حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....27



محمد الحنفي
2008 / 4 / 10

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.


محمد الحنفي


دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....13

وإلى جانب المعارف التي ذكرنا، نجد أن المعرفة الثقافية التقليدية لا تقل أهمية عن المعرفة الاقتصادية، واجتماعية، والأدبية، والفلسفية التقليدية، إن لم تكن أكثرها أهمية. لأن المعرفة الثقافية التقليدية، لا تعني بالنسبة إلينا إلا معرفة القيم التقليدية، التي كان يتحلى بها من سبقونا في الزمان، ... ومعرفة هذه القيم، يجعلها تنتقل مباشرة إلى التحلي بها، فيصير الناس في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، يعيشون في الحاضر، بقيم الماضي السحيق.

والتحلي بقيم الماضي، لا يعني، في عمق الأشياء، إلا تجسيدا للتقاليد الماضوية على أرض الواقع الراهن.

ولذلك نجد أن قيم الحجاب المصاحبة لقيم الثقافة الماضوية، تجعل حامل، أو حاملة تلك القيم، تحرص على خروج المرأة "محجبة"، حسب الشكل المتعارف عليه، ودون التفات إلى الفروق الهائلة بين إنسان الزمن السحيق، وإنسان الحاضر، الذي يتفاعل مع شروط مختلفة اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

فالحجاب، كقيم، يصير خير تعبير عن تجسيد الثقافة التقليدية، التي تصير مفروضة على العرب، والمسلمين، باعتبارها معرفة ثقافية دينية، تفرض الالتزام بها، من أجل اكتساب شرعية الانتماء إلى المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، إلى جانب اكتساب شرعية الانتماء إلى الدين الإسلامي. وكل امرأة لا تلتزم بالحجاب، تصير فاقدة لتلك الشرعية. وهذا الالتزام يدخل في بناء منظومة عقلية الحجاب، التي تقف وراء سيادة تخلف المرأة، التي تصير جامدة، غير قابلة للتطور، رغم اقتحامها لمجموعة من الميادين الحيوية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لأن اقتحامها لتلك الميادين لم يكسبها حق تجاوز عقلية الحجاب، التي تسجنها ضمن قيمة اعتبار المرأة عورة.

وبذلك نجد أن المعرفة الثقافية التقليدية، تلعب دورا رائدا في ترسيخ التقاليد الماضوية، التي يعتبر التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، مجالا خصبا لإعادة إنتاجها، من أجل أن تتحول إلى قوة قاهرة، لفرض ما صار يعرف بظاهرة الحجاب.

كما نجد أن المعرفة السياسية التقليدية، تحتل الأهمية القصوى بالنسبة إلى الأنظمة القائمة، التي تكتسب شرعيتها من خلال اعتماد نماذج أنظمة الحكم في الزمن الماضي، وخاصة تلك التي تستند في قيامها إلى ما صار يعرف "بالشريعة الإسلامية".

فالمعرفة السياسية التقليدية، تحيلنا على معرفة أنظمة الحكم التي كانت سائدة في الزمن الماضي، وعلى جميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والقومية، والعالمية، ودور تلك الأنظمة في فرض التمسك بالتقاليد الإقتصادية، والإجتماعية، والثاقفية، والسياسية، حتى تصير المعرفة السياسية مصدرا لقيام الأنظمة السياسية الحالية، في البلاد العربية، وفي جميع بلدان المسلمين، على مقاس الأنظمة التي قامت في الزمن الماضي، أملا في اكتساب شرعية الماضي، وفي اكتساب الشرعية الدينية، حتى تلعب دورها في إعادة صياغة الواقع على مقاس الماضي، ومن أجل اعتبار الأنظمة القائمة، أنظمة دينية، تقوم تحت يافطة "الدولة الإسلامية"، التي تسعى إلى فرض تكريس قوة الزمن الماضي، باسم "تطبيق الشريعة الإسلامية"، التي تلعب دورا كبيرا، وأساسيا في نمذجة الحاضر عل مقاس الماضي، وخاصة على مستوى التسييس الاجتماعي، الذي يوجه سياسيا، في اتجاه ترسيخ تقاليد الماضي، التي يأتي من بينها ترسيخ ظاهرة "الحجاب"، باعتبارها ظاهرة سياسية، تنسجم مع ظواهر الزمن الماضي المختلفة.

وانطلاقا من هذا التوضيح البسيط، يمكن أن نعتبر أن المعرفة السياسية التقليدية، تعتبر هي المعرفة المهيمنة على جميع المعارف التقليدية، لدورها في توجيه بقية المعارف إلى تحقيق الأهداف السياسية التقليدية، التي تعمل على توجيه تشكيل الحاضر على مقاس الماضي، وبشكل قسري، حتى يتنمط جميع أفراد المجتمع، كما تريد، ذلك، الأنظمة السياسية القائمة، الساعية إلى فرض أنظمة سياسية تقليدية بديلة.

فالمعارف التقليدية، إذن، هي الوعاء الحامل لمختلف تقاليد الماضي، التي تصير نماذج مستهدفة بالإحياء، حتى توجه، وبقوة الواقع، المسلكية الفردية، والجماعية، حتى تصير تلك المسلكية، التي تتخذ طابعا تقليديا، وسيلة لجعل "حجاب" المرأة، قوة قائمة في الواقع، الذي يصير مطابقا لما أتى به "الدين الإسلامي"، كما يذهب غلى ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي، الساعون إلى تأبيد الاستبداد القائم، أو الساعون إلى فرض استبداد بديل.

وانطلاقا من هذه الخاصية، يمكن أن نقول: إن المعرفة التقليدية، هي المعرفة القائمة على أساس الإحاطة بمعرفة الزمن الماضي، في توجهاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تصير قوة دافعة في اتجاه إعادة صياغة الحاضر، على مقاس الماضي، وعلى جميع المستويات، وفي جميع المجالات، ومن أجل أن تتشكل المسلكية الفردية، والجماعية، على هذا الأساس.

وانطلاقا من هذا الفهم المعمق للمعرفة التقليدية، نجد أنفسنا أمام السؤال:

هل هناك معرفة تقليدية واحدة؟

أم أن هناك معارف تقليدية مختلفة؟

إننا عندما نرتبط بالبلاد العربية، وباقي بلاد المسلمين، نرتبط بما هو عام، وما هو خاص، في نفس الوقت، وما هو عام قد يجمع بين جميع هذه البلدان، كما هو الشان بالنسبة للدين الإسلامي، وقد يجمع بين بعضها فقط، كما هو الشان بالنسبة للغة العربية، التي تجمع بين جميع البلدان العربية. أما ما هو خاص، فتندرج في إطاره الخصوصيات المحلية، التي تكسب البلاد العربية، وباقي بلدان المسلمين، طابع التنوع في جميع المجالات: الإقتصادية، والإجتماعية، والثقافية، والسياسية. وما رأيناه في القوات السابقة، له علاقة بما هو عام. أما ما سنتناوله في مقاربتنا للسؤال أعلاه، فلا علاقة له بما هو خاص.

وبناء على التحديد الذي ذكرنا، فإننا نجد أنفسنا:

أولا: أمام تعدد البلدان، فهناك البلدان العربية، والبلدان غير العربية، وهناك بلدان المغرب العربي، وبلدان الشرق العربي، وايران، وتركيا، وباكستان، وافغانستان، والهند، وغيرها من البلدان التي ينتشر فيها الدين الإسلامي، بطريقة، أو بأخرى.

ثانيا: أمام تعدد اللغات، واللهجات، في كل بلد على حدة.

ثالثا: أمام تعدد المذاهب الدينية الكبرى، إلى جانب تعدد المعتقدات في كل بلد على حدة، وبين سكانه.

رابعا: أمام تعدد التشكيلات الاقتصادية / الإجتماعية، واختلاف طبيعة تلك التشكيلة من بلد، إلى آخر.

خامسا: أمام تعدد الخصوصيات العرقية، والبيئية، من بلد إلى آخر.

سادسا: أمام اختلاف التقاليد من بلد إلى آخر، تبعا لاختلاف العادات، والأعراف.

وتأسيسا على هذا التعدد، والاختلاف، من بد إلى آخر، والذي لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال، نجد أن المعارف التقليدية، أيضا، تختلف تبعا للاختلاف المشار اليه.

ولذلك نجد أنه لا يمكن الحديث عن معرفة تقليدية واحدة، في البلد الواحد، كما أنه لا يمكن الحديث عن معرفة تقليدية: اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو مدنية، أو سياسية واحدة، وفي البلد الواحد. بل هناك معارف تقليدية تختلف باختلاف الخصوصيات العرقية، واللغوية، والدينية، والتاريخية، التي تعكس التنوع الذي تعرفه البلدان العربية، وباقي بلدان المسلمين.