مرحى أيتها البرلمانيات العراقيات!!



صائب خليل
2008 / 7 / 8

اخيراً نهضت البرلمانيات العراقيات بما لم يقم به البرلمانيون، وانتصرن لبرلمانهن ولناخبيهن ولكرامتهن، وكرامة زملائهن أيضاً، فرددن على ما يخرج من فم رئيسهن الجلف من أشياء مقززة، والذي لم يستثن أحداً من صلافته واجبرنه على تقديم اعتذار!

ففي مؤتمر صحافي أصدر عدد من البرلمانيات بيانا للاعلان عن احتجاجهن ازاء ممارسة «العنف السياسي» ضدهن فضلا عن التهميش والاستهزاء والتجاوز بالكلام من قبل الهيئة الرئاسية في البرلمان، وبشكل خاص محمود المشهداني. وقالت البرلمانية عالية نصيف جاسم «نحن سجلنا احتجاجنا وتلقينا اعتذارا رسميا من الدكتور محمود المشهداني والتي اعلمنا بها بأن الديمقراطية حديثة (في العراق) ونحن وليدو التجربة ويحصل فيها الكثير من الاخطاء وان هذا العمل غير مقصود».

نعم التجربة الديمقراطية حديثة في العراق، ويمكن أن تحدث فيها أخطاء، لكن اخطاء المشهداني أخطاء في التربية وليس في الديمقراطية، ومن كانت تربيته سيئة فأن الديمقراطية لن تصلحه!

كما أننا لانرى هذا العمل "غير مقصود" فقد سبق للمشهداني أن "أنب" أكثر من مرة وتكررت الإحتجاجات عليه دون أن يغير أسلوبه رغم أن "التكرار يعلم الـ.....". إننا نعتقد أن هذه الجلافة مقصودة لإرهاب البرلمانيين والبرلمانيات لدفعهم إلى التردد في التعبير عن شكاوى ناخبيهم وبالتالي تكون هذه الممارسة جزءا ً هاماً من تعطيل البرلمان إضافة إلى الممارسات الأخرى من رئيس الوزراء ومجلس الرئاسة، حيث يتجاهل الأول البرلمان بوقاحة متزايدة أما الثاني فقد كان دوره تعطيل قرارات البرلمان تماماً وتحميله مسؤولية ذلك والإساءة إلى سمعته بين الناس وافقادها الأمل به.
ونذكر أيضاً أن في عملية إيقاف ثلاثي مجلس الرئاسة غير الموقر عند حده لعبت البرلمانيات النساء دوراً قيادياً متميزاً أيضاً مما حدى "ببطل العرقلة" طارق الهاشمي إلى محاولة تحسين سمعته هذه وإنكار قصده من تلك العرقلة.

الاحتجاج شمل هيئة الرئاسة مجتمعة. وقالت عالية جاسم إن النساء يتعرضن «لمصادرة آرائهن والاستهزاء بها والاضطهاد والتمييز في المعاملة قياسا الى الرجال» واضافت «نحن نطالب بحقوق الناس لكننا نقف أمام حقوقنا عاجزين ازاء اجحاف هيئة الرئاسة وما تستخدمه من أساليب غير صحيحة ونظرة دونية للمرأة». وقالت ان «النساء يتحفظن على الكلام داخل البرلمان خوفا من التعرض للاهانة او الممازحة غير اللطيفة»، وأضافت ان بعض الرجال في البرلمان لديهم التحفظات ذاتها، وان الامر لا يشمل النساء فحسب.
النائبة شذى الموسوي، كانت قد هددت بمقاضاة المشهداني، لأنه «تجاوز على البرلمانيات واستخف بهن عندما طالبن بحقهن في إبداء الرأي» في جلسة اول من أمس. وقالت النائبة كاملة ابراهيم بادي، إن «شتى أنواع مصادرة الحقوق التي ضمنها الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، قد مورست ضد البرلمانيات، من قبل هيئة الرئاسة، فضلا عن التهميش والاستهزاء والتجاوز بالكلام».
لقد تساءلت في مقالة سابقة كيف يمكن لبرلمان لايستطيع الدفاع عن نفسه أن يدافع عن حقوق المواطنين، وهاهي عالية نصيف جاسم تتحدث في نفس الموضوع تماماً وتحتج عليه.
إنتصار النساء هذا لم يكن كاملاً فقد كشفت جاسم عن ضغوطات تعرضت لها البرلمانيات لسحب موقفهن هذا واضافت ان «البيان او المؤتمر لم يكن بالمستوى الذي كنا نطمح له.. ان النساء داخل البرلمان جئن عن طريق احزابهن او كتلهن السياسية وانه تم الضغط عليهن من بعض الكتل التي لها مصالح مع هيئة الرئاسة».
إنه موقف عجيب أن تنتصر الأحزاب لإدارة البرلمان على حساب برلمانييها, وفي موضوع لايمكن التساهل به. ليتنا نعرف هذه الأحزاب لكي نفهم مع من نتعامل.

إنها "المرة الأولى التي تتفق فيها النساء في البرلمان». ليوحدن جهودهن في إنجاز تأريخي نأمل أن يكون مثالاً يقتدي به الآخرين. من جهة أخرى تضامن 60 نائباً برلمانياً مع البرلمانيات في مطالبهن، وشكلوا الثقل اللازم للضغط على متخلفي البرلمان.
لاشك أن ليس كل إساءة للتصرف مبرمجة ومقصودة، فالبعض منها يعود بلا شك إلى قلة تربية وإحساس بالسلطة يصعب على المستجدين عليها أن يتحكموا فيها ، لكن في النتيجة فإن كل هذه الأمور تصب في شل البرلمان وهو أساس الديمقراطية ورمزها. فرغم أن البرلمان العراقي بعيد عن ما يطمح إليه العراقيون، واحتوى على شخوص لايسعد شعبا أن يحويها برلمانه، لكنه بقي ويبقى الرصيد الأهم للشعب العراقي في هذه المرحلة الحرجة.

فحكومة المالكي أحجمت عن تقديم قانون النفط الذي كان سيعطيها صك الغفران من الأمريكان، عن تقديمه إلى البرلمان لأنها علمت أن البرلمان سيقف بوجهه. وما يدوخ هذه الحكومة اليوم في موضوع الصك الثاني "معاهدة الصداقة", إضافة إلى التظاهرات الجماهيرية الواسعة والرفض الشعبي الحاسم، إنما هو البرلمان!

لقد حاول من لايتحملون الديمقراطية، والذين لم يصدقوا أنهم أستلموا سلطة، حاولوا الكثير لتجاوز البرلمان، وبعض محاولاتهم كانت مكشوفة مباشرة مثلما يفعل المالكي في أي اتفاق له مع بوش وأي رسالة يكتبها لمجلس الأمن وأي تمديد للقوات وأي تمديد لحالة الطوارئ، حاولوا أيضاً بطرق أقل مباشرة وانكشافاً مثل محاولات تمرير قوانين التصويت السري، إضافة الى عمليات تزوير الإنتخابات التي يعترف بها الجميع، وقد أضيفت اليها مؤخراً الحرب على التيار الصدري استعداداً لإنتخابات المحافظات، واستعداداً للتصويت على النفط والمعاهدة، أملاً أن يرتدع الصدريون عن مواقفهم, وأن يكونوا عبرة لمن اعتبر من غيرهم ممن لا يجد في هذه القوانين مصلحة للعراق. لانرى تردد الصدريين في خوض الإنتخابات القادمة إلا نتيجة لتلك الممارسات، والصراع مستمر، كذلك لانتخيل المالكي يجرؤ على تمديد قانون الطوارئ "لوحده" كما يحلو له أن يكرر دائماً، لولا المساندة غير الشريفة من المشهداني وبقية الشلة بقمع من يحاول أن يعترض, وإظهار من يصر على ذلك على أنهم أقلية.

إن رؤية محمود المشهداني وتلذذه بإذلاله لأعضاء البرلمان يذكر المرء بقصة الإمبراطور الروماني كاليجولا ألذي عين حصانه "إنكتاتوس" رئيساً للبرلمان ألروماني إذلالاً له لكي لايجرؤ البرلمان على الإعتراض عليه...في العراق عرفنا الحصان، لكن من هو كاليجولا ياترى؟ ومثلما طأطأ أعضاء مجلس شيوخ روما رؤوسهم تأييداً لحكمة كاليجولا، إنبرى ضافر العاني ورفاقه بلا خجل يشرحون للعراقيين استحالة تغيير المشهداني حتى لو خرجت من فهه الأحذية وحتى لو ضرب حراسه النواب الآخرين!

إنه مرض قبيح، لكن الديمقراطية تشفي نفسها من العلل إن هي أعطيت الفرصة لذلك، وهاهم برلمانياتنا البطلات يقدمن البرهان على ذلك وكم أسعدتني حركتهن رغم غصة في صدري من تساؤل عن سبب سكوت البرلمانيين عن ذلك كل هذا الوقت. الوقت في صالح الديمقراطية لتشفى، لكن نصراً عاجلاً أمر ضروري لإعطاء البرلمان وزنه، وردع من يحاول عرقلة عمله في هذه الأيام الحرجة التي يحضر فيها البعض مؤامراته على البلاد بلا هوادة. البلاد في مخاض عسير وهي بحاجة إلى برلمان صحي جريء يقودها إلى بر الأمان. تحية ثانية لكن أيتها البرلمانيات الرائعات وأنتن ترفضن الإنحناء للحصان!