المرأة.. قاصرة.. متبوعة.. غير حرة



فاخر السلطان
2008 / 4 / 10

الخطاب الديني الراهن، المهيمن على المجتمعات العربية، تبدّل من معين لبناء الحاضر، إلى منهج يدعو للعودة إلى الماضي لبناء مجتمع يتسم بحداثة خادعة وشكلية فحسب. فالخطاب استفاد من وسائل الحداثة لكنه، للأسف، حذف معظم مفاهيمها ومضامينها التي شكلت الأساس النظري والقاعدة الرئيسية لولادة تلك الوسائل. فالهدف الأول لمنظري ذلك الخطاب هو الوقوف ضد الجهود المبذولة لبناء مجتمعات حديثة، في الشكل وفي المضمون، وهم يبررون موقفهم هذا على أساس أن المشروع الحداثي يناهض في نظرياته ومفاهيمه وسلوكه مشروعهم التراثي وفهمهم التقليدي الضيّق عن الدين، ويرون في مشروعهم أنه صالح لكل زمان ومكان بزعم قدرته الإجابة على جميع أسئلة الحياة الراهنة، مثل سؤال حقوق الإنسان وحقوق المرأة وغيرها، على الرغم من أن تلك الإجابات لن تكون سوى إجابات تاريخية لموضوعات حديثة.
ومعروف أن معظم الرؤى المنتمية إلى الخطاب الديني الراهن تعارض، من خلال سند نصي وفهم تاريخي، الحقوق الحديثة للمرأة، كحقوقها الفردية والسياسية والاجتماعية التي هي جزء لا يتجزأ من الحقوق العامة للإنسان، وتستند المعارضة إلى اعتبار أن حقوق المرأة، وفق المنظور الحديث، لا تنتمي إلى النظرة الاجتماعية التاريخية للدين. فالفقهاء الذين أيدوا حقوقها السياسية، لم يؤيدوها انطلاقا من النظرة الحقوقية والاجتماعية الحديثة، إنما انطلاقا من تفسيرهم للسند النصّي التاريخي الذي أيد وجهة نظرهم تلك، إذ لولا ذلك التفسير للسند لما أيدوا تلك الحقوق أيضاً.
إن الخلل في الخطاب الديني، المناهض بعضه لحقوق المرأة وبعضه الآخر مؤيد، أي المتناقض في طرح النص الديني بوصفه حجة لرؤيته، باعتبار أن تفسير النص حماّل أوجه، وبالتالي كل جهة تعتقد بأنها تمتلك فهم "الحقيقة المطلقة" ومن ثم تلغي رؤية الجهة الأخرى.. إن ذلك الخلل يكمن في أن الخطاب التاريخي يبتعد بمفاهيمه ونظرياته مسافات كبيرة عن مفاهيم ونظريات العالم الجديد الذي نعيش فيه. فالخطاب يصر على الاستفادة فقط من وسائل الحداثة، ويتجاهل نظرياتها ومفاهيمها المولّدة والمؤسسة لتلك الوسائل، أي إنه يمثل أعلى درجات الاستغلال: الاستفادة من وسائل الحداثة ورمي مفاهيمها العلمية والإنسانية الحقوقية في سلة المهملات.
إن أنصار الخطاب الديني إنما سعوا لفصل قضيتين أساسيتين ترتبطان بحقوق المرأة، الفصل بين حقوقها كامرأة وبين حقوقها كمسلمة، واعتبروا هذا الفصل هو السلاح الذي من خلاله يستطيعون أن يواجهوا مفاهيم عالم الحداثة الجديد الداعية إلى تحرّر المرأة من أسر التاريخ ووصاية رجل الدين الفقهاء وإعطائها حقوقها الإنسانية كاملة غير مجزأة. فهم يثيرون مشروعهم الضيق بهدف التفريق بين حقوق المسلمة وبين جميع نساء العالم، ويستندون إلى فهم تاريخي يقول أن الإسلام طرح مشروعا متكاملا حول المرأة يحتوي على الكثير من الحقوق بما فيها حقوقها السياسية، لكن مشروعهم الظاهري هذا لن يكون إلا سدا أمام مساعي تحريرها من الوصاية ومن الحرية.
إنّ من يدخل بيوت الأسر الكويتية ينبهر من مستوى الظلم الفردي والاجتماعي الواقع على الكثير من البنات والنساء، وسوف يستنتج بأن حقوق المرأة السياسية هي جزء يسير من حقوقها الحياتية العامة التي تفتقدها. فالمرأة تبدو حرة تماما مثل الرجل، وذات إرادة ومسؤولية، ولا وصاية لأحد عليها مثلما يريد ويخطط الخطاب الديني، حيث يتحجج في تأييد موقفه هذا تارة بالفقه التاريخي الذي عفا عليه الزمن، وتارة بمبررات "المحافظة" على العادات والتقاليد. إن أخطر ما يهدد كيان المرأة وشؤونها، ومن ثم حياتها بشكل عام، هي الثقافة التي تريدها أن تكون متبوعة غير متحررة، قاصرة لا تملك الإرادة، وبالتالي مملوكة غير حرة، وهي ثقافة يتبناها أنصار الخطاب الديني المنطلق من الرؤية التاريخية الاجتماعية للحياة، حيث يرفض أي رؤية لا تتوافق مع التاريخ ويعتبرها مناهضة للدين.
إن نضال المرأة الكويتية لنيل حقوقها السياسية تَجسد نظريا في القرار التاريخي الذي صدر عن مجلس الأمة في مايو عام 2005. غير أن هذه الحقوق ظل ينقصها شيء أساسي هو كيفية تفعيل النظرية إلى واقع عملي. فالمراقبون، في الكويت وفي خارجها، يتوقعون إخفاق المرأة في الوصول إلى البرلمان في انتخابات مجلس الأمة المقررة في 17 مايو المقبل مثلما توقعوا ذلك في الانتخابات الماضية. ويعزون ذلك إلى أسباب عديدة أبرزها استمرار هيمنة الثقافة الأبوية الذكورية على الواقع الاجتماعي مما يعرقل وصول المرأة إلى مقاعد كانت لعقود حكرا على الرجل.
والسؤال الذي نطرحه هنا هو: هل يجب الوقوف بوجه الثقافة الذكورية وتغيير الواقع الاجتماعي الذي يهيمن عليه التفسير الديني والقبلي الذكوري المعادي للمرأة قبل خوضها الانتخابات، لكي نضمن بعد ذلك وصولها إلى البرلمان، أم أن خوض المعركة الانتخابية هو جزء من معادلة التغيير؟
باعتقادي الشخصي أن خوض المرأة للمعركة الانتخابية هو جزء من معادلة التغيير، بمعنى أنه بموازاة ترشح المرأة لانتخابات مجلس الأمة لابد للقوى الداعية إلى تحرير المرأة والداعمة لمبدأ المساواة بين الجنسين أن تسعى إلى التأثير في الواقع الاجتماعي الذكوري بغية تغييره، وهذا لم يحدث لا من قِبل أنشطة المرأة نفسها ولا من قِبل تلك القوى. ومن يتحدث عن أنشطة تغييرية في الكويت سوف يشير إلى جهد متواضع لا يستطيع من خلاله أن يجاري حجم المشكلة وتبعاتها المؤثرة على استمرار ذكورية المجتمع.
هذه الصفات المؤسسة لـ"إيديولوجيا الذكر" هي التي يجب أن يصار إلى تغييرها في المجتمع الكويتي بموازاة خوض معركة الانتخابات، لكن ذلك للأسف لم يحصل لأسباب متعددة، أهمها أن هناك سعيا للقفز على عوامل التغيير باتجاه تحقيق هدف ثانوي هو وصول المرأة للبرلمان من دون تحديد الهدف الرئيسي، وهو المساواة بين الجنسين على أساس الحقوق والواجبات. هذا الهدف الرئيسي هو مدخل حصول المرأة، ليس على حقوقها السياسية فحسب بل، على حقوقها العامة من فردية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها. لذا فإن معركة تحرير المرأة وحصولها على حق المساواة تقع على عاتق الرجل والمرأة معا. لأنها حقوق إنسانية. فإذا ما كان أحدهما، أي المرأة، حريص على تلك الحقوق والآخر، أي الرجل، غير مبال إلا بمصالحه الذكورية، فإن وعيا ديموقراطيا زائفا سيتشكل.

كاتب كويتي