة، إن كانت المعرفة الاقتصادية الخاصة متطورة، تبعا لتطور التشكيلة الاقتصادية القائمة، أو إلى التشدد في التمسك بظاهرة الحجاب، إن كانت المعرفة الاقتصادية متخلفة، تبعا لتخلف التشكيلة الاقتصادية القائمة.

ب ـ علاقة التقاليد بالمعرفة الاجتماعية الخصوصية، التي تهم مجتمعا بعينه، نظرا لخصوصية التشكيلة الاجتماعية، التي تختلف من بلد، إلى بلد آخر، سواء تعلق الأمر بالبلدان العربية، أو بباقي بلدان المسلمين، وسواء تعلق الأمر بالفرز الطبقي، وخصوصية كل طبقة اجتماعية على حدة، أو تعلق بطبيعة التعليم، وبمدى شيوعه في المجتمع، وبمستوياته المختلفة، وبمدى تمتع الناس بالخدمات الاجتماعية الأخرى، كالصحة، والسكن، والشغل، والترفيه، وغير ذلك. والتقاليد لا يمكن إلا أن تنسجم مع طبيعة المعرفة الاجتماعية، حتى تصير معبرة عن خصوصية المجتمع، سواء كان هذا المجتمع متطورا، أو متخلفا، مما يؤدى إلى اعتبار "الحجاب" مجرد شكل من اللباس، في حالة تطور المجتمع، أو اعتباره واجبا دينيا، واجتماعيا، إن كان المجتمع متخلفا.

ج ـ علاقة التقاليد بالمعرفة الثقافية الخاصة بمجتمع معين، لأن الثقافة، باعتبارها تعبيرا عن الهوية، تتغذى من القيم السائدة في مجتمع معين، وتعمل في نفس الوقت، بتغذية تلك القيم، عن طريق اعتماد مجموعة من الوسائل التي تساعد على شيوع القيم الثقافية، وتطورها، وتطويرها. والتقاليد باعتبارها موروثا مسلكيا لابد أن تتأثر إيجابا، أو سلبا، بالثقافة، وبالقيم الثقافية السائدة.

فإذا كانت القيم الثقافية السائدة متقدمة، ومتطورة، كانت التقاليد أيضا متقدمة، ومتطورة.

أما إذا كانت القيم الثقافية السائدة رجعية، ومتخلفة، فإن التقاليد تكون أيضا رجعية، ومتخلفة، تبعا لما عليه المجتمع المتميز بخصوصية ثقافية معينة.
د ـ علاقة التقاليد بالمعرفة السياسية الخاصة بكل مجتمع معين؛ لأن السياسية، هي التعبير السلمي عن الصراع القائم بين الطبقات المتصارعة في المجتمع، بعد ضبط آليات ذلك الصراع، وإدراك ميكانيزماته، التي تجعل المواقف السياسية للدولة، وللأحزاب الموالية لها، أو للمعارضة، حاضرة في كل وقت، وحين، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات. ومعرفة من هذا النوع، لا بد أن تؤدي إلى قيام تفاعل إيجابي، أو سلبي، بين التقاليد، وبين المعرفة السياسية.

فاذا كانت الجهات الممارسة للسياسة، والمستوعبة للمعرفة السياسية، رجعية، ومتخلفة، كان ذلك أيضا أثر على جعل التقاليد العتيقة، والمتخلفة، حاضرة في الممارسة الفردية، والجماعية، مع اعتبار ذلك الحضور شرطا للممارسة السياسية "الصحيحة".

ه ـ علاقة التقاليد بالمعرفة الإيديولوجية؛ لأن معرفة الإيديولوجية، تعتبر شرطا للتشبع بقيم معينة، وعن وعي كامل بتلك القيم، التي تعتبر شرطا لترسيخ تقاليد معينة في المسلكية الفردية والجماعية، ونظرا للتناقض القائم بين الإيديولوجيات، فإن التقاليد الإقطاعية القائمة على أساس المعرفة بالإيديولوجية الإقطاعية، تختلف عن التقاليد البورجوازية القائمة على أساس المعرفة بالإيديولوجية البورجوازية، والتقاليد العمالية القائمة على أساس المعرفة العميقة بالإيديولوجية العمالية تختلف عن كل ذلك، ولذلك نجد أن:

ـ المعرفة بالإيديولوجية تحدد نوعية التقاليد الممارسة، وعن وعي، في إطار طبقة اجتماعية معينة.

ـ غياب المعرفة بالإيديولوجية، يؤدى إلى عدم الفرز بين التقاليد، فنجد تقاليد إقطاعية، أو بورجوازية، في صفوف الطبقة العاملة. وهو ما يمكن تسميته بالإستيلاب، أو الاغتراب الطبقي.

فإذا كانت هذه الكثافة، وهذا العمق، ذات صلة بالقيم التقليدية، صارت المعرفة الأدبية تحت تأثير التقاليد العتيقة، التي تكون لها السيادة، والتوجيه، وتجديد ما تجب معرفته، حتى لا تنزلق المجتمعات في اتجاه الانفتاح على المعارف المتطورة.

أما أذا كانت هذه الكثافة، وهذا العمق ذات صلة بالانفتاح على القيم المتجددة، والمتطورة، كانت الهيمنة للمعرفة الأدبية، والفنية، على التقاليد، مما يجعلها تساهم بشكل كبير في تجدد التقاليد، وتطويرها، كتعبير عن تجدد المجتمع وتطوره.

ز ـ علاقة التقاليد بالمعرفة العلمية، لأن المعرفة العلمية، كقوانين، تبقى ذات طبيعة ثبوتية، وهي لذلك تلتقي مع التقاليد ذات الطبيعة الثبوتية أيضا، فلا تعارض بينهما. ولذلك نجد أن حاملي هذا النوع من المعرفة العلمية أكثر نشبثا بالتقاليد، وأكثر تكريسا لها، باعتبارها مقدسة قداسة لقوانين العلمية نفسها، لتصير بذلك العلاقة بين التقاليد، وبين المعرفة العلمية، كقوانين ثابتة، علاقة تطابق.

ولكن عندما تصير المعرفة العلمية معرفة فلسفية، فإنها تصير ذات طبيعة تحولية، وتطورية، وشمولية، فتصير بذلك وسيلة إلى التأثير في التقاليد التي تصير بدورها متحولة، ومتطورة، تساعد على الانفتاح على ما يجرى في العالم، وخاصة، إذا تعلق الأمر بالجوانب العلمية، والثقافية، وبفلسفة العلوم، حتى ترتبط التقاليد بعوامل التطور في شموليتها، وحتى يزول كونها عرقلة في سبيل التطور في توجهاته المختلفة.