لمصلحة من تصدرون قرارات جوفاء ؟



أحمد رجب
2004 / 1 / 23

 في الوقت الذي تحقّق للعراقيين إنتصارهم على الطاغية المجرم صدام حسين ونظامه الشوفيني المنهار وإستبشروا خيراً، وراودهم الأمل بأنّ يحدث هذا الحدث الجلل تحولات سياسية وديموقراطية، وتحترم حقوق الإنسان وتتحقق المساواة بين الرجل والمرأة، يسارع مجلس الحكم الإنتقالي إلى إصدار قراره الجائر المرّقم 137 فجأةً بإلغاء قانون مهم، هو القانون المرقم 188 لعام 1959.
إنّ النساء العراقيات وفور سماعهن بالقرار 137 الذي إستفزهن بادرن إلى رفع أصواتهن، ووقفن ضده لأنّه قرار مجحف بحقهن ويعيد المجتمع والحياة الإجتماعية إلى الوراء، ويعلمن بأنّ من شأنه أن يجهز على ثمرة من ثمرات نضالهن البطولي ألا وهو قانون الأحوال الشخصية الذي يعّد رغم نواقصه من أعظم منجزات ثورة 14 تمّوز 1958.
وممّا لا ريب فيه أنّ إصدار القرارات المجحفة بحق النساء العراقيات، وهم نصف المجتمع أو أكثر من ذلك هو تكريس للطائفية المقيتة وعامل شر وفرقة بين العراقيين، وسيؤّثر سلباً على المجتمع وإستقرار البلاد.
إنّ القرار رقم 137 قرار جائر، وهو هدر لكرامة المرأة وإستغلال بشع لطاقاتها واستعباد لها، وإذا ما تسنّى لمصدريه تنفيذه فإنّه موت حقيقي لنضال النساء العراقيات اللواتي إستبسلن في معارك الشعب ومقارعة الدكتاتوريات البغيضة والأنظمة القمعية الفاسدة، وقدّمن التضحيات الجسيمة من أجل نيل كامل حقوقهن وإشاعة الديموقراطية والحياة الرغيدة للأسر العراقية.
ولا يخفى على أحد بأنّ المرأة العراقية شاركت الرجل في جميع المجالات الإجتماعية، وقضت حياتها في التدريس والمعمل والحقل وشتّى الأعمال الأخرى، فكانت المعلمة والمهندسة والطبيبة والعاملة والفلاحة والطالبة والمحامية والنصيرة المقاتلة، وحملت السلاح ذوداً عن البلاد إضافةً إلى دفاعها عن كرامتها وأحاسيسها.
يحّق للناس التنفس والعيش بحرية وكرامة وفي فضاء رحب، بعيداً عن قرار همجي متّخلف يجّسد الطائفية، ويقلّل من ثقتهم بأعضاء مجلس الحكم، كما يحّق لهم أن يسألوا ويقولوا : لماذا ولأجل من يتخبط مجلس الحكم ؟ ولماذا يتم إصدار قرارات محاطةً بالسرّية ؟ ولماذا يفاجيء الناس بمثل هذه القرارات التي تطمس حقوق أكثر من نصف العراقيين ويتجاهل رغبتهن ؟ ألا يتطلّب ذلك من مصدري القرار تقديم إعتذار للشعب على فعلتهم المنكرة هذه ؟ أو ليسوا منصّبين في مواقعهم كممثلين لمكونات الشعب العراقي ؟
يتعّين على جميع الأحزاب العراقية التي تؤمن بالعلمانية والأحزاب الكوردستانية أن يكونوا على قسط كبير من الحيطة والحذر، وعدم الإنصياع للذين يحاولون إصدار قرارات شائنة ضد أبناء الشعب، ناهيكم عن القبول باستغفالهم في أي وقت من الأوقات وايّاً كانت المبررات.
إنً من يريد أن يعيد البلاد إلى عصر الحريم والعهود المظلمة عليه أن يدرك بأنّه مهما كان قويّاً وذا بأس لن يجني إلا الشر، ويكون الخاسر في كل شيء، ويوم لا تفيده الحسرات والندم.
إن مصّدري القرار 137 يحاولون جس نبض قوى الشعب العراقي المناضلة في سبيل الحرية والديموقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة، وعلى الأعضاء الآخرين المنّورين في مجلس الحكم من الذين يقفون على نقيض الظلاميين أن يتّصدوا وبكل حزم لظاهرة بروز الطائفية التي تفوح منها رائحة عفنة وكريهة.
وبوسع المرء أن يتساءل : هل من مصلحة العراق إصدار مثل هذه القرارات الجوفاء في هذا الوقت بالذات ؟، هل انتهت مشاكل العراق كلها، ولم يبق إلا هذه ؟!.
يظهر أنّ معارضي القوانين التي جاءت لصالح المرأة والمجتمع يتسع يومياً، وإنّ المصالح والمطامح وحتّى المغانم هي فوق كل شيء، إلا مصلحة الوطن.
في خضم الأحداث التي تجري على الساحة العراقية تكون مصلحة البلاد هي الغائبة، إذ أنّ المخربين وأيتام نظام البعث المنهار يمرحون ويسرحون، ويقتلون الأبرياء من الشعب هذا من جانب، ومن جانب آخر تبرز المصالح الشخصية والفئوية والطائفية وحتى الإقليمية والدولية، وكل زمرة تحاول الإستحواذ والهيمنة والتكشير عن أنيابها وإبراز عضلاتها وقوّتها للحصول على المكاسب.
إنّ الإنقسامات والإنفعالات التي يفتعلها البعض من أجل مصالح ذاتية وطائفية لا تصب في مصلحة الوطن أبداً، بل تشّتتها وتضعفها، وينسى هذا البعض أو يتناسى التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب على يد أعتى جلاد عرفته البشرية في العصر الراهن.
إنً العراقيين كافة يطالبون مجلس الحكم التراجع عن قراره المشؤوم، وفي نفس الوقت يحّملون مصدري القرار اللاإنساني المسؤولية الكاملة عمّا حدث، ويجب عليهم تقديم إعتذار قبل أن يخسروا مواقعهم ، ويتوقّف على العراقيين تشديد النضال والعمل على نبذ الطائفية والفرقة لبناء جسور المحبة والإخاء الوطني، والوقوف بكل عزم في مواجهة الذين يريدون العودة إلى القرون الماضية.