الموقف من حقوق المرأة ومشاركتها في صنع القرار والديمقراطية



ماجد زيدان الربيعي
2004 / 1 / 21

اصدر مجلس الحكم قرارا مفاجأ في التاسع والعشرين من كانون الاول الماضي برقم ( 137 ) الغى بموجبه قانون الاحوال الشخصية النافذ، وامر بتطبيق احكام الشريعة الاسلامية طبقا للفرائض المذهبية .
اثار القرار استنكارا واسعا ليس لدى الاوساط النسائية فحسب وانما بين الرجال ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الديمقراطية . ووصف القرار بانه يكرس الطائفية والعادات والتقاليد البالية ويشجع على تمزيق العائلة ، ويحط من قيمة المرأة وكرامتها .
ورغم المآخذ على القانون السابق فانه اكثر عدلا وانصافا للمرأة التي كانت تأمل من مجلس الحكم ان يرفع الظلم والحيف الذي لحق بها لا ان يزيد الطين بلة كما يقال . ويضيف تمييزا جديدا بين الجنسين .
القرار شكل صدمة كبيرة للجماهير الواسعة ، وتتساءل كيف مرر مثل هذا القرار ؟ ولماذا سكتت القوى التي اعترضت عليه عن الافصاح عنه حين صدوره ؟
نسمع اقوالا من اعضاء المجلس تعجبنا عن الشفافية والديمقراطية والعزم على بناء نظام ديمقراطي يكون قوة مثل يحتذى به في المنطقة ،لكننا نرى آليات عمل تحيرنا . فحتى نظم الاستبداد تطرح القوانين الحساسة للمناقشة العامة وتنقل شاشات التلفزة بعض الجوانب من جلسات برلماناتها ، وان كانت للدعاية .
يبدو ان بعض القوى ارادت وضع شعبنا امام الامر الواقع . فالمعروف ان قانون الاحوال الشخصية يتستند في بعض احكامه على القواعد الدستورية ، ولا يجوز ان يشرع خلافا لذلك . والدستور المزمع كتابته لم تحدد اللجنة المكلفة به حتى الآن ، كما ان قانون ادارة الدولة المؤقت هو الآخر لم ينته اعداده فماذا سيكون الموقف اذا تعارضت احكامه مع ارادة شعبنا ؟ . اضافة الى ذلك ان القانون الجديد لا يستند الى قواعد القانون الدولي ومواثيق الامم المتحدة وشرعة حقوق الانسان وهي منجزات متطورة للبشرية جمعاء وتشكل اهدافا للعديد من القوى السياسية .
من الواضح ان عملية الاستباق في الاصدار جرت لغرض فرض وجهات نظر سياسية محددة تخدم اطرافا معينة .
المفارقة انه صدر في الذكرى الخامسة والاربعين لصدور قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 الذي وحد الاحكام المدنية ، واعلى شأن المرأة وساعد على استقرار العائلة . هل هي مصادفة ام انها تصفية حساب مع منجزات ثورة 14 تموز المغدورة ؟
في الواقع انها ليست مصادفة ، فالموقف من حقوق النساء وعدم التمييز بين الجنسين عنصر من عناصر الديمقراطية وحقوق الانسان، ومعيار يؤشر الى التقدم والتخلف في مسيرة المجتمع . فانقلابيو شباط عام 1963 اعادوا النظر في بعض احكامه خاصة فيما يتعلق بالارث وتعدد الزوجات للاضرار بمصالح النساء وخدمة مصالح السلطات الحاكمة وقوى التخلف في المجتمع . وحين عاد ورثتهم الى الحكم مجددا ، وارادوا تحسين صورتهم بعيون الناس اخذ صوتهم يعلو عن حرية المرأة ومساواتها بالرجل ، ولكن ما ان تمكنوا حتى استهدفوا حقوقهن ، فعدلت بعض فقرات القانون مرة اخرى لاسباب سياسية تتعلق بالضغط على زوجات المعارضين لاجبارهن على تعليق ازواجهن ومفارقتهم شرعا وقانونا .
لقد شهدت بلادنا تحولات اقتصادية واجتماعية سريعة وحادة خلال ربع القرن الاخير ، اثرت تأثيرا كبيرا في البنية الاجتماعية العامة ، وفي انماط الحياة والممارسات والعلاقات الاجتماعية بفعل سياسات النظام البائد ، وقد انعكست هذه التحولات على فئات وطبقات شعبنا ومن بينها النساء .
ولدى تفحص هذه التغييرات والتحولات وتحديد اتجاهاتها يتبين انه حدث تغيير ايجابي في موقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي والاداري في الدولة والمجتمع ، وان كان ليس بمستوى التطور والطموح . فحسب الاحصاءات تستأثر المرأة بحوالي 68 % من اجمالي العاملين في قطاع التربية والتعليم و 78 % من عدد العاملـــين في البنوك و 9, 43 % من المناصب المهنية والفنية ونسب كبيرة في قطاعات اخرى .
ولا يمكن انكار ان المرأة استطاعت ان تثبت جدارتها في اكتساب المعرفة والعمل . كما ان النساء انخرطن في النضال ضد الدكتاتورية . وعلى هذه الاسس اصبحت لهن حقوق لا يمكن اغفالها او شطبها بجرة قلم .
ان النساء قوة جماهيرية ترتبط بآمال شعبنا في بناء النظام الديمقراطي وبآمال نسائه في خلاصهن من كل اشكال التمييز وانواع الاضطهاد . فضلا عن ذلك باتت النساء قوة سياسية كبيرة ، ولكنها لا تزال مهمشة وغير ممثلة بالشكل المناسب. في حين انهن يشكلن اكثر من نصف المجتمع .
ومن اسباب ضعف التنمية البشرية المستدامة عدم تمكين النساء من المشاركة في الحياة السياسية .
ان الارتقاء بموقع المرأة ومكانتها ودورها ابرز سمات العدل والتقدم والدعم لفرص تطور العراق الديمقراطي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي .
في العراق الديمقراطي تتطلع النساء ليس الى الحد من دورهن ، وانما توسيعه وتغيير القوانين نحو الافضل وليس الاسوأ . فهذه القوانين التي وضعت منذ زمن بعيد ، اصبحت متخلفة عن مسايرة الواقع ورصد الحالة الراهنة من التطور ، لا العودة الى الوراء .