المرأة العمانية.. والمجتمع المدني



مهدي حسانين
2008 / 6 / 27

يعد العمل التطوعي واحدًا من أبرز الصفات النبيلة التي تتصف بها المجتمعات، فهو كمفهوم يمثل تجاوز الفرد لذاته وتقديمه لحاجة المجتمع على راحته الشخصية ومنفعته الذاتية، وهو يعد من أعلى معاني الإحساس بالمسؤولية، ومؤشرًا مهمًا على إنتماء الفرد للجماعة، واستعداده للتضحية في سبيلها، وليس من شك في وجود علاقة طردية بين حجم التطوع في المجتمع وحيوية ودينماكية ذلك المجتمع، ومن هذا المنطلق تبنت سلطنة عمان فكرة تكوين الجمعيات التطوعية للمشاركة من قبل أبناء السلطنة في مسيرة النهضة الشاملة، فعملت على توفير كل السبل وتيسير كل الطرق سواء المجتمعية أو القانونية لإقامتها وتكوينها، لاسيما الجمعيات التطوعية النسائية التي وصلت إلى ذروتها في الكم والكيف.
بداية يمكن القول أن المرأة العمانية كانت هي السباقة دائمًا إلى مجالات العمل التطوعي، حيث بداء العمل الاجتماعي مع بدايات عام 1972 عندما تم إشهار أول جمعية نسائية تحت إسم جمعية المرأة العمانية بمسقط، والتي نبعت فكرة إقامتها من قبل مجموعة من النسوة المثقفة، سعين إلى أن يكون لهن دورًا في عملية النهضة الشاملة، بتنمية وتنشيط المجتمع في مختلف المجالات، وبدأن بعملية تعليم الفتيات وكبار السن، لاسيما وأن نسبة التعليم آنذاك كانت ضعيفة إلى حد ما.
ثم توالت بعد ذلك الجمعيات الأهلية النسائية إلى أن وصلت لأكثر من (43) جمعية، تنتشر في مختلف محافظات السلطنة، بجانب وجود 7 مراكز التنمية الريفية، و10 مراكز التأهيل النسوي، بالإضافة إلى تواجد ما يقارب من 3000 متطوعة مع برامج منظمة (اليونيسيف) في المجالات الإرشادية، ومن أمثلة تلك الجمعيات؛ جمعية المرأة العمانية، والتي تعد أول جمعية نسائية تم إنشاؤها عام 1972 بهدف رفع مستوى كفاءة العضوات في المجالات الاجتماعية والثقافية ونشر الوعي الثقافي والاجتماعي في المجتمع وتقديم الخدمات الاجتماعية والتوعوية وسبل الحياة الصحيحة وتعليم المرأة بعض الصناعات ومساعدتها على زيادة دخل الأسرة اقتصاديا واجتماعيا، ويذكر أن جمعيات المرأة العمانية ضمت بداخلها ما يقرب من (2738)عضوة في نهاية عام 2003م.
وتقوم الجمعيات تلك بمختلف الخدمات، التي تساعد على رفع المستوى الاجتماعي والثقافي والصحي للمرأة والطفل، وتسهم في النهضة الثقافية من خلال برامج ونشاطات متعددة والتي من ضمنها إصدار مجلة ترعى شؤون المرأة والأسرة العمانية، إلى جانب توعية المرأة لحثها نحو التمسك بالتقاليد العريقة المنبثقة من الدين الحنيف، ونبذ العادات السيئة، ناهيك عن تقديم خدمات اجتماعية للتخفيف عن الأسر المحتاجة، والتعاون مع المنظمات النسائية خارج السلطنة للتعرف على أساليب عملها والاستفادة من تجاربها، والمشاركة في المناسبات الوطنية والدينية والعالمية، والمساهمة في تذليل المصاعب وشد آزر الآخرين وتمكن الفرد من الشعور بالأمان وتحقيق التفاعل الاجتماعي وبث روح الانتماء والتواصل لدى الموطن العماني لتحقيق فكرة المجتمع المتكامل، فضلاً عن دورها في محو أمية الكبار وتعليم الفتيات وتقديم الصناعات الحرفية اليدوية البسيطة التي تساعدهن في التغلب على ظروف المعيشة، بإقامة المعارض لعرض منتجاتهن لتسويقها، فضلاً عن الدور التوعوي الذي تقوم به هذه الجمعيات من كيفية التعامل مع متطلبات العصر الحديث، إضافة إلى توعية المرأة بمهمتها الأساسية في بناء الأسرة وغرس القيم الإنسانية مثل قيم الولاء والإنتماء في نفوس الأجيال العمانية الصاعدة، ناهيك عن نشر الوعي الثقافي بين بين أهالي السلطنة من خلال تنمية العادات والتقاليد القائمة على الفضيلة والنابعة في الأساس من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
كما لعبت الجمعيات النسائية تلك، الدور الأكبر في توعية المرأة العمانية بضرورة المشاركة السياسية، وهو ما أكدته مشاركتها الفعالة في الانتخابات التي أجريت في الرابع من أكتوبر 2003 وأبانت أن هناك مائة ألف امرأة عُمانية استخرجن بطاقات انتخابية وهي نسبة تصل إلى 35% من إجمالي عدد الناخبين الذي وصل إلى 262 ألفًا، وقد فازت في هذه الانتخابات سيدتان من بين 15 مرشحة، كما أحرزت الفوز في إنتخابات مجلس الشورى الفترة الخامسة 2004-2006، ناهيك عن ما لعبته هذه الجمعيات من دورًا في وصول المرأة إلى أعلى المناصب القيادية في السلطنة، إذ شاركت المرأة في ولاية القضاء منذ عام 1997 حيث تم تعين 4 نساء من ضمن 41 عضوًا في مجلس الدولة، كما احتلت سيدات ثلاث منهن منصب مستشارة، بالإضافة إلى تعيين خمس عضوات في الإدعاء، من تسعة وعشرين عضوًا، إلى جانب العديد من المناصب الإدارية الأخرى في مختلف القطاعات التعليمية والصناعية والصحية والخدمية، فهي ممثلة في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان بعضوتين اثنتين، وممثلة في مجلس رجال الأعمال بعضوة واحدة، وفي المجلس البلدي في مسقط بعضوتين اثنتين.
وعلى ما يبدو أن وصول المرأة العمانية إلى هذا النجاح الملموس في كيفية إدارة العمل التطوعي بجدارة واقتداء، ينبع في الأساس من عددة عوامل اساسية أولها: الايمان الكامل من قبل القيادة السياسية بأهمية العمل التطوعي لاسيما النسائي، فقد سعت القيادة منذ بداية المسيرة النهضوية إلى إعلاء شأن العمل التطوعي، فعملت على إصدار القوانين التي تنظم العمل الأهلي ومنها قانون عام 1972 ثم قانون رقم 14/ لسنة 2000 والذي حمل في مضمونه كل العوامل التي تؤدي إلى الإرتقاء بالعمل الأهلي وتطويره ليتماشى مع العصر الحالي، فضلاً عن تخصيصه مؤسسات حكومية بعينها تقوم بمتابعة عمل الجمعيات، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والتدريب المهني، فضلاً عن المدرية العامة لشؤون المرأة والطفل إلى جانب التفريعات التنظيمية التابعة للوزارة كالمدريات العامة، ودوائر شؤون المرأة والطفل التابعة لهذه المدريات كجزء من البناء التنظيمي لهذه المدريات.
كما تتابع حكومة السلطنة المؤتمرات والمحافل الدولية الخاصة بالمرأة، وتنظر إليها بأهمية بالغة، وتسعى من خلال ما تصدره من تشريعات إلى تأكيد مقررات تلك المحافل بشأن تمكين المرأة في أداء دورها في المجتمع وكفالة الحماية القصوى لحقوقها، إذ تعتبر حقوق المرأة بما تضمنه من مفاضلة لها عن الرجل في بعض الجوانب حقوق إنسانيه لايجوز هدرها أو النيل منها في أي تشريع أو إجراء.
ثانيها: المجتمع العماني نفسه الذي يسوده ثقافة التعاون والتكاتف المتأصله في نفوس أفراده فيذكر أنه كان يمارس أشكال العمل التطوعي منذ القدم من خلال القبيلة والعلاقات الأسرية البسيطة، مثل مساعدة الفقراء بتقديم الخدمات إليهم وتعليم أبنائهم القراءة والكتابة، وتوفير الخدمات الاساسية في القرية الواحدة، إلى أن تطور الأمر فيما بعد في شكل تجمعات تطوعية منظمة هدفها الاساسي خدمة المجتمع، ويبدو أن هذه الثقافة تنبع في الأساس من تقاليد الشعب العماني المستوحاه من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، لاسيما وأن المجتمع العماني مجتمع متدين بطبعه، ويسعى إلى تطبيق مفاهيم الإسلام الصحيح، ولما كان في العمل التطوعي واحدة من ابرز القيم الإسلامية الرفيعة، ألا وهي قيمة الإثار وإنكار الذات في مساعدة الآخرين، فكان من الطبيعي أن يحتل هذا العمل التطوعي مكانة عليا في فكر وعقول الشعب العماني، وبالتالي ساعدت هذه العقلية التعاونية المتدينه على تقبل فكرة دخول المرأة المجال الاجتماعي، بل ومساندتها والوقوف بجوارها في أداء هذا الدور للنهوض بالمجتمع في كافة القطاعات، وقد انعكس هذا بالإيجاب على مسيرة المرأة العمانية نحو العمل الاجتماعي.
ثالثها: المرأة العمانية نفسها والتي وجدت في العمل التطوعي ملاذها في المشاركة للنهوض بالمجتمع العماني وأن يكون لها موطأ قدم في مسيرة النهضة الحديثة التي أطلقها السلطان عام 1970 وعلى ما يبدو أن ما أصاب المرأة العمانية في السنوات البعيدة إنما كان بفعل الظروف والأوضاع التي كانت سائدة آنذاك ولكن مع مجيء النهضة سعت المرأة إلى طرق أبواب التعليم وبالفعل حظيت المرأة العمانية بنعمة التعليم ومن منطلق إيمانها الكامل بأن التعليم هو مفتاح الصعود لأي مجتمع عملت على تكوين الجمعيات النسائية وفتحت من خلالها الفصول التعليمية لتعليم أبناء عمومتها ومجتمعها القراءة والكتابة حتى تنهض بالمجتمع ويكون لها دور مماثل مثل دور أخيها الرجل وبالفعل أثبت نجاحها في هذا الدور وخير دليل على ذلك الزيادة العددية الكبيرة التي وصلت إليها الجمعيات النسائية مع التطوير الكبير في حجم أنشطتها لخدمة المرأة العمانية والمجتمع العماني بوجه عام.
وأخيرًا تعتبر جمعيات المرأة العمانية من المؤسسات الاجتماعية التي تستقطب أعداداً كبيرة من النساء وهن يساهمن إسهاماً كبيراً في تفعيل دور العمل النسائي التطوعي من خلال المشاركة، والاستفادة من الفعاليات التي تنظم بهدف تنمية المجتمع المحلي بمقر تواجد تلك الجمعيات.