حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....24



محمد الحنفي
2008 / 4 / 7

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


محمد الحنفي
دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....10

وإذا كان مصير الحجاب في ظل هيمنة المعرفة الدينية على التقاليد مقررا مسبقا، تبعا لتلك الهيمنة، وكان مصيره في ظل هيمنة المعرفة العصرية على التقاليد واضحة أيضا:

فما دور سيادة هيمنة العلاقة الجدلية بين التقاليد، والمعرفة، على الحجاب؟

إن سيادة العلاقة الجدلية بين شيئين مختلفين، لا يعنى، في العمق، إلا التفاعل المنتج، ونحن نعرف أن التقاليد تعنى الجمود المستمر للممارسة الفردية، والجماعية، في ظل قيام مجتمع تقليدي، ومحافظ، كما نعرف أن المعرفة، مهما كانت، لا يمكن أن تكون، في عمقها، الا حركة مستمرة في اتجاه المستقبل، وعندما تقوم العلاقة الجدلية بينهما، فإن ذلك يعني التأثر، والتأثير، تأثر التقاليد بالمعرفة، وتأثر المعرفة بالتقاليد في نفس الوقت، وهذا التأثر، والتأثير المتبادل، لا يعنيان، في عمق تلك العلاقة، إلا التطور، والتطوير المتبادلان بين التقاليد، وبين المعرفة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن التقاليد لا تبقى جامدة، بقدر ما تصير متحولة، تبعا لحركة الواقع. والمعرفة لا تصير راهنة فقط، بقدر ما تصير مستوعبة لتحولات الواقع في الماضي، والحاضر، والمستقبل. وبناء على ذلك، يصير الحجاب، كتقليد اجتماعي، مساهما في تطور المعرفة بالشروط المنتجة له، ومتأثرا بتلك المعرفة في اتجاه اعتباره مجرد شكل من اللباس، تختاره النساء في زمن ما، وفي بلد ما، حتى تزول عنه القداسة التي تكتسبه قوة الواجب، وبصيرورتة مجرد اختيار، تنعتق المرأة من أسره، وتصير قابلة، وبموافقة الرجل، للتخلي عنه، ليصير المجتمع بذلك منفتحا، بدل أن يبقى منغلقا، وانفتاحه لا يعنى إلا قبوله بالتطور، والتطوير، انطلاقا مما يجرى على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص.

وإذا كانت سيادة هيمنة العلاقة الجدلية منتجة للتطور، والتطوير، في الواقع العيني، فإنه، من الأفضل، العمل على جعل العلاقة الجدلية بين التقاليد، وبين المعرفة، واقعا قائما، ومهما كان ذلك الواقع، حتى نضمن انخراط البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، في منظومة التطور المستمر، الذي لا حدود له، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ليصير الحجاب بذلك مجرد تقليد متغير، وعابر في نفس الوقت، ومن أجل أن لا ننشغل بجسد المرأة كعورة، بقدر ما ننشغل بها كإنسان، له مجموعة من الحقوق، عليه مجموعة من الواجبات الثابتة، والمتغيرة، تبعا لتغير معارف الإنسان.

وإذا تم التسليم بدور العلاقة الجدلية على الحجاب:

فهل يتطور الحجاب في اعتبار مجرد أشكال من اللباس تختارها النساء؟

أم أنه سيختفي، وبصفة نهائية، من الواقع في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين؟

قد يقول قائل: إن الحجاب يبقى حجابا كمفهوم، وكشكل، له علاقة بالدين، وبالتقاليد، وبالأعراف، وباعتبار المرأة مجرد عورة، وباعتبار العورة واجبة الحجب عن الأنظار، وبالكيفية التي يحددها الدين، وتصوغها الأعراف، والتقالي،د والعادات، ولا مبدل لذلك، مهما تغيرت الشروط الموضوعية التي يعيشها المسلمون، في أي بلد من البلدان العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

وقول كهذا، يبقى قابلا للنقاش، من منطلق أن فهم البشر للأشياء لا يعلو على النقد، ويجب أن يخضع للتقويم.

ومن منطلق حقنا في إبداء الرأي، نجد أنفسنا مضطرين للقول: بأن الحجاب هو من اختراع البشر، بعد أن تظافرت شروط موضوعية معينة دعت الى الحكم على المرأة بالبقاء وراء الأسوار، وإذا خرجت، فإنها ترتدي ثوبا فضفاضا يحجب معالم جسدها، حتى لا تسقط الأنظار على تلك المعالم، وتجنبا "للفتنة" كما يدعي ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي.

واعتبارنا الحجاب، كان، ولا زال، من وضع البشر، ومن صنعه، يرجع إلى:

ا ـ أنه وجد قبل مجيء الدين الإسلامي، وفي منطقة لم تعرف تعاقب الاقتناع بالديانات السابقة على الدين الإسلامي.

ب ـ أنه فرض على الإماء الممارسات للدعارة، تمييزا لهن عن الحرائر، التي لهن الحق في ارتداء اللباس، الذي يختارونه، دون أن يجرأ احد على تحديد شكله، والغاية من ذلك الشكل.

ج ـ أن الخوف من الفتنة، في نظر الدين الإسلامي، جاء مرتبطا بشكل اللباس، الذي يسمونه حجابا، كما جاء في القرآن الكريم: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن".

د ـ أن الرعيل الأول من المسلمين، لم يسع إلى فرض الحجاب على المرأة، ولم يحل بينها، وبين مخالطة الرجال من غير المحارم، بل إن الرسول، وصحابته، كانوا يصاحبون زوجاتهم في خرجاتهم المختلفة، بما في ذلك الخروج إلى الغزوات المختلفة.

ه ـ أن تفاحش أمر الإماء، في بيوت الأثرياء، في عهد بني أمية، وفي عهد بني العباس، هو الذي فرض الحجاب على الإماء اللواتي يتخذن للسخرة.

و ـ أن انتشار الفساد في مجتمعات المسلمين القديمة، والحديثة، والمعاصرة، كرس الإساءة إلى المرأة مما جعل "الحجاب"، بمفهومه المعتمد، سائدا في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين. وسيادته صارت جزءا من الدين، و"واجبا" دينيا، واجتماعيا.

ز ـ أن الأنماط التربوية المتبعة منذ القدم، والتي لازالت معتمدة في معظم البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، لا يمكن أن تنتج إلا عقلية تسييد دونية المرأة في المجتمعات المتخلفة في البلدان المذكورة، والتي لا يمكن إلا أن تعمل على تسييد مسألة الحجاب، كممارسة دينية، واجتماعية، مكرسة لدونية المرأة، باعتبارها عورة.

ح ـ أن الأنظمة القائمة، والمستبدة، واللاديمقراطية، واللاشعبية، تعمل على اكتساب شرعيتها من خلال ادعائها بأنها تمثل الدين الإسلامي، لا يمكن إلا أن تعتبر الحجاب "واجبا" دينيا، واجتماعيا، لستر عورة المرأة.

ط ـ أن القوانين المعتمدة، بإشراف الأنظمة المستبدة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، لا تكون إلا بمرجعية ما تسميه هذه الأنظمة ب "الشريعة الإسلامية"، من أجل قطع الطريق أمام الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، مما يؤدي إلى اعتماد الحجاب.

ي ـ أن الأحزاب الرجعية، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، الساعية إلى فرض استبداد بديل، أو العمل على تأبيد الاستبداد القائم في الحدود الدنيا، تسعى إلى التنظير لأشكال "الحجاب"، المعتمدة هنا، أو هناك، باعتبارها "واجبا" دينيا، وشرعيا، وأن كل من تتخلى عنه، يجب إقامة الحد عليها، باعتبارها ملحدة، ، وكافرة، وباعتبارها خارجة عن إرادة الله، وشريعته، مما يجعل التهافت وراء أشكال "الحجاب"، ممارسة اجتماعية، تترسخ في المجتمع باستمرار، تجنبا للتهديدات التي تصدر عن هذا التنظيم المؤدلج للدين الإسلامي، أو ذاك، في هذا البلد من البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، أو ذاك، ولضمان سلامة النساء بالخصوص، من استهداف هؤلاء المؤدلجين، الذين لا يعرفون إلا إقامة الحد، الذي يصير ممارسة إرهابية بامتياز.

وبهذا التناول الهادئ، نصل إلى أن علاقة التقاليد بالمعرفة تتنوع تنوع التقاليد، وتنوع المعرفة في نفس الوقت، وهذا التنوع يعرف مستويات تختلف باختلاف الزمان، والمكان، وباختلاف التقدم، والتخلف، وباختلاف الطبقات الاجتماعية المرتبطة بكل تشكيلة اقتصادية / اجتماعية، حيث رأينا أنه في شروط معينة، تكون الهيمنة للتقاليد، وفي شروط أخرى تكون الهيمنة للمعرفة، وقلما نجد قيام علاقة جدلية بينهما، وكنتيجة لهذه العلاقة وتنوعها نجد قيام الحجاب كمظهر لسيادة تقاليد معينة، كما نجد أن تنوعه يعبر عن تنوع التقاليد، وتنوع المعرفة التقليدية، وأن تأرجحه بين السيادة، والتخلف، والظهور، والاختفاء، يدل على تأثره بالمعارف المتطورة، وبطبيعة المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني،