المرأة والمادة 49 من الدستور



طلال احمد سعيد
2008 / 6 / 28

اعتصرت الشعوب تجاربها وهي تسعى بشوق صوب اسمى نظام للحكم يحقق لها السعادة المثلى فوجدت ضالتها في النظام الديمقراطي، وسرعان ما اخذت به وقطعت اشواطا بعيدة في السير نحو مجتمع افضل وحياة ارغد . النظام الديمقراطي يعني توفير الفرص المتكافئة امام الجميع رجالا ونساء في كافة نواحي الحياة وفي جميع النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
التحول نحو الديمقراطية ليس امرا هينا، فهو يتطلب اولا وعيا سياسيا، وادراكا كاملا لما تعنيه الحرية ، واستيعابا لما يهدف اليه احترام الراي الاخر، كل هذه الشروط تعد دعائم اساسية لقيام النظام الديمقراطي ، وقد توصلت اليها الشعوب الغربية بعد سلسلة طويلة من النضال والتضحيات حققت من خلالها انظمة مثالية في احترام حقوق الانسان وصيانة حرياته والدفاع عنه .
في العراق تداخل النضال من اجل الديمقراطية مع النضال السياسي من اجل التحرر الوطني وكذلك النضال من اجل التخلص من كابوس الديكتاتورية ، وحصلت كبوات عديدة في طريق النضال الذي خاضه شعب العراق ، وكانت المراة طرفا مهما ومشرقا في تاريخ العراق السياسي، واثبتت انها خير ام وافضل زوجة وانقى اخت ، وكان الجميع يتطلع بشوق الى يوم الخلاص وانبثاق شمس الحرية ، واعتقد الكثيرون ان سقوط نظام البعث الديكتاتوري هو بداية الطريق نحو عراق جديد يرسي قواعد الديمقراطية ويقر حقوق الانسان ويعترف و يسيرطبقا لما اعلنته المواثيق الدولية المتحضرة .
قد يكون الكلام عن الديمقراطية امرا في غاية السهولة ، غير ان تطبيقها يجب ان يرتكز على تفهم وايمان لما تعنيه . الديمقراطية اولا لايمكن ان تؤسس في مجتمع لايعترف بحقوق الانسان التي كفلتها له المنظمات الدولية . والديمقراطية لايمكن ان تؤسس في مجتمع تسيطر عليه الهواجس والافكار الغيبية وتنتشر فيه ثقافة العودة الى الماضي، الديمقراطية هي نبتة تنمو وتزدهر في ظروف الحرية الحقيقية وتوفير الفرص لكل ابناء الشعب، والا فانها تتحول الى شعار جديد تتبرقع به تيارات الفكر الديكتاتوري الرجعي.
بعد سقوط النظام شعرت المراة العراقية ، انها الان على اعتاب عهد جديد وقد ان لها الاوان كي تنفض غبار الماضي المؤلم، بعد ان عانت من ويلات الحروب والحرمان والتهميش في دولة سيطرت عليها عقول عشائرية وقبلية في اطار نظام ديكتاتوري سلطوي قلما وجد له مثيل في العالم. واصبحت المراة في العراق الجديد اكثرتفاؤلا من اي وقت مضى في مستقبل واعد لنيل حقوقها التي سلبت منها طيلة عقود من الزمن .
عندما تشكل مجلس الحكم في شهر تموز 2003 اصبحت المراة العراقية ممثلة فيه بنسبة مقبولة، الا ان المجلس تاسس وفق المحاصصة الطائفية مما اصبح مؤشرا على بداية خاطئة للعراق الجديد، وسرعان ما ظهر ذلك جليا بصراع ايدولوجي بين الاسلام السياسي والنهج العلماني منذ الايام الاولى سواء على مستوى مجلس الحكم نفسه ام على مستوى الشارع العراقي. وكانت اول صفعة وجهت الى حقوق المراة في العراق هي صدور القرار (137) سيء الصيت من قبل المجلس الذي الغى بموجبه قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 الذي شرعه الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وكان ذلك القانون يمثل مكسبا عظيما للمراة العراقية , حيث تناول مسالة الاحوال الشخصية بنظرة تقدمية , وقد قامت بعض الانظمة التي حكمت العراق بعد سقوط ثورة 14 تموز المجيدة بتعديل القانون الا انه بقى محافظا على جوهره التقدمي.
اما بخصوص القرار ( 137) فقد شجبته الكثيرمن المنظمات والاحزاب والجماعات السياسية ثم بادر الحاكم المدني الاميركي بول بريمر الى الغاءه .
الغريب في الامر هي دوافع اصدار القرار (137) بهذا الشكل المستعجل بدون ان تستند الى اية مبررات , ولم تكن هناك في الساحة العراقية مشاكل قائمة حول القانون ( 188) كي تستوجب الغاؤه, الشيء الوحيد الذي بات مؤكدا ان الفكر الرجعي الذي سيطر على بعض اعضاء مجلس الحكم كان وراء الالتفاف على حقوق المراة العراقية للحد من طموحاتها وعرقلة مسيرتها نحو التحرر. وقد توضح ذلك الموقف عندما نجحت نفس القوى باقرار المادة ( 41) من الدستور الدائم , التي هي في حقيقتها تحمل روح القرار (137) ولكن بصيغة دستورية لايمكن اجراء التعديل عليها الا بعد مرور ثماني سنوات حسب نص المادة (126- ثانيا) من الدستور نفسه .
عندما شرع قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وضعت المادة (30-ج) التي تقول ( ان القانون يستهدف تحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من اعضاء الجمعية الوطنية)، وهذا النص حسب تقديري وضع بطلب اميركي لاضفاء شكل من اشكال الفكر التقدمي على قانون ادارة الدولة، هذا النص اعيد في الدستور الدائم تحت المادة (49- رابعا) حيث تقول (يستهدف قانون الانتخاب تحقيق نسبة تمثيل للنساء لاتقل عن الربع من عدد اعضاء مجلس النواب)- هذا وقد تم تطبيق النص في انتخابات الجمعية الوطنية وفي انتخابات المجلس النيابي التي جرت عام 2005 .
المادة (49- رابعا) في راي لاتعدو عن كونها برقع ديمقراطي مزيف حشر في الدستور للتمويه على اننا ماضون بدرب الديمقراطية، هذه المادة بالذات منافية لفكرة الممارسة الديمقراطية وهي غريبة لم ترد في اي نص دستوري اخر حسب علمي، وهي لاتساعد المراة على الحصول على التمثيل الصحيح في مجلس النواب وبجدارة بقدر ماتبقيها تابعة لقوائم انتخابية معادية لحقوقها وحرياتهاوذلك من خلال :-
1- تحديد نسبة النساء في مجلس النواب مما لايقل عن الربع فكرة غريبة ، وهي كما يبدو مفتعلة وقد تكون اقرب الى مبدا المحاصصة اكثر من قربها الى الفكر التحرري، وقد تؤدي الى حشر نساء في البرلمان لايملكن مؤهلات لاشغال هذا الموقع المهم، انما سيرددن كل مايقرره الرجال من الاحزاب والجماعات التي ينتمون اليها. هذا المحذور يتوضح من خلال الايقاع البطيء الذي تبديه النائبات حاليا .
2- فكرة تحديد نسبة النساء لايمكن ان تنفذ الا في القوائم المغلقة التي طبقت في الانتخابات الماضية، وهذه القوائم بالذات تتعارض مع مبدا الديمقراطية من حيث حرية العملية الانتخابية لانها تلزم الناخب باختيار قائمة بشكل غير حر، وهو يصوت دون ان يعرف محتويات القائمة التي صوت اليها، والجهة الوحيدة المستفيدة من القوائم المغلقة هي الاحزاب الدينية التي تطرح قوائمها طبقا لمبادئ طائفية ومذهبية.
3- اذا اريد للانتخابات ان تكون حرة ونزيهة ينبغي منح المراة الحق الكامل في التصويت والترشيح دون حدود ودون نسبة وربما هناك نساء يحققن فوزا ساحقا يزيد بكثير عن نسبة الـ 25% وهنا يجب التاكيد على ضرورة العمل وفق القوائم المفتوحة او الترشيح الفردي في ظل دوائر انتخابية متعددة وليس دائرة واحدة .
4- - النتيجة التي افرزتها انتخابات 2005 بموجب النسبة المقررة للنساء , جاءت مخيبة للامال حيث اصبح مجلس النواب صورة لعصر الحريم الذي انتهى منذ زمن , من هنا تاتي اهمية جعل ترشيحات النساء حرة كي يتم انتخاب نسوة على اسس سليمة . نحن لم نسمع كلمة انطلقت من مجلس النواب الحالي تدافع عن حقوق المراة وتطالب بالغاء المادة (41) من الدستور , انما على العكس شاهدنا البعض منهن يخرجن في تظاهرة نسائية ضد حقوق المراة ودعما للمادة المذكورة , في اول اختبار واقعي لما نصت عليه المادة ( 49- رابعا ) من الدستور بشان نسبة تمثيل النساء , ظهر ان هذا النص هو مأزق حقيقي امام العملية الانتخابية الحرة , وقد تبين ان تحقيق النسبة المقررة للنساء مستحيل اذا اريد تطبيق مبدأ القوائم المفتوحة او الترشيحات الفردية , ولعل من المفارقات التي ينبغي الاشارة اليها , ان الاحزاب المستفيدة من القوائم المغلقة هي المدافع الوحيد عن هذه المادة , وهذا يؤكد من جديد ان المادة ما هي الا برقع ديمقراطي مزيف لايخدم النساء ولايخدم المسيرة الديمقراطية باي شكل .

ان عملية تحرير المراة العراقية في ظل المجتمع العراقي الحالي , وتحت هيمنة الاحزاب الدينية ليس امرا سهلا . اذ يتطلب نضالا مريرا تتظافر له جهود كل القوى الديمراطية من اجل العمل على فصل الدين عن الدولة , وبناء الدولة المدنية العلمانية التي تؤمن بحق بالعدالة الاجتماعية وتحرر المراة من قيود الرجعية والتخلف , وعلى المراة مسؤولية مواصلة النضال من اجل ان تدافع عن دورها في كل الانشطة , وعليها ان تدرك ان لا حياة ديمقراطية واعدة دون مشاركتها ومساهمتها في العمل وفي القرار السياسي وان تحتل موقعها الطبيعي في المسيرة في ظل مجتمع متحضر ومتمدن .