حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....26



محمد الحنفي
2008 / 4 / 9

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.

دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....12

وفي أفق استنتاج ما يجب استنتاجه، نبدأ بمقاربة الجواب على السؤال:

ما المراد بالمعارف التقليدية؟

إن المعارف جمع مفرده معرفة، والمعرفة هي ما تمكن الإنسان من إدراك خصائصه المميزة له، انطلاقا من اعتماد معين، يحدد طبيعة ذلك الإدراك:

وهل هو مادي، أو مثالي؟

والمعرفة، من حيث هي، تكون إما تقليدية صرفة، وإما تقليدية متجددة، ومتفاعلة مع ما هو حديث، حتى تصير حديثة بكل المقاييس، وفي أفق صيرورتها معاصرة.

ونحن هنا نقتصر فقط على تناول مفهوم المعرفة التقليدية، باعتبارها موضوع المقاربة في هذه الفقرة.

ولذلك، نجد أن المعرفة التقليدية، هي المعرفة التي تقف عند حدود معينة، تم نسجها في الماضي، ويتم الحرص في الحاضر على عدم تجاوزها، لدورها في إعادة إنتاج نفس الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

ويدخل في إطار المعرفة التقليدية، كل معرفة يتم إنتاجها على نفس المقاس، وبنفس المنهج، مما يجعل منها معرفة ماضوية، على مستوى الشكل، وعلى مستوى المضمون، سواء تعلق الأمر بالمعرفة الدينية، أو المعرفة الأدبية، أو المعرفة الفلسفية، أو المعرفة الاقتصادية، او الاجتماعية، أو الثقافية، أو السياسية، وبماضويتها تصير إنتاجا للمعرفة التقليدية، حتى وإن تم إنتاجها في الحاضر.

فالمعرفة التقليدية الدينية هي كل معرفة تسعى إلى إحياء ما أنتجه الأوائل في هذا المجال، باعتباره مثالا لا يجب تجاوزه، بقدر ما يجب استحضاره في الممارسة الفردية، والجماعية، باعتبار تلك الممارسة هي المعبر الفعلي عن "التمسك بالدين" بصفة عامة، وعن "التمسك بالدين الإسلامي" بصفة خاصة. وهو ما يجعل معرفة من هذا النوع، تكتسب طابع القداسة، وتجعل مروجي هذه المعرفة، ومنتجيها، في الحاضر مقدسين.

وتلعب المعرفة الدينية، دورا كبيرا في ترسيخ التقاليد الدينية، باعتبارها ممارسة دينية معبرة عن الانتماء إلى دين معين، وباعتبارها، كذلك، ممارسة للقداسة في أرقى صورها، مما يجعل المتدينين يجتهدون في تمثل التقاليد الدينية، التي تعتني بتعميق ابحث في المعرفة التقليدية الدينية، وتمثل التقاليد الدينية يقود مباشرة إلى تمثل التقاليد الاجتماعية، التي تصير بدورها مقدسة، فالمعرفة التقليدية الدينية تصير وسيلة لممارسة السلطة الدينية على جميع أفراد المجتمع، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة. والتقاليد الدينية، والاجتماعية، تصير هي المجال المناسب لممارسة تلك السلطة. والمستفيد بالدرجة الأولى من السلطة الدينية، عبر التقاليد، هو الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي.

أما المعرفة التقليدية الأدبية، فتقود إلى اعتبار الآداب، التي أنتجها الأقدمون، مثالا يجب الإقتداء به، والالتزام بمنهجه، على مستوى الشكل، والمضمون، سواء تعلق الأمر بالإحياء، أو بالإنتاج الأدبي في العصور اللاحقة.

واعتبار الآداب التقليدية مثالا يتم الحرص على معرفته، وتقليده، يقود الى انتقال قيمه إلى المجتمعات اللاحقة، التي تصير مجرد مجتمعات مستنسخة عن الزمن الماضي، الذي لا يمكن تجاوزه، ولا القفز عليه، لتكتسب المعرفة التقليدية الأدبية، شكلا من القداسة، التي ترقى إلى مستوى قداسة الدين نفسه، خاصة، وأن الإنتاج الأدبي التقليدي، يساعد، بشكل كبير، على فهم اللغة، وفهم النص الديني، بالنسبة للعرب، والمسلمين، الذين يصير من واجبهم تقديس الآداب التقليدية، بشعرها، ونثرها، بقصصها، ومقالاتها، وأمثالها، ما دامت تؤدي الدور المساعد على فهم النص الديني. وهذه القداسة، التي وقفنا عليها، هي التي دفعت إلى الاهتمام برواية التراث، وتصنيفه، وطبعه في كتب، حتى يصير في متناول الدارسين الذين يزيدون من قداسته، فيصيرون هم بدورهم مقدسين.

وتبعا لأهمية المعرفة التقليدية / الأدبية، فإن التقاليد الاجتماعية التي صاحبت إنتاج الآداب المستهدفة بالمعرفة، تصير تقاليد اجتماعية ممارسة في الحياة اليومية للمواطنين، وكأن العرب، والمسلمين، يسجنون أنفسهم في ذلك الزمن الماضي، الذي يصير مقدسا، ويصير السجن فيه بمثابة عبادة.

وبالنسبة للمعرفة الفلسفية، نجد أن الفلاسفة الكلاسيكيين يصيرون قدوة للمتتبعين، وتصير فلسفتهم وسيلة لتكريس الرؤى، والتصورات التقليدية للإنسان، وللكون، وللطبيعة، باعتبار كل ذلك لا يتغير إلا بإرادة القوة الخفية، التي لا يدرك كمهها إلا الفلاسفة المنتجون للفلسفة الكلاسيكية، قديما، وحديثا. وهو ما يرفع هذا النوع، من الإنتاج الفلسفي، إلى مستوى القداسة، نظرا لدوره في توجيه الممارسة الفردية، والجماعية، وبطريقة تلقائية، نظرا للدور الوجيه، والمؤثر، للمعرفة الفلسفية التقليدية.

وعندما يتعلق الأمر بالمعرفة الاقتصادية / التقليدية، نجد ان معظم كادحي الشعب، في كل بلد من البلدان العربية، وباقي بلدان المسلمين، يتشبعون بالمعرفة الاقتصادية التقليدية، التي لها علاقة بالزراعة التقليدية، وبالصناعة التقليدية، وبالتجارة في الإنتاج الزراعي التقليدي، والإنتاج الصناعي التقليدي، خاصة، وان التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يساعد على ذلك. والمعرفة الاقتصادية / التقليدية، تلعب دورا أساسيا في تكريس التقاليد، وترسيخها على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، نظرا للعلاقة الوثيقة بينهما.

وتحكم المعرفة الاقتصادية / التقليدية في ترسيخ التقاليد، وفي تجسيدها، في نفس الوقت، يساعد على تمسك الأفرا،د والجماعات، بالمعرفة الاقتصادية / التقليدية، تبعا لتمسكهم بالتقاليد نفسها، مما يؤدي إلى امتلاك مناعة ضد التقدم، والتطور، الذي يقتضي التخلص من عقلية تقديس المعرفة الاقتصادية / التقليدية، المنتج هو بدوره لتقديس التقاليد الاقتصادية، والاجتماعية.

وإذا انتقلنا إلى المعرفة الاجتماعية التقليدية، فإننا نجد أن هذه المعرفة ذات ارتباط وثيق بالتعليم التقليدي، أو كما يسمونه بالتعليم الأصيل. الذي يسبر غور الماضي، ويخرج منه القيم التي تلتصق بحياة الناس، فتجعلهم يستعيدون تقاليد الماضي، كما تصورها المعرفة الاجتماعية المرتبطة بالتعليم التقليدي.

كما أن هذه المعرفة ذات ارتباط وثيق بالصحة، خاصة وأنها تعتبر المدخل الرئيسي لسلامة المجتمع. ولذلك نجد أن الاهتمام بالمعرفة الصحية / التقليدية، تعتبر مسألة استيراتيجية بالنسبة للشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، مما يجعل الاهتمام بطرق العلاج التقليدية، حتى وإن كانت ذات طبيعة أسطورية، وبالأعشاب الطبيعية الطبية، التي غالبا ما تستعمل استعمالا غير علمي، مسألة أساسية في حياة العرب، والمسلمين، انطلاقا من أن علاجا من هذا النوع، لا يمكن أن يكون علاجا دينيا، يتخذ طابع القداسة، كامتداد للقداسة الدينية.

وكامتداد للمعرفة الاجتماعية، نجد الاهتمام بمعرفة طرق إعداد السكن التقليدي، من أجل تجنب كلفة السكن العصري، وانطلاقا من أن الإنسان المومن بالدين الإسلامي، يعتبر نفسه مجرد عابر إلى الحياة الأخرى، ويعتبر الحياة مجرد محطة للعبور إلى تلك الحياة، وانطلاقا كذلك من حالة الزهد، التي تنتاب كادحي المسلمين، فإننا نجد أنهم يحرصون على معرفة كل ما يتعلق بالطرق التقليدية في إعداد السكن الاقتصادي بالخصوص، مما يستجيب للانخراط في التقاليد العتيقة، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدين الإسلامي، خاصة، وأن السكن في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يجب أن يستجيب للتصور القاضي بخدمة الأهداف التي يسعى الدين الإسلامي إلى تحقيقها بين المسلمين، وخاصة تلك التي تتعلق بحجاب المرأة وكما يراه مؤلجو الدين الإسلامي.

وفي نفس الامتداد نجد الاهتمام بطرق التشغيل التقليدية، في ميادين التجارة، والصناعة، والزراعة الممتدة في عمق التاريخ البشرى بصفة عامة، وفي عمق التاريخ المتعلق بالمسلمين بصفة خاصة، مما يجعل تلك المعرفة حافزا على إقناع أفراد المجتمع بالقيام بالعمل المناسب في مجال التجارة، أو الصناعة، أو الزراعة، حتى يتمكن من إعادة تشكيل الشغيلة، التي كانت قائمة في الماضي.

وعلى غرار الاهتمام بالمعارف التقليدية في مجالات التعليم، والسكن، والصحة، والشغل، نجد أن الاهتمام بطرق الترفيه التقليدية، يبقى حاضرا في ممارسة العرب، والمسلمين، وعلى جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، ،المدنية، والسياسية، حتى يتم تمثل الماضي، بكل مافيه، ومن اجل أن يصير الماضي ملازما للفكر، والوجدان، من خلال الممارسة اليومية، الفردية، والجماعية.

ومعلوم ما للمعرفة الاجتماعية / التقليدية من أهمية في استعادة تقاليد الماضي، وفي إعادة إنتاجها على أرض الواقع، من خلال العلاقات الاجتماعية، في مستوياتها المختلفة. وهو ما يجعل تقاليد الماضي مهيمنة على الممارسة الاجتماعية، باعتبارها امتدادا لمن عاشوا قبلنا، فينا، وباعتبارها تعبيرا عن التمسك بهويتنا التاريخية، ونظرا لتأثرها بالقيم الدينية، وتفاعلها معها. وإذا كانت التقاليد الماضية حية في مسلكيتنا الفردية، والجماعية، وبالخصائص، والامتدادات المختلفة، فإن ذلك لا يعنى إلا إكسابها قداسة معينة، تجعل منها ممارسة دينية صرفة، في مستوياتها المختلفة