إضاءات على حقوق المرأة



معتز حيسو
2008 / 4 / 21

تناولنا في بحث أزمة الوعي الاجتماعي بعضاً من إشكاليات التحليل والتفكير الاجتماعي ، ونوهنا بأنه لا يمكن فصل ما تعانيه المرأة من إشكاليات في إدراكها وتحليلها النظري عن الوعي السائد المنعكس جدلياً على ممارستها العيانية. و أكدنا على أن ما تعانيه المرأة من اضطهاد مركب يتمثل في المستويين السياسي والاجتماعي في سياق علاقتها المركبة مع الرجل و مع ذاتها ، وفق آليات يترابط فيها تأثير البنية المعرفية العامة المتشكلة في ضوء الوعي الموروث المحدِّد لأشكال ومستويات علاقة المرأة بالمؤسسات العامة السياسية والمدنية والدينية .... .
إن المفاهيم المعيارية والقيمية المحدِّدة لأشكال العلاقة بين الرجل والمرأة تتباين على قاعدة الوعي الاجتماعي السائد والمتباين في أشكال تجلياته المعبِّرة عن البنى الثقافية الموروثة الذي تكرسه في كثير من الأحيان المؤسسات السياسية ، ويتشكل هذا التباين أيضاً على قاعدة التنوع المذهبي والإثني والقومي والجغرافي والاقتصادي و السياسي .... بالتالي فإن فهم واقع المرأة ودورها وعلاقتها بالرجل يحتاج إلى آليات معرفية ومستويات من الإدراك والتحليل ذات مرونة عالية ، وعليه فإن بعض المفاهيم مثل ( الحرية ، المساواة ، الديمقراطية .. ) تخضع إلى النسبية في الوعي وإلى المكانة الاجتماعية والعمل الوظيفي .. وتتجلى في أشكال اجتماعية لايمكن حصرها أو تحديدها بدقة ، بالتالي لا يمكن لأي تشكيل ثقافي ، سياسي ، إثني ..... الإدعاء بأنه يمثّل أو يعبّر بشكل ناجز عن هذه المفاهيم. وهذا يعود إلى نسبية هذه المفاهيم التي تتحدّد في سياق التنوع الاجتماعي العام والكلي و نسبية إدراكها وممارستها.
ومن البداهة بمكان بأن شكل العلاقة بين الرجل والمرأة يتحدّد واقعياً وبشكل ملموس وعياني على أساس التباين وعدم المساواة والاضطهاد والاستلاب الجنسي والقمع المركب والعنف المنزلي والحرية المقيدة بالضوابط الثقافية والاجتماعية السائدة وفق منظور وعي بطريركي ذكوري مهيمن ، مما يستدعي التأكيد على أن المرأة العاملة في المجتمعات الذكورية والمتخلفة خصوصاً ، حققت مساواة شكلية وظاهرية مع الرجل ، لكنها بقيت تعاني من التمييز على صعيد القوانين المدنية والأحوال الشخصية ( الميراث ،حرية التنقل والسفر ، حرية الزواج ، منح الأطفال حقوق الجنسية ، المساواة في الحقوق والمسؤليات أثناء الزواج وفسخه وكذلك الولاية والنسب والنفقة والتبني ... ) ، ويجب التنويه في هذا السياق بأن ما هو سائد من أشكال العلاقة بين الرجل والمرأة يتحدد غالباً على أساس التقاليد والأعراف السائدة ، مما يعني بأنه حتى في ظل سيادة بعض القوانين الوضعية التي تحاول إنصاف المرأة ولو شكلياً فإن الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تساهم المرأة في تكريسها وتجديدها من خلال تربيتها لأطفالها وعلاقاتها الاجتماعية تُحََجّم من فاعلية هذه القوانين ، وبالتالي فإن على المرأة (العاملة والمتعلمة المدركة لوضعها الاجتماعي ولإمكانياتها وآفاق سيرورتها .... ) التركيز على المساواة في الإجور والعمل ، والتنقل ، والحقوق القانونية ، وحقوق الملكية ، و مواجهة تقسيم العمل القائم على التمييز على أساس النوع أو الجنس ، والعمل على معالجة التمييز ضد النساء في الميراث و الزواج والمخالعة والطلاق والحضانة والتعليم ونظام العدالة القضائية والجنائية والاستبعاد والإقصاء والتهميش ، والعمل على تحقيق المرأة لحقها في إكساب الجنسية لأولادها ، و حقوق النسب ، والتأكيد على مساواة الرجل في الشهادة أمام الجهات القضائية و(التأكيد على ضرورة تحديد الاغتصاب بكونه شكل من أشكال التعذيب ).... كل هذه المهام وغيرها يفترض أن يكون العمل على تجاوزها في سياق التضامن مع الرجل الذي تجاوز في حدود وعيه إشكالية المرأة ووضعها الاجتماعي المحدَّد بالتمييز على المستوى القانوني و بدرجة أوضح على مستوى الأعراف والتقاليد التي تكرسها المنظومة الثقافية السائدة ، من دون أن يعني هذا بأن الرجل الذي يدّعي تجاوزه النظري لمجموعة النظم والقوانين والأعراف والتقاليد المعيقة لتحرر المرأة وحقها في المساواة ... قد تحرر فعلياً وبشكل كامل وناجز من العقد والإشكاليات السائدة على المستوى الاجتماعي ، ويتأكد هذا من خلال تمسكه في كثير من الأحيان ببعض الأشكال الاجتماعية التي تكرس سيطرته الذكورية المستمدة من التشريع الديني ومن القوانين الوضعية التي ساهم في تكريسها وقوننتها سلطة الرجل بأشكالها الشمولية ، وهذا يفترض بالضرورة عدم تركيز جهود المرأة على تحقيق المساواة الشكلية ( لكونها محدودة في أبعادها وتأثيراتها )، وعدم ممارستها لنشاطاتها النسوية من موقع التناقض العدائي من الرجل وتحديداً في المجتمعات المحكومة بقوانين ذكورية ، لأن ذلك يساهم في انخفاض رصيدها الاجتماعي ، و يوسع دائرة تناقضها مع محيطها الاجتماعي ، ويجب التأكيد بأن الرجل المتحرر من عقد النقص ومن سيطرة المفاهيم الذكورية نسبياً يُعتبر حتى اللحظة المدافع الأول عن حقوق المرأة في التحرر والمساواة والعدالة الاجتماعية في وقت تغيب فيه المرأة عن ممارسة دورها في العمل للوصول إلى حقوقها ، وليس هذا فحسب بل أنها تساهم في تكريس المفاهيم الذكورية السائدة .
إن مجمل ما أوردناه من قضايا يمكن اعتبارها أساسية ومحورية في السياق الموضوعي للوصول إلى المساواة الفعلية التي تفترض مبادرة النساء لقيادة النشاطات التي تساهم في إنجاز المهام المنوطة بهم ، ومن هنا نرى ضرورة العمل على تمكين المرأة من المشاركة الاجتماعية والثقافية والمدنية و السياسية والاقتصادية وضمان حريتها في التعبير والوصول إلى المعلومات وتشكيل الجمعيات والهيئات المدنية والثقافية والنسوية ومواجهة الاستبعاد والإقصاء .... لضمان حقها في الترشيح والانتخاب للوصول إلى المراكز القيادية في الهيئات الرسمية وغير الرسمية مما يساهم في مشاركتها الفعلية في صياغة وإصدار القوانين والقرارات العامة .
إن المرحلة التي يكتب تاريخها الرجل بفعل سيطرته وهيمنته السياسية والاقتصادية يساهم فيها ومن خلالها بأشكال مختلفة ومستويات متباينة في توسيع وتعميق حدة التباين بين الرجل والمرأة ، إضافة إلى أنه وفي ظل النمط الرأسمالي المهيمن يعمق من حدة التناقضات الاجتماعية التي تقتضي موضوعياً ضرورة التلازم و التكافل والتكامل الإنساني ، مما يفترض تأكيد دور المرأة وتمكينها من ممارسة حقها في النشاط الاجتماعي إضافة لكونها الأقدر على أنسنة المهام التي يجب العمل على تحقيقها .
إن النظام العالمي بأشكاله الراهنة يكرس ظاهرة الخوف وثقافة الخوف على الحاضر والمستقبل ومن كل الأشياء وعلى كل الأشياء ، ولنا في قول ( آنغ سان ساكي ) خير دليل : ( في ظل نظام ينكر وجود حقوق أساسية للإنسان يتحول الخوف إلى سمة عامة لكل الأيام : الخوف من السجن والخوف من التعذيب والخوف من الموت والخوف من فقدان الأصدقاء أو الأهل أو الملكية أو وسائل العيش والخوف من الفقر والخوف من العزلة والخوف من الفشل ، وإن أحد أكثر أشكال الخوف خطورة هو ذلك الذي يتخذ شكل الحس السليم أو حتى الحكمة ، ناعتاً الأفعال اليومية الصغيرة الجريئة التي تبقي على احترام الإنسان لذاته وعلى الكرامة المتأصلة فيه بالحمق والتهور والسخف وعدم الأهمية )– ( التحرر من الخوف – 1992 – صفحة 11 ) .
وفي ظل سيطرة الخوف وثقافة الخوف يجب على كافة المؤسسات المدنية والحقوقية والقوى السياسية العلمانية الديمقراطية تكثيف جهودها لتمكين النساء من وعي وإدراك مصالحهم وحقوقهم الأساسية ، لمواجهة الظلم بكافة أشكاله ومستوياته من خلال تفعيل كافة أشكال النشاطات الاجتماعية التي تمكنهم من حقوقهم في سياق التعاون والتنسيق مع الرجل المتحرر من العقل البطريركي .