هل هي حرب من اجل النساء؟



كريستين دلفي
2002 / 5 / 19


Christine DELPHY

العلم الاميركي يرفرف على سفارتنا في كابول (...) ونساء افغانستان بتنا اليوم أحراراً" هذا ما شدد عليه السيد جورج دبليو بوش في خطابه حول حال الاتحاد يوم 29 كانون الثاني/يناير 2002. قد يعتقد البعض هكذا ان "التحالف ضد الارهاب" خاض الحرب من اجل تحرير الافغانيات. وبعد عمليات القصف ودخول قوات تحالف الشمال الى كابول، نشرت الصحف صورا لابتسامات نسائية قد تعطي النزاع معناه.

غريب امر هذا التبرير في وقت لا يتصرف المجاهدون العائدون الى السلطة بقوة حلفائهم في صورة افضل من "طالبان". في كل الاحوال، لم يعد العديد من المراسلين الصحافيين الموجودين على الارض يخفون الريبة التي تنتاب سكان كابول وجلال اباد. وهي ريبة مبنية على التجربة: فبين 1982 و1996 ارتكبت قوات تحالف الشمال ( او "الجبهة الموحدة") مجازر وتصفيات مجانية في حق الاسرى والجرحى، واقدمت على ترهيب المدنيين وابتزازهم. واليوم تتكرر هذه الممارسات في صورة متطابقة تقريبا في بلد مقسم الى اقطاعات يهدد فيه زعمـاء الحرب باطلاق حرب اهليـة جديدة(1).

اما الولايات المتحدة فلا تهتم لحقوق المرأة سواء في افغانستان او في الكويت او السعودية او غيرها. على العكس، فهي ضحّت عمدا وعن تصور مسبق بالنساء الافغانيات على مذبح مصالحها. في الواقع من اين جاء المجاهدون؟ منذ 1978 وحتى قبل ان تجتاح القوات السوفياتية افغانستان كان زعماء القبائل والسلطات الدينية قد اعلنوا الجهاد المقدس على حكومة نور محمد طرقي الماركسية والتي كانت تلزم البنات على الالتحاق بالمدارس وتمنع بيع النساء واجبار الارملة من دون اولاد على الزواج من شقيق زوجها. لقد بلغ عدد الطبيبات والاساتذة والمحاميات من بين النساء الذروة بين 1978 و1992.

ففي نظر المجاهدين كانت النساء تستحق حربا... مضادة. وقد جاء الاجتياح السوفياتي ليعطي هذه المعركة بعدا وطنيا بدعم من الولايات المتحدة التي تعتبر اعداء اعداءها بمرتبة اصدقائها. وكان الاميركيون يعرفون بالطبع نيات المجاهدين تجاه النساء. لكن المهم ان هؤلاء يناهضون النفوذ السوفياتي.

استمرت الحرب بعد الانسحاب السوفياتي وخصوصا الحرب ضد المدنيين. فقام جنود تحالف الشمال بنهب البيوت والاعتداء على النساء وراح الزعماء المحليون يفرضون الخوات على الشاحنات على حواجز يقيمونها على مسافة خمسين كيلومترا الواحد عن الآخر كما حال الفساد والفوضى دون تطبيق الشريعة. هكذا بات الجو مهيأ لقدوم "طالبان"، الابناء الروحيين للمجاهدين وهم مثلهم معادون للشيوعية لكنهم اكثر اصولية. فكانوا خير مرشحين لتلقي المساعدة الاميركية الذين مدوا المدارس القرآنية الباكستانية بالدولارات عبر السعودية.

هل ناضلت الولايات المتحدة على الدوام اذاً من اجل حقوق المرأة؟ لا. هل ناضلت ولو مرة من اجلها؟ على العكس، فهي داست هذه الحقوق باقدامها. وبما ان الحكومات الماركسية المتحالفة مع عدو الولايات المتحدة كانت تدافع عن النساء الافغانيات فكان المطلوب التضحية بهؤلاء النساء. كيف تترك الولايات المتحدة حقوق الانسان تقف عائقا امام سيطرتها الدولية؟ حقوق النساء تشبه الاطفال العراقيين: موتهم هو ثمن العظمة الاميركية.

ومثلي مثل جميع المناضلات من حقوق المرأة في العالم وبعدما خضت طوال عامين حملة ضد مصير النساء تحت حكم "طالبان"، اتمنى ان تضمن الحكومة الجديدة حقوق المرأة الانسانية. ان تحسين وضع النساء قد يكون من النتائج غير المتوقعة لتلك الحرب، نوعاً من الفائدة الجانبية اذا امكن القول. نأمل ذلك من دون افراط في الحلم. فمجموعة السيد برهان الدين رباني، رئيس الحكومة المعترف بها من المجموعة الدولية، كانت قد فرضت تطبيق الشريعـة في كابول عام 1992. وفي العام 1995، عمدت قوات "الجمعية الاسلامية" في كابول بقيادة احمد شاه مسعود الى الاغتصاب والقتل من دون حساب.

اثر محادثات بون، شاركت في الحكومة الموقتة امرأتان والاثنتان منفيتان، واحدة من حزب الوحدات والاخرى من حزب برشامي. والحزبان يعتبران من "الاحزاب المرتزقة التي تمارس القتل" في نظر الجمعية الثورية لنساء افغانستان التي تعمل منذ ست سنوات في اوساط النساء اللاجئات وخصوصا في مجال تعليم البنات. واذ تناصب "طالبان" العداء فإن هذه الجمعية اعترضت بشدة على عمليات القصف وتشارك مع منظمات اخرى في المطالبة بقوة دولية تحمي الشعب الافغاني من "مجرمي تحالف الشمال" (2). تحت ضغط الاوساط الدولية قدم حزب "الجمعية الاسلامية" بعض التنازلات التي يصعب تثمينها اذ اعلن احد الناطقين باسمه لهيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية بعد اسبوع على سقوط كابول ان "التضييق" على النساء سيرفع من دون ان يقدم تفاصيل اضافية وان "البرقع لن يكون الزاميا فالحجاب(3) يكفي". الحجاب الذي يسمى في ايران التشادور "يكفي". من يصدق؟ (4)

حتى ولو تم توسيع هامش الحريات، فهل تكتسب الحرب شرعيتها؟ يتكرر السؤال نفسه عندما تطرح مسألة حقوق الانسان: هل هناك ما هو اسوأ من الحرب بالنسبة الى السكان؟ في اي لحظة يمكن تفضيل الحرب؟ القول بأن الحرب مفيدة للنساء الافغانيات يعني انه من الافضل لهن الموت تحت القنابل او الموت جوعا وبردا بدل العيش في ظل حكم "طالبان". الموت وليس العبودية: هكذا قرر الرأي العام الغربي... عن النساء الافغانيات. ولكان هذا القرار بطوليا لو جازف الغربيون من اجله بحياتهم وليس بحياة الافغانيات.

تدل الطريقة اللامسؤولة التي تقدم بها حجة "تحرير النساء الافغانيات" على عجرفة الغرب الذي يدعي لنفسه الحق في التصرف بحياة الآخرين. وهذا ينطبق على موقفه من النساء الافغانيات، وفي صورة عامة يعكس موقف الحاكم من المحكوم.

فلنقترح قاعدة اخلاقية دولية تصلح ايضا للافراد: لا يحق لأحد اتخاذ القرارات خصوصا البطولية منها اذا كان غيره سيدفع الثمن. وحده الشعب الذي يعاني الحرب يمكنه القول اذا كانت تستحق كلفتها. لكن هنا من قرر الحرب لم يعانِ منها ومن عانى منها لم يقررها. حتى الآن لا تزال النساء الافغانيات مشردات على الطرق وتحت الخيم او في معسكرات يتكدس فيها الملايين: مليون اضافي بسبب الحرب خارج الحدود ومليون مهجّر داخل افغانستان نفسها(5). الكثيرون مهددون بالموت من دون ضمان بالحصول على حقوق اضافية نتيجة هذه "التضحية". في كل الاحوال، هل يمكن الكلام عن تضحية اذا كان من يعانيها لم يخترها؟

ان ادنى اشكال الحياء يجب ان يدفع الحلفاء الى التوقف عن التبجح بأن ما تعانيه الافغانيات من عذاب هو في صالحهن. فليتوقف الادعاء انه يصار الى مصادرة حقهن في تقرير مصيرهن وحتى الحق في الحياة باسم الحرية. يخشى، على العكس، ان تتحول هذه المقطوعة الى لازمة اذ تطول لائحة البلدان التي وعد التحالف ضد الشر بحمل الخير اليها من طريق الحديد والنار. وانه لمن محض المصادفة بالطبع ان تشبه هذه الاحداث احداثا تاريخية ماضية بحيث لم يعد من المستحب التذكير باسمها الا وهي الحروب الاستعمارية.

ان حروب السيطرة والاستغلال لن تحقق اي تقدم في مجال حقوق الانسان، ذلك ان عمليات القصف باسم الحضارة قد تجاهلت عددا من المبادئ التي تدعي هذه الحضارة الارتكاز عليها. بعد تواطوء الحلفاء مع جزار مزار الشريف وغيره من المجرمين (6)، تناور الولايات المتحدة من اجل ابطال معاهدة جنيف بإقدامها على اختراع تصنيف جديد شبه قانوني يشمل "المقاتلين غير الشرعيين" في معتثل غوانتانامو والذين لا يحظون بأي ضمان قانوني وطني او دولي، لا ضمان القانون المدني ولا قانون زمن الحرب! ابطلت الحريات العامة، مفخر ديموقراطياتنا، القانون الدولي ينزف حتى الموت ويشهد عليه جسد الامم المتحدة الكبير الذي ينازع بدوره. وحده التعاون الفعلي والسلمي بين الامم من شأنه تحقيق التقدم في حقوق الانسان وهذا التعاون ليس مطروحا على جدول الاعمال. لكن علينا السعي الى طرحه.



--------------------------------------------------------------------------------

* عالمة اجتماع، من مؤلفاتها LEnnemi principal. Penser le genre, Syllepse, Paris, 2001.

(1) في اواخر كانون الثاني/يناير، كان رئيس جهاز المخابرات، غول آغا شرزاي ينازع اسماعيل خان، احد زعماء الحرب السيطرة على مدينة هرات.Globe and Mail, 22 janvier 2002.

(2) انظر www.rawa.org, 10 décembre 2001

(3) يغطي الجسم والرأس بما فيه الوجه وليس مجرد منديل.

(4) انظر الفيلمين الوثائقيين على محطة "آرته" يوم 23/1/2002… Sorties de ténèbres ? î par Saira Shah, et … Femmes de Kaboul î par Antonia Rados

(5) انظر www.hcr.org et www.msf.org

(6) Robert Fisk "We are the War Criminals Now", The Independent, Londres, 29 novembre 200.
راجع ايضا موقعي مرقب حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية على شبكة الانترنت.

http://www.mondiploar.com/

جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم