عالم المرأة



ضمد كاظم وسمي
2008 / 6 / 23

مقاربة

ليس من اليسر على أي كان أن يصول في عالم المرأة ويجول .. ولعل الخطب كان يهون لو توقف الأمر عند حد فهم هذا العالم بما هو متماه مع عالم الرجل أو متمم له أو هامشيته قياساً الى مركزية الثاني تاريخياً .. والأمض من ذلك هو ما يجري من إعادة لإنتاج سنن الأولين في توصيف تراتبية العلاقة بالمرأة مثل ثنائيات الذكورة / الأنوثة ، الشارع / البيت ، المجتمع / الفرد ، كلها تندرج تحت يافطة حجاب المرأة المسلمة في عملية تستهدف الفصل الجازم بين عالمي الرجل والمرأة ، بين المجتمع والأسرة ، بين الظاهر – ذكوري ؛ والباطن – انوثي - . بطبيعة الحال أن سنة الأولين ليست أسطورة سخيفة بالية .. كما يحسب بعض المتنطعين .. وإنما الجمود عليها والنوم بين أكنافها وعبادتها بصفتها أفقاً نهائياً لتحديد عالم المرأة .. يعد من الأساطير السخيفة المريبة !! فالمؤمنون بسنن الأولين ينظرون نظرة ريبة الى عالم المراة .. رغم أن هذه النظرة تستبطن في لججها شيئاً من القداسة الغامضة .. لأن هؤلاء يرون أن الإنسانية جمعاء ساقطة منذ آدم بفعل فقدانها جنة عدن .. ويحملون المراة بما هي اغواء وأحابيل مسؤولية السقوط .. وإن التاريخ قد شهد ومضات انهت اغواء المرأة وقطعت أحابيلها وبالتالي أعادت القداسة لها .. ولابد من أحياء تلك الومضات لإعادة التوازن الى الإنسانية .. لاسيما وإنهم يعتقدون أن الحضارة الحديثة منحرفة غرقى بالشهوات والخبث وهذه النظرة بالتأكيد تنطلق من إنحطاط الشرق وعوالمه التقليدية الدوغمائية في عهد الإزدهار الغربي وعوالمة الحداثية .
لعالم المرأة ثنائيته الرمز / الواقع ، ولعل القول بمثل هذه الرمزية يكون ضرباً من التخرص الفلسفي .. لكنه في أي حال يستدعي أسراراً جمالية مدهشة .. كذا الأمر مع الجسد الأنثوي الذي لا يتطلب تقديم حقائق جديدة .. بقدرما يتطلب – الفعل التاريخي الحديث - تقديم مفاتيح فهم اكثر تميزاً ودينامية وتأملاً من المفاتيح العتيقة .. لإستنطاق تلك المفاهيم وإستيلادها أخرى جديدة .. اكثر فهماً للواقع وإستنهاضاً له .. وليس من السهولة بمكان أن يكون ذلك لأن الحداثة العربية لم تغادر بعد المرحلة الجنينية رغم ما ينوف على القرنين من الزمن على تدشينها ، إذ لم يزل حبلها السري لم يبتر بعد !!! .
إن الفكر التقليدي يقوم دائماً بوظيفة إعادة التوازن للمجتمع من خلال شرائع حديدية .. فهو إذ يرى في الرجل الجماعة والشارع والعمل والظاهر ، فإنه يرى في المرأة الفرد والبيت والعزلة .. وهو اذ يشدد على بيتوتة المرأة .. فإنما يريدها غير قابلة للإنتهاك وبالتالي يضفي بعض القداسة عليها بهذا المفهوم .. (( والمرأة تجسد كذلك بطريقة ما فكرة الباطنية بالنظر الى بعض جوانب طبيعتها ووظيفتها )) .. والحجاب / البيت بحسب الفهم الديني التقليدي يذكر (( بالسجن المقدس للطبيعة الشهوية التي تبعد الإنسان عن الله )) .. لذلك إبتكر القديس بولص حجاباً تعتمره (( راهبات المحبة )) .. وهو يرمي الى عزلهن في الدير .. تخليصاً لهن من (( الطبيعة الشهوية )) .. وتذكيراً لهن بعدم الإبتعاد عن الله .. وبالتالي إضفاء شيء من القداسة عليهن .. ولكنه نسى أو تناسى إنه بفعلته تلك إنما ساقهن الى جهنم بعد أن حيد أجسادهن الآيروسية .
هذه الضبابية والغموضية المشربة ببعض القداسة قد نلحظها في إبتسامة المونوليزا .. فهي ساحرة حد الأعماء لكنها لذيذة حد الجنون .. فالمرأة لها أن تضرب كضرب العقرب فتشل الرجل لكنها (( حلوة اللسبة )) .. وهذا ينسحب على العلاقة الآيروسية السرانية في حقيقتها .. الإعلانية في إطارها .. وحتى في هذا الإطار فالمرأة لها دور الباطن والعمق والرجل له دور الظاهر والسطحي .. وان تجسد العلاقة الآيروسية يحقق للرجل (( النيرفانا )) .. عندما يلمع النور في الظلمات .. في رمزية روحية صوفية غنوصية .. تحول عالم المراة الى نور .. والعوالم الأخرى الى ظلمات .. في وقت تعجز فيه تلك العوالم الظلامية عن أن تفهم مقاصد البريق الذي ياخذ بالألباب .