قراءة في كتاب (المرأة في عراق ما بعد التغيير) ترسيم لملامح المرأة في هذه الايام



توفيق التميمي
2008 / 4 / 18

الى اي حد تحملت المرأة اوزار الظروف السياسية التي مرت بتاريخ العراق المعاصر.. والى اي حد كانت ضحية لحماقات بطولات الذكورة التاريخية بوصفها الكائن الذي يدفع على الدوام ضرائب الدم والحرية والانسانية من بداهة الامور انه لا يمكن الادعاء بنجاح مشروع التمدن الحديث وبناء دولة جديدة دون حدوث تغيير جذري في مكانة المرأة وتفعيل وظائفها المعطلة

المرأة في ازمان الدكتاتورية المتعافية والمرأة ما بعد التغيير..صورتان تتداخل، في ملامح وهيئات ولكنها تبقى ذلك الكائن المتشح بالسواد والمصاب بالفجيعة.. بالحالتين تنتقل الملامح وتتحول الهيئة وتظل المرأة تراوح في مكانها المستعبد باغلال الذكورة ودونية النظرة الاجتماعية وميراث كامل من تخلف العصور والعادات البالية.
المرأة التي ترملت بمشروع الدكتاتورية الحزبي واباداته البشرية، والاخرى التي شهدت لحظة انهيار احلامها بعد رحيل الطغاة وزوال زمن التكميم والاستعباد لازالت المرأة تنوء بحمل دلاء الماء والنفط.. ولازالت جيوش الارامل تصطف على شباك الرعاية الاجتماعية من اجل حياتها المتعثرة، ليس من الصعوبات رسم لملامح امرأة عراقية بعد التغيير في سجنها المنزلي قابعة لسلطة ذكورية متوارثة او في فضاء لحرية موهومة ودعاوى كاذبة لازالت تعاني فيه المرأة من صنوف الاذلال والمصادرة والتكميم.. من سلطات وقوى لا حصر لها تشظت عن القبضة الدكتاتورية والقبضة الذكورية المنزلية في السابق.
ليس من السهولة ان تستعرض كتاباً يحتوي على عشرات المقالات لكتاب مختلفين ولكن يمكن تذليل هذه الصعوبة وتيسيرها للقارئ.. بعرض قواسم مشتركة سعت اليها هذه المقالات في ترسيم واقع المرأة العراقية بعد التغيير وتكثيفها في عناوين ومحاور محددة.
هذا هو بالضبط ما سعت اليها المقالات التي تضمنتها كتاب (المرأة في عراق ما بعد التغيير) الصادر عن الحوار المتمدن وهو رابع كتاب في هذه السلسلة.
شهادات من الاحتجاج
مقالات الكتاب عموماً تسعى لان تصبح شهادات لمثقفين عراقيين من كلا الجنسين للاحتجاج على التمييز بكل اشكاله الواقع على المرأة العراقية.. وكذلك للوقوف ضد ممارسات الاذلال والانتهاك اللذين تتعرض لها، سواء في البيت او في الشارع .. من اية سلطة ذكورية اتخذت مسمى الزوج او الاخ الاكبر او ميليشيا جديدة لحراسة القيم والتقاليد وسمعة الاديان من خطيئة المرأة التاريخية.
اذا لم يتسع صدر الحرية الجديدة لمطالب المرأة المشروعة فالى اي زمن ستنتظر المرأة.. حتى تبوح بهذه المطاليب.
لذا لا تجد الباحثة ( نادية كاظم، غضاضة في المطالبة بحقوقها المعروفة.. كالوقوف بحزم ضد جرائم غسل العار الاعتباطية التي ازدادت كثيراً بعد التغيير والغاء النهوة العشائرية: وازالة اسباب العنوسة وحرمان المرأة من فرصة التعليم ومنع البغاء وكذلك منع اغتصاب النساء ص32.
نساء معيلات
من اكثر صور المأساة والقتامة هي صورة المرأة التي اصبحت عليها بعد التغيير في العام 2003 هو انها اصبحت المعيل الرئيسي للعائلة بغياب الزوج او الابن الاكبر، خلال عمليات العنف الطائفي او عمليات الارهاب الاجرامية.
(لوحظ ان الكثير من الاسر العراقية فقدت معيلها، وكان لابد للمرأة ان تملأ هذا الفراغ بأية حال من الاحوال) ص39 ” دينا حاج احمد “.
يفترض بعض الكتاب ان مشكلة المرأة العراقية بعد التغيير تكمن في طبيعة المرحلة التاريخية التي اتسمت بحروب طائفية وصراعات دموية القت بظلالها على حياة المرأة وحاضرها ومستقبلها.
(فالحرب الطائفية بين السنة والشيعة وعمليات القتل والتهجير والفصل الحاصلة تعمق من حدة الصراعات والمشاكل الاجتماعية ومنها قضية حرية المرأة.. ان قضية المرأة على المستوى الواقعي والعملي لايمكن ان تحمل بشكل حضاري ما دام الاحتلال قائماً وما دامت الحرب الطائفية والعنف الارهابي يلقي بظلاله القاتمة على المجتمع) ص107، (المرأة ومحنة التغيير.. عواد احمد صالح).
الكوتا النسوية في البرلمان
اغلب مقالات الكتاب اشارت الى الكوتا النسوية التي شهدتها بعد التغيير هي عبارة عن عملية تجميلية غير فعالة.. لاتمت لتقدم المرأة وتحقيق مكاسب سياسية فعلية.
(التجربة الحالية تحققت فيها للمرأة فرص لتسلم مناصب وزارية وكذلك لاشغال مواقع رفيعة في مؤسسات اجتماعية واقتصادية، كما وان نسبتها في المجلس التشريعي، كانت تعادل 25% الا ان دورها السياسي كان ضعيفاً وهشاً وهذا ناتج عن كوتا المحاصصة الطائفية والعنصرية وتبعية المرأة لتنظيمات سياسية طائفية يقودها رجال لا يؤمنون اساساً بقضية المرأة لتنظيمات سياسية طائفية يعودها رجال لايؤمنون اساساً بقضية المرأة وعملها السياسي، جيء بها كديكور لتنفيذ نص دستوري ليس الا، ص144، المرأة العراقية والديمقراطية هادي فريد التكريتي).
الدور السياسي للنساء
في اغلب المقالات.. ثمة تذمر من النمط النسوي الذي تحمل المسؤولية في الادارة السياسية والتشريعية او التنفيذية بعد التغيير من خلال موافقتهن ازاء قضايا تحرر المرأة من التبعية والاستعباد الذكوري.
لذا كان اغلب البرلمانيات العراقيات هن عبارة عن انعكاس للنموذج النسائي الذي كرسته القيم الذكورية، وانعكس ذلك كثيراً في تصوراتها على القرارات وكذلك في موقفها العجيب ازاء اية نهضة نسوية تقوم بها منظمات المجتمع المدني الفاعلة من اجل تغيير اوضاع النساء نحو الافضل فيما يتوافق مع مشروع الدولة الحديثة والمدنية.
(مازلت اذكر اجابة احداهن في معرض سؤال لاحد الصحفيين عن السبب الذي يكمن وراء عدم اقرار معاهدة (بيساو) لضمان حقوق المرأة في الدستور العراقي، حيث قالت: انا لدي ما هو افضل من بيساو، ان معاهدة بيساو تظلم المرأة بمساواتها بالرجل لانها واقعا لا تساويه في كثير من الاشياء.. ص198، علي ماضي .. هل للمرأة دور بعد التغيير؟)
أرقام عن قصص الاختطاف والاغتصاب
ما يميز العهد الجديد هو تصاعد الارقام في قصص الاختطافات والاغتصاب التي حصلت للنساء العراقيات وبأعمار متفاوتة بما يعبر عن هشاشة الاوضاع وغياب المكانة التي حلمت بها المرأة طيلة سنوات الاستبداد والدكتاتورية والتخلف احصت كثير من المنظمات المدنية للنساء اعداداً كبيرة عن هذه القصص والى اي حد كانت هذه الارقام تتطابق مع الواقع.؟ لا يمكن تحديد ذلك بالضبط .. ولكن يمكن التأكيد على حقيقة مفادها تصاعد ارقام النساء اللاتي اعتزلن العمل في مجالات التمريض والطب والمحاماة والصحافة والرياضة والفنون في بيوتهن خشية التهديد او الاختطاف او الموت غيلة.
اعمال الاغتصاب والمتاجرة بالمخطوفات.. ضاعف من احترازها واعتزالها في البيت وبالتالي، من حجم فاعلية دورها، فأذا كان محل افراد الاسرة يعاني من الحجر على حركته لاسباب الفوضى فأن المرأة قد اصبحت اسيرة لبيتها لاتبارحه وبحماية رجال اسرتها ص130 (المرأة والوطن ، جمال محمد تقي).
الخلاصة:
هذه نقاط جمعناها من بعض المقالات التي ضمها هذا الكتاب.. في عنوان جامع (المرأة العراقية بعد التغيير) ويمكن لهذه الملامح ان تستجمع في دراسات اخرى تحتمل التعمق ووضع المعالجات والتعزيز بقصص واحصاءات..يمكن ان تعطي لمثل هذه الدراسة الجدوى والواقعية التي يمكن ان تضيف رصيداً في حقل تحرر المرأة.. والنهوض بمكانتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.