حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية، والبيئة، والموروث الديني.....28



محمد الحنفي
2008 / 4 / 11

إلى:
• الحوار المتمدن في جرأة طرحه للمواضيع الشائكة، والساخنة، التي تقف وراء حركة الفكر التي لا تنتهي.

• كل امرأة ناضلت من أجل إعادة النظر في القيم التي تكرس دونيتها.

• من أجل امرأة بمكانة رفيعة، وبقيم متطورة.

• من أجل كافة الحقوق الإنسانية لكافة النساء.

محمد الحنفي

دور التقاليد العشائرية، والاجتماعية، في تحقيق فرض الحجاب:.....14

وانطلاقا من هذا الإقرار نجد في البلد الواحد نجد أن:

1) المعرفة التقليدية الاقتصادية، التي تربط السكان بالأنماط الإقتصادية التقليدية، والتاريخية، التي يتم إعادة إنتاجها، للحفاظ على الخصوصية الاقتصادية المغربية، أو الجزائرية، أو التونسية، أو الليبية، أو المصرية، أو الفلسطينية، أو الإيرانية، أو الأفغانية، أو الباكستانية...وهكذا، حتى يبقى كل بلد متميزا بالأنماط الاقتصادية المتوفرة فيه، والتي تميزه عن البلد الآخر. والمعرفة الدقيقة بتلك الأنماط تمكن مر استمرارها، ومن تميزها، ومن دورها في ربط شعب معين بتاريخه الاقتصادي المتميز، وفي إطار ما صار يعرف بإحياء التراث الاقتصادي، أو بإحياء التقاليد الاقتصادية، أو بالزراعة التقليدية، أو بالتجارة التقليدية، التي تترتب عنها المعرفة الاقتصادية التقليدية.

2) المعرفة التقليدية الاجتماعية، التي تحيل سكان كل بلد على التشكيلات الإجتماعية / التاريخية، التي تختلف من بلد لآخر، نظرا لاختلاف الشروط الذاتية، والموضوعية، في كل بلد على حدة، ومن زمن إلى آخر، مما يحيلنا على تعدد المعارف الاجتماعية، حسب الأزمنة التاريخية، وحسب الأمكنة. وهذه المعرفة الاجتماعية / التقليدية المتعددة، من بلد إلى آخر، تجد من يعيد إنتاجها، وبمظاهرها المتعددة، الأمر الذي يؤدي إلى إحياء تقاليد متنوعة، ومتعددة، تعدد البلدان، وتعدد الأزمنة، التي وقفت وراء إنتاج التقاليد الإجتماعية في بلد ما، وفي زمن ما. وتنوع التقاليد ليس إلا امتدادا لتنوع المعارف التقليدية. وهو ما يعنى أن المعارف التقليدية الاجتماعية ليست واحدة، وأن التقاليد الاجتماعية المترتبة عن ذلك، ليست واحدة. وإذا أحلنا تلك التقاليد المتعددة، والمتنوعة، على الدين الإسلامي، فإنه يترتب عن ذلك تعد المرجعيات الإسلامية التقليدية المنتجة لتعدد التقاليد المعتمدة في صياغة المسلكية الإسلامية. وهذا التعدد لا يمكن أن ينتج إلا تعددا في تصور "الحجاب" الإسلامي، الأمر الذي لا يمكن أن نستنتج منه إلا شيئا واحدا، وأكيدا، وهو أنه ليس هناك شيء اسمه "الحجاب" الإسلامي، بقدر ما جاء في القرآن الكريم نصيحة إلى المومنين، والمومنات، بهدف تكريس مبدأ الإحترام فيما بينهم. ذلك الإحترام الذي هو أساس الإجتماع ين المؤمنين، كما جاء في الآية الكريمة، التي نكرر ذكرها في معالجتنا لموضوع: "الحجاب"، لدلالتها العميقة: "قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمومنات يغضضن من ابصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن"...الآيات. وإذا كان هناك تعدد في النصائح الموجهة إلى المرأة، فمن باب الإقرار بدونية المرأة، الموروث عن مجتمع ما قبل مجيء الدين الإسلامي. وتلك الدونية التي ازدادت تعمقا بفعل الفهم السيء للنص الديني، والذي يؤول على هوى مؤدلجي الدين الإسلامي.

فظاهرة التعدد في المعرفة التقليدية / الاجتماعية، المنتجة لظاهرة التعدد في إعادة انتاج التقاليد العتيقة، هو الدليل القاطع على أن "الحجاب"، بتعدد مظاهره، ليس إلا تعبيرا عن تخلف المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين.

3) المعرفة التقليدية الثقافية، التي تلعب دورا كبيرا في الوقوف على طبيعة القيم التقليدية، وعلى تنوع تلك القيم، وعلى أثرها في صياغة المسلكية الفردية، والجماعية، وعلى دورها في إعادة انتاج التقاليد العتيقة، وفي إعادة انتاج قيم التخلف الاقتصادي، والإجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي.

فالمعرفة التقليدية الثقافية، تعتبر مسألة ذات أهمية، بالنسبة إلى الدول ذات الأنظمة التابعة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، وبالنسبة للتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تسعى إلى تأبيد الإستبداد القائم، او تسعى إلى فرض استبداد بديل؛ لأنه بإشاعة القيم الثقافية التقليدية، تستطيع الأنظمة التابعة، إحياء التقاليد العتيقة، ويستطيع مؤدلجو الدين الإسلامي، تسييد ايديولوجيتهم، التي تزداد تمكنا من نفوس المواطنين البسطاء، عن طريق انضاج الشروط المناسبة لإحياء مختلف التقاليد العتيقة، التي تصير في ممارسة، وفي عرف مؤدلجي الدين الإسلامي، مطابقة للدين الإسلامي، ليصير كل من عمل على التمسك بالتقاليد العتيقة مسلما، وكل من سعى إلى التحرر من تلك التقاليد كافرا، يجب قتله.

وتبعا لإشاعة المعرفة التقليدية / الثقافية بين الشعوب في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، نجد أن إحياء تقاليد الحجاب، تعتبر مسألة أساسية بالنسبة للأنظمة التابعة، وللتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، باعتبار تقاليد الحجاب، على اختلافها من مذهب إلى مذهب، ومن جهة إلى جهة، في نفس الدولة، ومن دولة تابعة إلى دولة تابعة أخرى، وسيلة لإعطاء الشرعية الدينية للأنظمة التابعة، وللتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، التي تختلف تأويلاتها للدين الإسلامي، كما تختلف تصوراتها للحجاب، الذي يدعون أنه من الدين الإسلامي.

والواقع، أن الاهتمام بالمعرفة الثقافية / التقليدية، ومن وجهة نظر الطبقات الحاكمة في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، ومن وجهة نظر التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، بما فيها المعرفة الثقافية التقليدية بأشكال حجاب المرأة، لا بهدف إلا إلى فرض الاستبداد، وتأبيد ذلك الإستبداد، حتى تتأبد سيادة المعرفة التقليدية / الثقافية، كما يراها مؤدلجو الدين الإسلامي.

4) المعرفة التقليدية السياسية، التي تعتبر ذات أهمية قصوى، لأن إحياء الأنظمة التقليدية السياسية، يقتضي معرفة تقليدية سياسية دقيقة، من أجل معرفة تلك الأنظمة التقليدية السياسية، وطبيعتها، واسس قيامها، والشروط الموضوعية التي أدت إلى وجودها:

وما هي الإنجازات التي قامت بها؟

وفي أي اتجاه؟

وهل قامت على أسس معتقداتية؟

وما طبيعة تلك المعتقدات؟

وهل يمكن اقتفاء أثرها على المستوى السياسي؟

وعلى مستوى بناء الدول؟

وما دور اقتفاء أثرها في استعادة تقاليد الماضي على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي؟

وما دور استعادة تلك التقاليد في فرض الحجاب على المرأة وفي دور ذلك الحجاب في تعطيل نصف المجتمع؟

وما دور استعادة تقاليد الأنظمة التقليدية السياسية في تأبيد الاستبداد القائم؟

وما دور تلك الاستعادة في ايجاد التوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي ،الساعية إلى فرض استبداد بديل؟

إن المعرفة التقليدية السياسية، لعبت دورا تاريخيا كبيرا في تأبيد الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وفي السعي إلى فرض استبداد بديل. وهذا الدور هو الذي يجعل هذا النوع من المعرفة التقليدية / السياسية، سببا في إعادة إنتاج التخلف في مستوياته المختلفة...مما يجعل المجتمعات في البلاد العربية، وفي باقي بلدان المسلمين، تعيش عمق التخلف، الذي يحول دون تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. وهو ما يطرح صعوبة أمام الحركة السياسية، والجماهيرية المناضلة، مما يجعل إمكانية التغيير في اتجاه المستقبل غير ممكنة على المدى القريب، والمتوسط.