حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....23



محمد الحنفي
2008 / 4 / 5

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.

دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....9

وهذه الأشكال من العلاقة القائمة بين التقاليد والمعرفة تدفع بنا الى طرح السؤال:

هل تصير الهيمنة للتقاليد على المعرفة بتفرعاتها المختلفة؟

فمن خلال ما رأيناه في الفترات السابقة، نجد أن علاقة التقاليد بالمعرفة تتحكم فيها طبيعة المعرفة نفسها. فإذا كانت المعرفة تقليدية رجعية متخلفة، كانت الهيمنة للتقاليد التي تحدد:

ما هي المعرفة التي يجب البحث عنها؟

وما هي المعرفة التي يجب تجنبها؟

مما يجعل المعرفة تقع تحت طائلة التقاليد. وهذا المنحى هو الذي يؤدى الى قولبة مسلكيات الأفراد، والجماعات، تبعا لتقليدية المعرفة نفسها، وهو الذي ينتج لنا أشكال المعرفة التي تجعل حامليها يحرصون على فرض الحجاب على المرأة، باعتبارها عورة من جهة، أو باعتبار الحجاب جزءا لا يتجزأ من التقاليد، ومن الممارسة الدينية من جهة أخرى. وتبعا لسيادة المعرفة التقليدية، فان الحجاب يصير نتيجة لشيوع تلك المعرفة، وجزءا لا يتجزأ من سيادة التقاليد.

أما إذا كانت المعرفة ، متطورة، ومنفتحة على ما يجرى في العالم، فان التقاليد تقع تحت طائلتها، فتصير هي بدورها منفتحة، ومتطورة، مما يؤدي، في عمق الممارسة، إلى اعتبار ما يسمونه ب "الحجاب"، مجرد أشكال من اللباس التي تسعى النساء إلى اختيارها. وهو ما يعنى التحرر منه، وإمكانية اختيار أشكال أخرى من اللباس.

وهذا الاستنتاج الأخير، هو الذي يحيلنا على طرح سؤال آخر في نفس السياق. وهو:

هل تصير تلك الهيمنة للمعرفة، بتفرعاتها المختلفة، على التقاليد؟

إن المعرفة المعتمدة، في أي مجتمع من مجتمعات البلدان العربية، وباقي بلدان المسلمين، قد تكون رجعية متخلفة، فتقع تحت طائلة التقاليد، وقد تكون متقدمة، ومتطورة، فتقع التقاليد تحت طائلتها. ولذلك فالهيمنة لا تكون لها دائما على التقاليد.

وإذا كانت الهيمنة تكون تارة للتقاليد، وأخرى للمعرفة:

ألا نعتبر أن العلاقة بين التقاليد، والمعرفة، لا تكون إلا جدلية؟

وكما رأينا، فإننا نجد أن الهيمنة تكون تارة للتقاليد، وثارة أخرى، تكون للمعرفة، إلا أنه في صيرورة تطور المعرفة، وتطور التقاليد، بسبب تجاوز حالة الانغلاق، والإقبال على الانفتاح على العالم، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، فإن العلاقة بين التقاليد المتجددة، والمتطورة، وبين المعارف المتجددة والمتطورة، تصير علاقة تفاعلية. وفي هذا الإطار، قد نجد الحجاب، وقد لانتجده، وقد يختفي بصفة نهائية.

ونظرا لكون "الحجاب" السائد في البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التقاليد، نجد أنفسنا مضطرين إلى طرح السؤال:

هل تسود في أشكال الحجاب هيمنة التقاليد على المعرفة؟

أم أنها تسود فيها هيمنة المعرفة على التقاليد؟

إننا عندما نرتبط بكل أشكال "الحجاب"، التي كانت سائدة في الماضي، أو التي تسود في الحاضر، سنجد أنها تتخذ مستويين:

مستوى الاستنساخ الذي يتوخى استنساخ الماضي على مستوى الفكر، وعلى مستوى الممارسة، ولكنه استنساخ لا يلغى إمكانية المعرفة، غير أن المعرفة القائمة، والتي لا تكون إلا حاضرة، هي نفسها معرفة تحصل على مقاس الماضي، إلى درجة أن أي تطور يحصل في المعرفة، لا يتم إلا بإرادة، وصيغة الماضي. وإلا فانه سيكون منبوذا. وانطلاقا من هذا التصور، فإن هيمنة التقاليد على المعرفة، هي التي تكون سائدة في جميع البلاد العربية، وفي باقي بدان المسلمين.

مستوى تطوير الشكل، الذي يستجيب للحاجة في جمالية "الحجاب"، مع المحافظة على الجوهر، مما يجعل التقاليد تتراجع إلى الوراء على مستوى الشكل أيضا، لأن معدي ألبسة الحجاب، يتأثرون بما يجرى في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، فيعدون أشكال الحجاب بناء على ما تأثروا به. وانطلاقا من اختلاف المستويات الطبقية للنساء، تصير المعرفة على المستوى الشكلي مهيمنة على التقاليد في إعداد أشكال الحجاب، أي أن المهنيين يعدون ألبسة الحجاب بناء على معرفة طبيعة المجتمع، وما هو مطلوب من كل طبقة ذات مستوى معين، في مجتمع معين، وفي بلد معين، وهل تسود فيه أدلجة الدين الإسلامي، أم لا؟

وهذه العلاقة التي تسود فيها سيادة التقاليد على المعرفة في الحجاب، أو تسود فيها المعرفة الشكلية على التقاليد، تبقى متكاملة فيما بينها، من أجل تكريس دونية المرأة، باعتبارها عورة.

وإذا تم الإقرار بهيمنة المعرفة الشكلية على التقاليد:

فما هي طبيعة المعرفة المهيمنة على التقاليد في أشكال الحجاب؟

هل هي معرفة تقليدية عتيقة دينية؟

هل هي معرفة عصرية؟

إننا عندما نرتبط بظاهرة الحجاب، نجد أننا، وبحكم العادة، نرتبط في نفس الوقت بالدين، باعتبار الحجاب ذي طبيعة دينية، وانطلاقا من النصوص الدينية التي يعتمدها منظرو أشكال الحجاب، والتي من بينها قول الله تعالى، الذي لا يمكن أن يفيد معنى الحجاب، كما كان قائما في العصور الوسطى، أو كما هو ممارس في عصرنا هذا:"قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..."...الآيات. أو التي يختلقونها لاستنتاج أحكام تخدم توجهاتهم في اعتماد "الحجاب"، كجزء لا يتجزأ من "الشريعة الإسلامية". وبناء على هذا التصور، فإن المعرفة التي تكون مهيمنة على التقاليد، وخاصة في موضوع الحجاب، هي معرفة تقليدية / دينية، يتم التمسك بها، وترديدها، على أنها معرفة دينية، لا يمكن مخالفتها. وإلا، فإن المخالف، سواء كان رجلا، أو امرأة، يعتبر خارجا عن الدين الإسلامي، ليتم بذلك إهدار دمه، أو دمها، من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، ومؤدلجي "الحجاب" بالخصوص.

وعندما تكون المعرفة التقليدية / الدينية، هي المهيمنة على التقاليد، فإن التطابق يصير قائما بين هذا النوع من المعرفة، وبين التقاليد.

ولكن عندما تعتمد المعرفة المتأثرة بالمعارف الحديثة، وخاصة تلك المتعلقة بإعداد أشكال "الحجاب"، التي تتناسب مع الطبقات الاجتماعية المختلفة، فإن المعرفة المهيمنة على التقاليد، لا تكون إلا معرفة معاصرة، لأن المعرفة هي معرفة مطورة ل "الحجاب" الذي يصير بمثابة زينة تستعملها المرأة كتعبير اجتماعي طبقي، ليصير بذلك قابلا للتجاوز، خاصة، وأن من لا تملك القدرة المادية على اقتنائه، تفضل عدم استعماله.

وهذا الشكل من اللباس، الذي يتخذ للزينة يفقد "الحجاب" قيمته الدينية، ليصير بقيمة اجتماعية / طبقية فقط.

وهيمنة هذا النوع من المعرفة، أو الطبقات الاجتماعية الميسورة، هو الذي يؤدي بالضرورة إلى انتشار "الحجاب"، كزينة، بين هذه الطبقات، واختفائه من صفوف النساء الكادحات، لعجزهن عن اقتنائه.

وإذا تكرس لدينا في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، أن "الحجاب" مجرد شكل من اللباس، يتخذ للزينة، بين صفوف النساء الميسورات، أو أنه ممارسة دينية صرفة، يجب الالتزام بها:

فما مصير الحجاب في حالة هيمنة المعرفة الدينية على التقاليد؟

وما مصيره في حالة هيمنة المعرفة العصرية؟

إن الحجاب في حالة هيمنة المعرفة الدينية على التقاليد، يجب أن يكون واضحا للمتتبع، خاصة وأن المعرفة الدينية، هي معرفة تسعى إلى إخضاع جميع أفراد المجتمع، في أي بلد عربي، وفي كل بلد من البلدان التي يتواجد فيها المسلمون، إلى مقاسات محددة، وإلى ضوابط واضحة، وإلى منطق من الحلال، والحرام، لا ينتهي. وهو ما يعني فرض الحجاب بأشكاله المختلفة، والمتباينة، على المرأة، باعتبارها عورة، لا وجود فيها لشيء اسمه الإنسان، حتى في مستواه الإيماني، أو الاجتماعي المنصوص عليه في القرآن الكريم: "والمومنون، والمومنات، بعضهم أولياء بعض"، "والذين يرمون المحصنات الغافلات المومنات، لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم".

فهيمنة المعرفة الدينية، لا يمكن أن تنتج إلا تعميم الحجاب على جميع أفراد المجتمع، وهذا التعميم، سيتحول، بفعل التعود، إلى تقاليد، تتحول بدورها إلى دين. وهذا التعود، والتقديس، الذي يصير للتقاليد، يجعل الحجاب شعيرة دينية، مثلها مثل الشعائر الأخرى، مما يحولها إلى وسيلة للتقديس، تقديس الرجل الذي يفرض الحجاب، وشكله على المرأة.

أما في حالة هيمنة المعرفة العصرية على التقاليد، فإن تلك الهيمنة، لا تعنى، في العمق، إلا إمكانية التحرر، والإنعتاق من أسر التقاليد، والانفتاح على ما يجرى في العالم، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

وانفتاح المجتمع على ما يجرى في العالم، وفي كل مناحي الحياة، لا يعني إلا الدفع بالمرأة في اتجاه الانخراط في عملية التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي للواقع العيني الذي تعيشه. وهذا الانخراط، لا بد وان يؤدي إلى تطور التقاليد التي تفرض منطق الحجاب، إلى تقاليد تؤدي إلى التحرر منه، عبر منظومة تربوية متطورة، ومنتجة للإنسان، الذي ينشأ على احترام الآخر، ويكرس ذلك الاحترام في إطار من تنظيم العلاقات الاجتماعية، التي تأتى نتيجة للتغيير الشامل.